مُطوِّرون ، أم مُورطِّون؟!
يطلق اسم المطور العقاري على كل من يقوم بالتهيئة
العمرانية لمساحة من الأرض الفضاء التي تتوفر فيها الشروط الأساسية لإقامة تجمع
سكاني؛ حيث يقوم هذا المطور بشراء الأرض من مالكها، سواء كان ذلك الدولة أم
الأفراد، ليقوم بعد ذلك بتدبير التمويل اللازم لبناء مجمع سكني بكامل مرافقه،
وذلك وفق شروط وضوابط معمارية تضعها الجهات المختصة. وعند اكتمال المشروع يقوم هذا
المطور بعرض ما شيده للبيع مقابل هامش ربح معقول جراء ما قام به من تعمير وتطوير.
هذا العمل، أي التطوير العمراني الحضاري
المرشد، من الأعمال الخطيرة والمهمة، سيما في بلد كبلادنا يعاني من أزمة سكن حادة،
ومن تناقض صارخ بين ثمن المسكن في سوقه السوداء القائمة، تملكا أو إيجارا، وبين
متوسط دخول السواد الأعظم من المواطنين.
كان لسياسة الوصاية الحمقاء التي أدمنها
النظام السابق خلال حقبة تسلطه السوداء الدور الأكبر في الفتك ببراعم شجرة التطوير
العقاري التي حاول بعض المطورين الأجداد البسطاء القيام بها، والتي ورغم بساطتها
إلا أنها أفلحت في تهيئة الكثير من الأراضي الفضاء، وتمكين المواطنين من اقتنائها
بأسعار معقولة. ولعل التقسيمات السكنية التي لا زال أكثرها يحتفظ بأسماء مطوريها
خير شاهد على ذلك.
لو لم يقم النظام السابق بقطع دابر التطوير
العمراني الخاص ووأده في مهده، لتطور ذلك النموذج البسيط للتطوير العمراني، ولأصبح
في شكله العالمي الحديث، ولكللت المدن السكنية المتطورة جيد طرابلس وبنغازي وغيرها
من المدن الليبية، ولخففت عن هذه المدن ما ترزح تحته من أثقال!
أجل تم تجميد ثقافة ومهنة التطوير العقاري العقود
الطوال، وها نحن نرى أحفاد أولئك المطورين القدامى يعيدون الكرة ويقتحمون ميدان
صناعة التطوير العقاري ولكنهم، ويا للأسف، جاءوا متأخرين عن ثقافة وتقنية التطوير
العقاري السائدة أزيد من أربعة عقود!
وبدل أن يحمل هؤلاء المطورون المورطون نماذج
مجمعات سكنية راقية، ويصطحبوا معهم أدوات التقنية المعمارية الحديثة، جاءوا وهم
يعتلون صهوات الجرافات، مغرزين أنيابها الفولاذية في الجزء الأخير المتبقي من رئة
المدينة، ولسان حالهم يقول: ها قد أخذنا
بثأرك يا صحراء، ورددنا لك ما اقتطعه منك الاستعمار الإيطالي الفاشستي البغيض!
أجل إنها ثقافة التصحر والصحراء التي حقننا
بها ذاك الدكتاتور، وعاش يتغنى بها طوال حقبة حكمه البائسة، معاديا بذلك لكل معلم
حضاري معنوي ومادي.
في ريف مدينة طرابلس المستباح، وحيث بقايا
الحزام الأخضر، خط الدفاع الأخير عن المدينة، وشجيراته الواهنة في رمقهم الأخير،
نرى المطورين الجدد المتخلفين وقد ركبوا الجرافات وحولوا مئات الهكتارات بين عشية
وضحاها من أرض تتشبث بالقشة الخضراء الأخيرة لها، إلى صحراء صفراء، تتخللها خطوط
من الزفت سوداء، لتلد هذه الفريسة المغتصبة سفاحا وإجهاضا قرى عشوائية مبعثرة!
في هذا العمل التطويري التوريطي؛ نرى المطور المورط
قد استغل حاجة الناس إلى قطعة أرض يبنون عليها مسكنهم، فركب هذه الحاجة، وفرض
السعر الظالم الذي يريد، وبذلك السعر الاستثنائي أغرى صاحب الأرض، وراوده عن حرفته
المباركة، الزراعة، التي ورثها عن آبائه وأجداده، ثم إن هذا المطور المسخ استباح
البيئة، حرم كل مواطن، وعبث بها.
إن هذا المطور إذ يمارس جريمته هذه في تجاهل
تام لأصول مهنة التطوير العقاري، وبمنأى عن كل قوانين وتشريعات الدولة، فإنما يقوم
بزرع عشوائيات سرطانية حول المدينة تزيد من عبء المدينة بدل أن تخفف منه.
"خرِّف يا شعيب"!!!!
عندما أكتب مقالة ألمس فيها وترا مشدودا،
وأنكأ بها جرحا عميقا، يغمرني في بدايتها شعور عارم بأن ما أكتبه سوف يكون أحد
قرائه مسئول حكومي مختص، وبأن هذا المسئول سوف لن يغمض له جفن حتى يتحقق مما كتبت
ويبادر إلى فعل شيء ما حياله!
أما في ختام المقالة فيجتاحني شعور محبط
معاكس لسابقه، وذلك لما نعايشه من بطء، بل وتجاهل تام في معالجة الأمور الملحة التي أتعرض لها وغيري
بالكتابة من حين لآخر.
تُرى هل ينتفض المسئول المختص بمجرد علمه بأن
الأنياب الفولاذية تأتي على البقية الباقية من رئة طرابلس وبنغازي، فيستنفر ما تحت يده من
قوة، ويعلن حربا لا هوادة فيها على العابثين الانتهازيين؟!
سادتي المسئولين إن لم تستطيعوا رد جحافل
الهكسوس بأيديكم، فلا أقل من أن تنضموا إلى طابور الضعفاء أمثالنا وتشاركوننا أضعف
الإيمان: الصراخ!
أصرخوا مثلنا ونوحوا، خير لكم من أن تغدوا على
مكاتبكم وتروحوا !!!!!!!!!!!
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق