الخميس، أبريل 25، 2013

أرناود فان دورن...........


أرناود فان دورن؛ هل لقننا، أم لقناه درسا؟!

انتقل مؤخرا السيد " فان دورن"، السياسي الهولندي، في موقفه من المسلمين ونبيهم ودينهم من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال؛ حيث تحول وبسرعة مذهلة من النقد الحاد وربما الوقح للإسلام ورموزه، إلى الوقوف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقوفا يشبه كثيرا وقوف الشاعر كعب ابن زهير بن أبي سلمى الذي أمعن هو الأخر في هجاء الرسول حد الإيذاء، ثم هداه الله وتاب عليه ليجيء إلى الرسول تائبا متأسفا، فما كان من النبي إلا أن عفا عنه وخلع عليه بردته، ولتظل هذه البردة محفوظة عبر القرون وحتى وقتنا الحاضر، مرسلة ظلها الوارف على طوابير اللائذين بحماها، بدءا بكعب بن زهير، وليس انتهاء بفان دورن!

وبمجرد انتشار خبر إسلام فان دورن، وكعادة الكثير منا، تسرع بعضنا، ورفع شارة النصر على عدو الإسلام أمس ومعتنقه اليوم، مرجعا إقدام هذا الرجل الأوروبي المتحرر من كل قيد على اعتناقه دين الله إلى بأسنا نحن المسلمين وبلائنا الشديد في مواجهته وأمثاله وهم يمارسون جريمة سبهم لديننا وفق وجهة نظرنا، ونقدهم الفكري والإعلامي له وفق وجهة نظر أولئك القوم المقيمين في بيئة غير بيئتنا والمتشبعين بثقافة غير ثقافتنا.

ولكن، هل حقا انهزم فان دورن في حربنا التي أقمناها ضده، والتي دخلناها بسيل جارف من عواطفنا وحماسنا الفطري، حتى تحولت من ساحة سجال بين رأي ورأي آخر مهما كان تطرفه، إلى ساحة اشتباك بكل الأسلحة التي تستخدم في كل شيء بدءا من المقاطعة الاقتصادية وحتى قطع الرؤوس، إلا أنها غير ذات جدوى في ساحة الحوار وسجال الآراء والأفكار.

فان دورن لم ينهزم، بل انتصر مرتين؛ مرة هناك في بلاده عندما آزرته وناصرته الديمقراطية وحرية الرأي والفكر ولم تضع أمامه أية إعاقات وهو يمارس مراهقته الفكرية الدينية، والتي كانت بمثابة إرهاص لابد منه للوصول إلى قناعته الأخيرة وتحوله إلى الدين الذي كان يحاربه، بل ربما كانت تلك المرحلة التي شهدت تلك المراهقة وذلك الإرهاص مرحلة لابد منها لانتقال فان دورن وغيره من الباحثين عن الحقيقة. كما أن محاولة البعض قطع خط سير هؤلاء، عن سوء نية أو حسنها، ربما يتحول إلى حالة وقوف في وجه التيار الطبيعي للأمور، ومعاكسة لنواميس وقوانين الأشياء!

أما المرة الثانية التي انتصر فيها هذا الرجل فهي عندما أقبل على النبي زائرا ضريحه، وهو أحسن حالا من كعب ابن زهير، حيث لم يجئ متخفيا خائفا كما فعل كعب، وإنما جاء مطمئنا كامل الإرادة .. كيف لا، وهو سيستخدم هذه الإرادة في رحلة روحية إيمانية سامية الدرجات بعيدة المداءات للوصول إلى الله رب السماوات.

يثيرني ذلك السؤال المهم، ويدفعني إلى طرحه مرة أخرى، ولكن من زاوية ثانية: هل الله هو من قلَّب قلب فان دورن، بعدما أكمل رحلته العقلية والفكرية الضرورية، وألهمه إلى الإسلام ومصالحة نبيه والوقوف بين يديه؛ أم أن فان دورن هاله وربما أرعبه ما رأى من ردة أفعالنا نحوه جراء فعلته التي أخرجت الكثير منا عن طورهم، حتى وصل بعضها إلى حد هدر دم الرجل الذي أسرع خوفا من ذلك إلى اعتناق ديننا ، رغبة أو رهبة؟!

معاداة فان دورن الفكرية الإعلامية للإسلام، ثم اعتناقه بإرادته الكاملة ودون إكراه من أحد للإسلام، ووقوفه  خاشعا بين يدي نبي الإسلام، يساعدنا كثيرا على الإجابة النموذجية على السؤالين عاليه، وهي إجابة معيارية تصلح للإجابة على ألف سؤال وسؤال من الأسئلة الملحة التي تواجهنا، والتي معظمها يقف حجر عثرة في الطريق الوحيد الذي يتحتم علينا سلوكه لإصلاح أمر ديننا ودنيانا.

أيضا، وعندما نوفق إلى تلك الإجابة المثالية المعيارية، فإن هذه الإجابة ستساعدنا كثيرا في التعامل بفطنة وذكاء مع الحالات الملغزة المحرجة كحالة غريمنا وعدونا بالأمس، وأخينا وابن ديننا هذا اليوم؛ السياسي الهولندي المتطرف، فان دورن!

تقول المرأة الليبية البسيطة الحكيمة:" يا جارتي عاركيني، وخلي باش تقابليني "!

كم نحن بحاجة إلى توسيع وتنقية الهوامش فيما بيننا وبين خلق الله القريبين منا والبعيدين، المتفقين معهم والمتخاصمين!

كم نحن بحاجة ماسة إلى نظرة بارانومية لهذه الفسيفساء الدنيوية، والتمعن كثيرا فيها، آخذين في اعتبارنا اتساع وتطور وتمدد هذا الكون بمحتوياته المعنوية والمادية جميعها إلى حد يجعل من يحاول تضييقه وممارسة الوصاية على من فيه، والتجرؤ على نواميسه طمعا في تطويعها لهواه، مخلوقا متخلفا، وربما مريضا متطرفا.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: