انفجار، أم بالون اختبار؟!
الإجابة السريعة والعاجلة على السؤال عاليه
من اختصاص الجهاز الأمني للحكومة، وهي المسئولة مباشرة أمام شعبها في الداخل، وكذا
أمام الجهات الخارجية؛ دولا ومنظمات.
أما الإجابة التي لابد أن يسبقها أخذ نفس
طويل بطول عمود الغبار والدخان المنبعث من مركز الانفجار، وبعمق الشرخ النفسي والاجتماعي
في النسيج الوجداني الطري للشعب الليبي المبتلى المسكين، فهي تخص كل من استلم صورة
من فاتورة ضريبة الموت والإعاقة والتشرد والخسارة المادية الجسيمة للثورة على الشر.
كل ليبي وليبية مهما بلغت درجة ذكائه وحذقه
وألمعيته، وربما انتهازيته وخبثه لابد أن يسدد حسابه من تلك الفاتورة، وحتى من أفلح
الآن من التملص والتهرب الساذج ، وتخفى عن الأنظار فرحا بما غنم من مال أو سلاح أو
وظيفة أو إفلات من جريرة، سيطاله سيف المراقب الضريبي والاجتماعي والأخلاقي، وسيجبر يوما ليس بالبعيد على دفع أصل الضريبة وغراماتها
المتراكمة، والتي لا يمكن التنبؤ بحجمها المتعاظم أبدا.
انفجار كبير كالذي حدث أمام السفارة الفرنسية
يبعث برسائل لا حصر لها، ويضع دائرة الشبهة على أطراف وجهات عديدة.
ولأن تقصي شبهات الضالعين المباشرين في هذه الجريمة هو من شأن الدولة وأجهزتها المختلفة
كما قلت، فإن الشبهات المحيطة بمن هيأ الظروف لهذا الفعل الشنيع ومهد له الطرق، عامدا
او ساهيا، هو الذي يهمنا أمره.
أجل يهمنا أمر الطرف الذي أوجد الظروف المساعدة
لهذه الجريمة، وذلك لأن المساحة التي يشغلها هذا الطرف كبيرة جدا بكبر مساحة الكتلة
البشرية الليبية التي ما إن فرغت من الاحتفالات والمهرجانات المليونية بالتحرر من الظلم
والاستبداد والفساد حتى انخرطت كلها، أو قل جلها تجنبا للتعميم، في نهش جسم الدولة
الذي اثخنته الجروح وأنهكه النزيف؛ فارتمى أرضا، ودعا من حوله والعارفين بحاله إلى
إنقاذه وتطبيبه.
إنقاذ وتطبيب البلد الجريح كان من المسائل التي لا
يختلف عليها اثنان، بل كان هذا العمل المقدس من مفردات أناشيدنا وأهازيجنا، ونحن نمارس
لعبة عض الأصابع الدامية بيننا وبين النظام المنهار، ولعبت هذه الأناشيد والأهازيج
المصبوغة بدم الوطن الجريح والمبشرة بالغد الأفضل له، دورا كبيرا في رجحان كفتنا رغم
هواننا وقلتنا وطراوة أناملنا.
لعن الله النسيان الذي يعبث بضمير ووجدان
الإنسان، ويحيله في أمد قصير من ثائر على الشر إلى معول للشر.
ربما ما نسبته 100% من الذين يطلعون على
هذا الاتهام المعنون بعبارة: إلى من يهمه الأمر، إما في صورة مقال كهذا، أو في صورة
ملصقات، أو مطويات، أو في صورة نشرات وإحصائيات،
يظنون أن لا أحد منهم يعنيه هذا الاتهام!
بيد أن أحدهم سيعتدل في جلسته، ويمرر يده
على شعر رأسه إلى رقبته، ويظن أن إقدامه خلال العام ونصف العام الماضي على حذف اللون
الأحمر من قائمة الألوان الموجودة في الجزء
الخاص بالخوف والحذر من الكتلة الرمادية الرابضة داخل جمجمته، واتخاذه منفردا نظام
السير على الشمال، وتعمد ركوب سيارته بدون لوحات، وقيامه بالطمس الكلي للجزء البلوري
الشفاف من جسمها، وأخيرا إطلاق العنان للوحش
الناري داخلها والمدلل حتى الفحش بالبنزين الممتاز الرخيص؛ يظن صاحبنا هذا أن كل ذلك
ليس له علاقة أو أمارة بانفجار السفارة!
قطعا ياأيها المخالف لقانون المرور لن يوجه إليك
أحد تهمة انفجار السفارة!
وكذلك أنت يا من تتعمد وضع أصبعك في عين
الحكومة، وتتفاخر بأنك تحمل سلاحا لا سيطرة لها عليه!
وأنت أيضا أيها المتلفع بعلم الاستقلال،
مستخدما إياه في تجاوز البوابات الإلكترونية والممرات الخاصة جدا المؤدية إلى خزائن
العملات، وصندوق أختام القرارات، ومستودع الاتصالات الهامة والعلاقات!
و..........
و..................
و....................
و.......................... الخ!
أجل كل أصحاب هذه الأفعال، بل الفعلات،
المتصاعدة هرميا في شدة إيذائها، وصعوبة تتبعها ورصدها، لهي المسبب الحقيقي لانفجار
السفارة، أما من قاموا بالعمل المباشر لعملية التفجير الآثمة، فهم مجرد تجار عابرين
من تجار الأزمات والحروب، ولم يكن لهم من دور سوى جلب بضاعة الشر وعرضها على رصيف الجريمة
الذي صنعه كل من:
المخالفين لقواعد المرور، والمغلقين للشوارع،
والعابثين بالسلاح غير المرخص، والمقتحمين لدواوين الحكومة، والمغتصبين للنساء، والهادمين
للأضرحة بدون علم الدولة وموافقتها، والمروجين للمخدرات، والعابثين بقوانين الدولة
ونظمها ولوائحها، ......... الخ!
إذن هل ما حدث أمام السفارة مجرد انفجار،
أم أنه بالون اختبار؟
إنه انفجار انتهى وتلاشى صوته في بضع ثوان.
وإنه أيضا، وهو الأهم، بالون اختبار سيظل
متأرجحا بين السماء والأرض بلونه الأحمر المخيف، وصوته المزمجر العنيف، مهددا إيانا
بانفجارات تتابعية قادمة، وذلك مادام فينا ومنا من يعد ويهيء رصيف الجريمة لتجار الجريمة،
عمدا، أو جهلا، أو حتى سهوا.
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
http://libyanspring.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق