الجمعة، أبريل 19، 2013

في نفوسنا شيء


في نفوسنا شيء قد يفسد كل شيء!

خلال عقود أربعا ونيفا سيطر علينا نحن الليبيين رجل ثار حوله جدل كبير، وما يهمني من هذا الجدل في هذا المقام يمكن أن تلخصه عبارة القذافي للفتاة القاصرة، "ثريا" عندما لم تطاوعه على اغتصابها، حيث قال لها:  أنا أملككِ وأملك كل الليبيين!، وذلك وفق ما جاء في كتاب: فرائس القذافي لكاتبته الفرنسية "أنيك كوجان"، والذي لم يظهر حتى الآن ما ينقض ما جاء فيه، مع أن قرائن إثبات ما جاء فيه أكثر من عكسها.
عندما تقذف الأقدار بشاب بدوي فقير بسيط وتأخذه من درجة الصفر الحضاري الاجتماعي والاقتصادي، إلى الدرجة العليا في السيطرة حتى الطغيان، والغنى حتى الفحش والهيجان، والاستبداد حتى التغول والإدمان؛ فإن عواقيب هذه الحالة تستوعب كل تشخيص وتصور مهما بالغ في التشاؤم.
عشر دورات حكم دول عظام ورؤساء كبار، كالرئيس الأمريكي مثلا، يكدح ذلك الرئيس لنيل إحداها من عيار الأربع سنوات حتى يطحنه الكدح؛ ولكن الملازم القذافي تحصل على صكوك عشر دورات كاملة وهو في مقتبل العمر وبواكير الشباب.
عندما يتمكن شخص مريض مثل القذافي، الذي كشفت بعض خبايا سلوكه المنحرف السيدة ثريا، من السيطرة الفردية الكاملة على شعب ببساطة الشعب الليبي، فإن ما يتركه أثر سيطرته تلك لا يقف عند مجرد قتل الخصوم وهدر الأموال، وإنما يمتد حتى يصل إلى المكون النفسي لأجيال المستعبدين، حيث يعبث في خريطة وأساسات ذلك المكون، وهو ما يقود مباشرة إلى تفسير عدم الاستقرار النفسي البادي على سحنات الكثير منا.
القذافي وهو يمارس إذلاله على المكون النفسي الليبي الرخو، لم يكن يفعل ذلك بصورة رسمية وفي أمكنة وعلى أشخاص معدودين، وإنما كان يمارس هوايته المذلة بنمط أفقي؛ حيث أدار القذافي وبصفة شخصية المنتديات والمهرجانات الشعبية الطلابية وغيرها، وشارك في جلسات المؤتمرات الشعبية، وأدار جلسات مؤتمر الشعب العام، كما أدار الكثير من الندوات واللقاءات، وكان يزور الطلبة في جامعاتهم وفي أماكن إقامتهم، ويجتمع بالكثير من الناس في بيوتهم، وربما شاركهم مناسباتهم الاجتماعية.
وفي كل هذه المناسبات كان القذافي يخرج في كامل زينته وقوته وكبريائه وعنجهيته!
في إحدى رحلاته البرية قاصدا طرابلس من مدينة أخرى، كان يحيط به رتل عسكري ربما بلغت قطعه المائة، والتي تسير في أقصى سرعتها في طريق لا يسمح للغير بالتواجد فيه ولو سبب ذلك  المنع إلحاق الضرر الفادح به.
حدثني من صادف تواجده بالطريق الساحلي مرور رتل القذافي فيه؛ فقال لي: رأيت عربات الرتل المسرعين يدفعون عربات الناس إلى جوانب الطريق دفعا، ولم يكن أمامي والحال كذلك إلا الارتماء بسيارتي في منخفض وجدته على يميني وتسمرت في مكاني حتى مرت عربات الرتل المئوية مسرعة وكأنها طلقات رصاص. لم أزل أذكر ما ختم به الشاهد مقالته، حيث أردف: ظننت عندما خرق الرتل المكان أن القيامة قد قامت!
القذافي لا يضحك، وإذا ضحك ضحك مستهزئا مستحقرا ممن هم حوله. كيف لا! ألم تكن إحدى تعريفات الضحك هو شعور الضاحك بالانتصار على من يضحك عليه!
أعلم أنني طوفت بعيدا عن عنوان المقال، إلا أن العبارة التي قالها القذافي لمغتصبته ثريا، وما أوردته من تعريف للفظ الضحك، يضعاننا كلاهما مباشرة أمام القضية التي يطرحها المقال.
في نفوسنا شيء قد يفسد كل شيء!
إن هذا الشيء الذي مقره خبايا نفوسنا والظاهر بوضوح على سحنتنا ولغة أجسادنا، هو شعورنا دائما بأن أحدا ما يضحك علينا، وبأنه متمكن منا، ولا سبيل من النجاة منه سوى عن طريق إعلان الحرب الدائمة عليه!
الشعور الدائم بأن كل من نصادفه ونتعامل معه هو خصم لنا، وأننا إذا لم نبادره فسوف يبادرنا، هو ذلك الشعور الذي نزع من وجهنا الابتسامة، ومن قلبنا الثقة، وكبل إرادتنا بالهزيمة والخذلان.
إننا نعاني كثيرا الآن من ردات أفعال بعضنا الذين نشاركهم الشارع والمكتب والمسجد وأمكنة كثيرة أخرى، وذلك بسبب الشعور المرضي لدى هؤلاء بأنهم في غابة لا يكتب البقاء فيه إلا لصاحب المبادرة، ولو تأسست هذه المبادرة على باطل!
أما المعاناة الكبرى التي تواجهنا، فهي تحول هذا الشعور إلى فعل قوامه رفض الإذعان للسلطة القائمة والتشكيك في وطنية وربما دين الرموز السياسية التي أفرزها الحراك الديمقراطي المعروف.
الدكتور محمود جبريل، أحد القيادات السياسية البارزة، وغيره كثيرون ممن يشكون من تشكيك البعض في دينهم ووطنيتهم!
تجهم وجوهنا وعبوسها، وضيق صدورنا، وخشونة ورعونة تصرفاتنا، وغلظة قلوبنا، والتسرع في ردات أفعالنا، وتسارعنا نحو ما يضر الغير، وتباطؤنا في سبيل إسعادهم، وأخيرا التشكيك في الوطنية والدين، وحتى اقتحام الوزارات وممارسة الخطف والتهديد بالقتل، تلك كلها من أعراض ذلك المرض النفسي المستفحل فينا، والذي من أهم أسبابه هو مرورنا في سرداب الاستبداد الطويل، ووقوعنا خلاله تحت حكم فرد اعتقد ومارس وصرح علنا بأنه يملكنا، وفوق ذلك يستحقرنا ويضحك علينا.
 في نفوسنا شيء قد يفسد كل شيء!
أجل إن هذا الشيء الذي أقصده كامن في طوايا نفوسنا، ولن نتمكن من الوصول إليه ونزعه إلا بالغوص في أعماق أنفسنا، وكشط طبقة الأربعين عاما من ذل الدكتاتورية وعبودية الاستبداد وسيطرة الجماهيريين السفهاء الحمقى علينا.
وإذا ما تعسر علينا هذا الأمر، وتطلب جهدا ووقتا كبيرين، فلا أقل من أن نبدأ بما هو أيسر.
أقترح على الليبيين الدخول في بيات نفسي شعوري لمدة عام واحد، يقومون خلاله بمنح إجازة لأماكن التوتر في أنفسهم، ويعقدون مصالحة ولو شكلية مع بعضهم البعض، ويفترضون حسن النية في حكامهم.
امنحوا حكومتكم فترة سماح لمدة سنة، وسوف لن تكون الخسارة، هذا إن حدثت، أكثر من 1 على 42 أي حوالي 1.5% من خسارة حقبة بياتنا الإجباري السابق الطويل!
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: