الأربعاء، أبريل 10، 2013

11 يونيو


11 يونيو صار 20 رمضان؛ ففتك به المسكين السرطان!

طريق 11 يونيو سابقا، 20 رمضان حاليا؛ شارع رئيس كبير، يقع في وسط المدينة، وفي مكان الخاصرة من جسمها الغض، رابطا ساحلها البحري الشمالي بعمقها الجنوبي. وهو أول طريق سريع حديث تعرفه طرابلس، حيث تم شقه في منتصف السبعينيات ليربط طريق الكورنيش بالطريق الساحلي، ثم بالطريق الدائري المنشأ لاحقا في منتصف الثمانينات.

وبمسار يكاد يكون مستقيما، شق هذا الطريق بساتين منطقة سوق الجمعة ومزارعها التي كانت تغلب عليها الصبغة الريفية الزراعية عندما تخللها هذا الطريق.

ولابد لطريق بطول الثلاثة كيلومترات تقريبا، وبعرض الستين مترا أن يحدث اختراقه لهذه المنطقة الآهلة المكتظة انفجارا بيئيا واجتماعيا مدويا، نشأ عنه فقدان عائلات بأكملها مزارعها وبيوتها، وقذف بها بعيدا عن أماكن نشأتها، مسببا كلفة اجتماعية باهظة، شكلت مع التكاليف الأخرى لإنشاء هذا الطريق الجانب السلبي من حساب جدوى بنائه، وذلك في مقابل الميزات الاقتصادية الكبرى المنتظرة التي وعد بها حساب الجدوى، وذلك إذا ما تم تنفيذ الطريق وفق المخطط، وبناء على الافتراضات المعدة التي على أساسها تم إقرار إنشاء هذا الطريق.

ولأن النظام الجماهيري الفوضوي السابق هو الذي تم على يديه  إنشاء هذا الطريق، فقد أصاب هذا الطريق ما أصاب أمثاله من مشاريع من سوء تنفيذ وقصور اكتمال وتشطيب، بل وتجاهل تام لاشتراطات جدوى إقامته.

بيد أن نصيب هذا الطريق من تلك الفوضى كان أكثر جسامة مما سواه، وذلك بسبب القصور في تكوينه الخلقي الجنيني، وولادته مشوها مسخا مبتور الكتفين!

كتفا هذا الطريق السريع هما الطريقان المحاذيان له المسميان طريقا الخدمات، وهما طريقان يحضنان الطريق عن يمينه وشماله، لتسهيل الدخول والخروج منه بانسيابية وأمان، ولمنع وقوع احتقانات واختناقات مرورية به.

وبتكلف ظاهر تم إجبار هذا الطريق المشوه ومنزوع الكتفين على العمل وبأكثر من طاقته، لتكون مخرجات هذا الطريق سالبة، بل وتحول المسكين بسبب تشوهاته الخلقية الجسيمة إلى حقل ألغام ومصدر هم وآلام؛ ذلك أنه لا يمر شهر، وربما أقل من ذلك، حتى يعلو صوت الناعي معلنا خبر التهام طريق 11 يونيو لنفس بريئة ليس لها من تهمة إلا أنها عاشت إبان سواد العصر الجماهيري الفوضوي الأسود!

مضت العقود الطوال من عمر هذه الطريق على الوضع البائس الذي يعرفه عليه الجميع، وجاء التغيير السياسي الذي غير وعلى الفور اسم الشارع من اسمه القديم إلى اسم جديد.

كنا نتصور، ونحن نغير أسماء شوارعنا ومياديننا، بأن يوم تغيير الاسم هو بمثابة يوم ولادة جديدة للمسمى، وبداية مرحلة تصحيح وبناء وتطوير، إلا أن ما حدث لاحقا خالف كل التطلعات المتفائلة والتوقعات الوردية البريئة!

فبمجرد إطلاق الاسم الثوري الجديد، 20 رمضان، انتفض هذا الشارع فرحا، وأخذ يحرك كتفيه المشلولتين، وكأنه يريد ممن أطلقوا عليه اسمه الجديد المبادرة بإزالة ما تراكم على أطرافه من صدأ، وإزالة ما تم حقنه به من شلل وسقم.

لم يمر وقت طويل على مهرجان تغيير الاسم الذي بث رعشة الحياة المزيفة في ذلك الجسم المعتل حتى انتشرت المعاول على يمين الطريق وشماله مظهرة حركة بناء وتطوير، ولكن أي بناء وأي تطوير!

اكتشف الطريق المسكين، ويا للإسف، أن تلك المعاول لم تأت لفك أسره ومداواة شلل أطرافه وجوانبه، وإنما جاءت لبتر ما تبقى من جذور أطرافه وكتفيه، وتحويلها إلى معارض ودكاكين، تاركة إياه نفقا من موت، وسبيلا من بوار وهلاك!

بُترت أطراف الطريق، وبُترت معها الأحلام العمرانية العريضة التي علقها كل منا على ثورة التصحيح، وانخرط المسكين في نوبة إحباط وفشل، يلحظها عليه وبسهولة بالغة كل من يمر خلاله؛ ذلك أنه لا تمر ساعة من نهار إلا وطريق 20 رمضان مختنقا مكتظا متألما متوجعا، يبث شكواه إلى كل ذي حس وضمير، ولكن لا شذرة  من حس، ولا ومضة من ضمير!

ذلك الذي عانى ولا زال يعاني منه الطريق، هو فقط ما تم في العلن، وعلى مرأى الجميع، وفي وضح النهار؛ أما الذي تم في الخفاء، فهو أنكى من ذلك بكثير!

الذي تم في الخفاء جرى في غرفة مظلمة، هناك، في إدارة التخطيط والتطوير العمراني ببلدية طرابلس، وعلى يد لجنة مشبوهة، تبرر لنفسها تغيير وتشويه المخطط. وحتى تضفي هذه اللجنة على عملها الخبيث بصمة من شرعية، تقوم بتحضير ملف قوامه طلب من مواطن يصف نفسه بالمتضرر من طريق معتمد بالمخطط، ثم ولزيادة جرعة التدليس والتزوير، يتم تعزيز ذلك الطلب بتوقيعات غير موثقة ممن يسمون بالجيران، وهو ما تعتبره اللجنة المطعون في ذمتها أكثر من كاف لزحزحة طريق مستقرة في المخطط لعقود طويلة، أو تضييقها، أو حتى شطبها بالكامل.


طريقا خدمات 11 يونيو طالهما عبث هذه اللجنة، وبدأنا نسمع من حين لآخر بتضييق هذين الطريقين، بل وبشطبهما وإلغائهما من الوجود.

خرف يا شعيب!!!!!!

لماذا؟

لأنني كتبت اكثر من مقال يخص التطوير العمراني، ولكن لا عين ترى، ولا أذن تسمع، ولا قلب يعي، أو هكذا بدا لي !

ربما لم يعد في الجوار أحدا!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

هناك تعليق واحد: