الاثنين، أبريل 08، 2013

طاغية، وطواغيت!


طاغية، وطواغيت!

الطاغية هو كل من تجاوز الحد الذي يجب أن يقف عنده.

لو فعل كل منا ذلك لما كان بيننا طاغية، ولما احتجنا لأربعين سنة خسران، وأربعين ألف روح قربان لطرد جن الطغيان!

إننا إذ نعيش هذه الحياة فإننا نسير خلال غابة من الخطوط والحدود، وإن انزلاق أقدامنا وتعدي حدودنا ووقوعنا في المنطقة الحمراء، هو أمر وارد الوقوع محتمل الحدوث.

المنطقة الحمراء المتربصة بنا لا تلد نفسها بنفسها، وإنما هي امتداد مناطق أخرى تسبقها ذات ألوان غير حمراء، حيث أن ما من طاغية تجاوز الحد ووقع في المنطقة الحمراء إلا ومر بمناطق وألوان غير حمراء؛ خضراء وصفراء مثلا.

حاكمنا السابق، والذي شاع على كل لسان تسميته بالطاغية بعد سقوطه، كان يكره في حياته كرها شديدا تسميته بذلك، وخاصة إذا ما سمع ذلك من معارضيه الإسلاميين الذين يحمِّلون كلمة طاغية بالإضافة إلى معناها المعجمي الثقيل  معنى اصطلاحي ديني أكثر شدة وثقلا.

كان أهم أسباب سقوط الحاكم السابق هو إيغاله في عمق المنطقة الحمراء وتجاوزه كل الحدود، بل وإدمانه الطغيان الأحمر.

بيد أن حاكمنا السابق لم يجد نفسه فجأة ودونما مقدمات في بؤرة منطقة الطغيان، وأنه فعل كل ما فعل من أخطاء دفعة واحدة، ولكنه تدرج وعبر خلال كل المراحل حتى استقر به المقام هناك في قلب منطقة الطغيان الحمراء ليلحق به وبأنصاره ما لحق.

كان درس سقوط طاغيتنا القديم بليغا جدا، ولكنه كان مركزا وسريعا حتى أن الكثير من طواغيتنا الجدد وخاصة الذين يرددون وبكثرة كلمة طاغية، وشاهدوا بأم أعينهم مصير الطاغية الذي يعنونه، لم يستفيدوا كثيرا من ذلك الدرس وأنساهم صخب ذلك السقوط  ما كان يجب عليهم أن يتعلموه من درس السقوط.

في حوادث السير العادية الكثيرة في بلادنا نرى أن أحد أهم أسباب تكرار تلك الحوادث الجسيمة في شوارعنا هو نسيان أكثرنا وقع تلك الحوادث المروعة التي يقفون عليها، بل إن معظمنا وهم يرتادون الطرقات ويعبرون فوق ألغامها ويدنون كثيرا من منطقة الخطر، يعتقدون أنهم بمنأى عن هذه المخاطر، وأن الآخرين هم من تهمهم هذه الحوادث  وليس هم.

إن البيئة التي حضنت دكتاتورية واستبداد النظام السابق وساعدت على طغيان عناصره الموجودين في قمة  هرم الطغيان وقاعدته، لهي بيئة كثيرة الشبه بالبيئة الحالية التي نعيشها؛ حيث لا فواصل واضحة بين اللون الأخضر والأصفر والأحمر، وحيث لا أذن تسمع لناصح، ولا هامة تخضع لرادع!

طاغية ذاك الذي ينتهز فرصة غياب عصا رجل المرور فيتجاوز حدوده ويخالف قوانين المرور، حتى يسبب عمله هذا إزهاق روح بريئة، وهو بتماديه واستمرائه المكوث في المنطقة الحمراء في الشارع إنما يعمل هو وأشباهه على شيوع وانتشار اللون الأحمر في كل الشوارع حتى تحولت شوارعنا جميعها إلى أنفاق موت!

طاغية ذاك الذي انتهز فرصة حيازته لسلاح وانضمامه إلى كتيبة، فأخذ يتصرف وفق هواه وبما تشير به عليه نزعاته ونزواته وغرائزه، فاعتقل وطارد وخوف وأرعب، ثم جنى ما أراد من غنيمة مادية أو معنوية!

طاغية ذاك الذي تصور نفسه ظل الله في الأرض وانتهز فرصة تمكينه الهشة وسيطرته المؤقتة في تكريس معتقده ومذهبه، متجاهلا ما يراه الآخرون ويعتقدونه، بل ربما حسبهم ضُلالا لا رأي لهم ولا كرامة ولا جناب!

طغاة أولئك الذين يتصارعون في الخفاء والعلن على الاستحواذ على كراسي الحكم محولين المساحة الضيقة من البساط الديمقراطي المشبع بدماء ضحايا حرب إخوة الوطن التي لم تجف بعد إلى ساحة اقتتال على مغانم شخصية رخيصة!

طغاة أولئك الذين التقطوا مفاتيح خزائن ثروة الدولة، منتهزين حالة قصورها، ونصبوا من أنفسهم أوصياء عليها، ولم يراعوا في وصايتهم عليها خلق الأوصياء ونزاهة وتعفف الأولياء!

طغاة أولئك المتاجرون بوجدان البسطاء المتسلقين على لحظات ضعفهم، ليملكوا عليهم مشاعرهم ويجعلوا منها أوراقا انتخابية صحيحة العدد باطلة السند!

طغاة أولئك الذين تكلفوا في إعداد فاتورة مساهمتهم في عملية التغيير ذات الملامح الإلهية، حتى أن بعض تلك الفواتير حملت قرارات وصاية على الدولة غير  قابلة للتسييل والتسوية المالية!

طغاة أولئك المتسلقون بحبال القبيلة الواهية فاعتلوا هامة الدولة وأرهقوها ونازعوها سلطانها المهيمن على كل القبائل!



طغاة أولئك العابثين بالخريطة العمرانية للمدن، الماسخين لمخططها، المغلقين لشوارعها، والمستحوذين في وضح النهار على ما ليس لهم!

طغاة أولئك العابثين بالبيئة الممزقين بجنازير جراراتهم النسيج الطري الواهي لرئات مدننا المخنوقة!

إن الطغيان امتد حتى بدا على وجوه القاصرين الصغار وهم يعربدون في الشوارع منتشين بلعبة الفوضى التي تروق للكثيرين منهم في هذه السن!
............................
...................................
................................................. الخ!

الغريب في الأمر أن كل الطغاة الذين ذكرت وغيرهم كثير لا زالوا يجترون كلمة طاغية القديمة الموصوف بها رأس النظام السابق، مشنعين ما كان عليه من طغيان، ولكنهم في ذات الوقت يخطون خطاه ويستنسخون أفعاله ويتوغلون في المنطقة الحمراء حيث مصارع الطغاة!  

ألا يكون استشراء ظاهرة الطغيان بيننا هو بسبب إفراطنا في إعلاء صوتنا بكلمة طاغية واصطدامها بأجسام الطغيان الكثيرة حولنا ورجوع صداها علينا وتلبسها بنا؟!

لماذا لا نجرب ترديد هذه الكلمة سرا ونحن في خلواتنا بحيث تتخلل هذه الكلمة بواطننا وتلاحق خلايا طغياننا السرطانية التي فتكت بنا، ونداوي أنفسنا بالتي كانت الداء!

القذافي الطاغية لم يفعل ذلك ولم يواجه نفسه فقاده طغيانه إلى حتفه!

حقا. لماذا لا نجرب؛ فنتقي مصير من لم يجرب؟!!!!!!!!!!!!!!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
http://libyanspring.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: