يا كبراءنا: ردوا لنا بضاعتنا. أعيدوا لنا ليبيا!
الموضوع:
نداء موجه من جماهير البسطاء إلى نخبة الكبراء.
يا
كبراءنا: ردوا لنا بضاعتنا. أعيدوا لنا ليبيا!
كبراؤنا
الآن يعرفون أنفسهم، كما كان الكبار أيام القذافي، مع الفارق، يعرفون أنفسهم!
كانوا
أيام القذافي بضع مئات، وكانت علامتهم المميزة هي تناوبهم على كراسي السلطة.
ربما
عدد كبرائنا الآن مثل عددهم سابقا، إلا أنهم أكثر تأثيرا من سابقيهم، وذلك بسبب
الرقم الصعب في المعادلة، وهو الدكتاتور القذافي.
وما
دمنا نقارن بين دولة القذافي والدولة الليبية الآن، فإن أهم ما يميز دولة القذافي
آنذاك هو متانة الجدار الخارجي لكيس الفئران الذي كان يضعه القذافي في حجره وتحت
سيطرته الكاملة؛ أما الآن فإن هذا الجدار في منتهى الضعف، ومن السهل تمزقه وتبعثر
محتوياته بمجرد ازدياد حدة فرق الجهد بين عديد الأقطاب المتنافرة داخله.
أعلم
أنني وأمثالي من المواطنين البسطاء البعيدين عن المطبخ السياسي، وغير الضالعين في
علومه، وكذا غير الحائزين على رادرات قراءة ما وراء كتل السحب والضباب، أعلم أننا
جميعنا يسيطر علينا رهاب الجالس على الكرسي المجاور للسائق، وأننا بهذا لا يمكننا
الخوض في أمر السياسة إلا في المدى الممنوح للجالس المذكور، عندما يحرك رجليه
ويديه حركة عفوية لدى شعوره باحتمال تعرض المركبة للخطر، وذلك حتى لا يضايق وربما
يعيق الممسك بعجلة القيادة. في حدود ذلك المدى، أحاول أن اكتب، وكلي حذر وتردد، في
السياسة.
إن
المدى الزمني الذي مضى على طباخينا في مطبخنا السياسي أكثر من كاف لمعرفة نقاط
التوتر والخطوط الحمراء والدرجة الآمنة القصوى لفرق الجهد بين الأقطاب المتنافرة
في الكيس الهش اللين الجدار الذي يحوينا جميعنا؛ كبراء وبسطاء، نخبة نابضة وكتلة
ساكنة صامتة.
هذه
الحالة، حالة تنافر الأقطاب برزت إلى السطح في الأسابيع وربما الأيام
الأخيرة للنظام السابق، وعندما بدأت مطالع ثمار التغيير تلوح لأولئك الكبار
الواقفين في الشرفات العالية، والناظرين من خلال شاشة الرادار السياسي مخترق الحجب
وبعيد المدى.
التنافر
بين فريق الطباخين الرئيسيين بدأ، وبكل أسف، لا على بعض توابل ومحسنات الكعكة،
ولكنه بدأ على كتلة الكعكة ذاتها؛ حجمها، ومكوناتها، ونصيب الشركاء فيها، وغير
ذلك.
هل
كان يلزمنا، ونحن نشكل الحكومة المؤقتة المسكينة، أو ننظر إليها، وهي تحاول
لملمة أجزاء الدولة، أن ينزلق بنا الترف الفكري والأيديولوجي إلى الحد الذي وصل
إليه الآن، وهو حد يمكن أن يعزى إليه الكثير من أسباب زيادة التوتر داخل المطبخ
وخارجه.
حكومات
ورؤساء حكومات أداروا شؤون المملكة الليبية على مدى العقدين تقريبا لم يضطروا
جميعهم إلى ما اضطررنا إليه من اصطفاف أيديولوجي برغم فارق الظروف، وبرغم ما يعرف
عن الملك إدريس صاحب القرار من محافظة، وربما تدين.
لا
أعتقد أنه من الضروري توصيف وتحديد الموقف الأيديولوجي الدقيق جدا لقلوب الناس، وذلك عند إعداد السيرة الذاتية لرئيس أو عضو
حكومة كحكومتنا الانتقالية التي تشكلت من جزئيات غبار حرب أهلية، ومن أجل إدارة أزمة لا زلنا نعيشها حتى اليوم.
كما
أنه ليس من الضروري الضغط على هذه النقطة إلى حد جعلها الخطوة الأولى نحو إنقاذ
ليبيا مما هي فيه من تأزم وما تلاقيه من صعوبة للتحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة
الدولة.
إنني
أكن كل التقدير والاحترام لكل الذين انتدبهم القدر ليكونوا الأزهار البارزة
الغارقة في الضوء لشجرة الثورة ذات الأغصان والبراعم المليونية، وكذا ذات عشرات
آلاف الجذور التي استطابت ظلام الطين على ألق الضوء، حتى تحول ذلك الطين إلى مسك
شهادة غشى تلك العروق المباركة، ولم يشأ أن يظهر منها إلا عبق الشهادة الفواح الذي
غطى شذاه كل مدى الوطن الشاسع الرحيب.
إنني
أيضا كأحد الملايين الجالسة إلى جوار السائق، والتي لا تملك إلا أن تتحرك في
حدودها الضيقة عفويا، أهيب بالكبراء ذوي التأثير في مجريات الأمور بأن لا يغضوا
البصر ويصموا الأذن عن ما تبديه الكتلة الصامتة من مخاوف، وأن لا يعزوا كل ذلك إلى
الرهاب النفسي للجالس قرب السائق.
كلا.
إننا يا كبراءنا نحملكم جميعا التوتر والتنافر الأيديولوجي الجاري بينكم، والذي
تتسع لشطر كبير منه قاعدة الضرورات تبيح المحظورات المعروفة، والتي هي بذاتها لا
تبخل عن الاتساع إذا ما دُعيت لإنقاذ شعب مسكين كالشعب الليبي الذي لم يتمكن من
إتمام فرحة إفلاته من بين فكي التمساح، وذلك لا لسبب إلا بسبب ضيق صدر كبرائه
وتنافرهم أيديولوجيا.
هذه
الجعجعة الأيديولوجية التي نسمعها لأزيد من عام ونصف العام لم تكن بسبب اختلافكم
على تطبيق مبادئ المدرسة الفرنسية أو الانجليزية في الرقابة المحاسبية على موارد
الدولة، وإمكانية الاستعانة بالخبرات العالمية لسد النقص الفاضح في هذا المجال،
حتى بات الكلام عن فقدان المليارات من الأحداث العادية والأخبار المتواترة.
كما
لم تكن هذه الجعجعة من أجل تباين اجتهادكم في طريقة جمع السلاح وكبح جماح
المنفلتين والمعربدين وقطاع الطرق والمغتصبين الذين وجدوا في ردحكم الأيديولوجي
بيئتهم المثالية لتشكيل جسمهم المايفوي الرهيب.
جعجعتكم
تلك لم تكن من أجل اختلافكم على تحديد معدل سرعة إنجاز الحكومة التي بلغت من
التباطؤ حد انعدام الحركة أصلا، والذي من بعض مبرراته وأسبابه هو ذلك التورم
الأيديولوجي المفاجئ الذي فتك بجسم الوطن.
جعجعتكم
يا كبراءنا ليست أصوات إنذار استمرار تواجد مواطنين ليبيين في ظروف ومكان لا يجب
أن يكونوا فيه. وهي أيضا ليست أصوات نواقيس خطر وصول مستوى الوئام الاجتماعي إلى
خطوطه ما بعد الحمراء.
الفقر
المرض الجهل الفساد، هؤلاء الأعداء التقليديين لا يزالون ممسكين بخناقنا، وإن أي
جعجعة واختلاف يصدر منكم بشأنهم يزيدنا ثقة فيكم ويبرر ما يمكن أن يأتينا منكم من
أصوات اختلاف وجعجعة تنافر.
إن
أي اختلاف يحدث بينكم في مطبخنا السياسي خلاف الذي ذكر، هو خلاف لا يهمنا نحن
جماهير الكتلة الصامتة البسطاء التعساء.
حاملو السلاح غير الشرعيين الذين يعيقون قيام الدولة وجدوا في تنافركم الأيديولوجي ضالتهم لتبرير وضعهم، بل ربما سنحت للبعض منهم فرصة تبادل المصلحة؛ فمنكم التنظير الفكري ومنهم التدبير العسكري.
لا يمكن إلا نفترض حسن النية فيكم عندما سلكتم بنا هذه المتاهة التي نحن فيها الآن، ولن نجد غيركم من هو أعرف بالطريق والمسارب التي أفضت بنا إلى هذا المكان المرعب المخيف.
رجاء
عودوا وأرجعونا معكم إلى المكان الذي أخذتمونا منه، والذي كانت اللغة السائدة فيه
لا يزيد عدد أحرف أبجديتها عن أربعة أحرف: **** ليبيا ****!
تصالحوا
فيما بينكم، واسحبوا من التداول، وبسرعة، تلك الكلمات البائسة التي قسمت المليون
مكلف من الليبيين، وربما أقل، إلى فسطاطات واتجاهات وأحزاب وجماعات عدة كل منها
ترى في غيرها خصما ينازعها مكان وجودها في وطن يشكو جراء اتساعه من قلة الساكنين
فيه!
أجل
لابد من عقد مؤتمر وطني موسع يضم الجميع، تقومون فيه مجتمعين برد بضاعتنا المسلوبة
إلينا. تلك البضاعة التي وحدتنا ونحن نواجه القذافي وترسانته العسكرية وملياراته.
نريد
تلك البضاعة المكونة من بساطتنا وتسامحنا وتوافقنا، والتي كانت ثمينة ونفيسة جدا
نفاسة بضاعة الحرية الغالية التي استبدلناها بها.
اجتهدتم
في تحديد وصفة دوائية لنا وأخطأتم، وذلك بسبب اشتباه الحالة المرضية عليكم. لا بأس
فلكم أجر الاجتهاد، ونغفر لكم وزر الخطأ، لأننا كلنا خطاؤون!
لا
يظنن ظان بأني بهذا أضع العصا في دولاب القطار الديمقراطي من أجل إعاقته عن
الحركة. كلا؛ فالقطار الديمقراطي لا توقفه إلا أحجار الفقر والمرض والجهل والفساد
والتوتر والرعب الاجتماعي، وإن تفرغنا ووقوفنا مجتمعين من أجل إزالة جبل المعيقات
تلك هو الوصفة الدوائية الأنجع لحالتنا، وهو المحرك الأقوى لدفع القطار الديمقراطي
إلى مداه.
القطار
الديمقراطي مصنوع من مواد ومركبات ذكية حساسة تتخذ من وعي الإنسان ووجدانه وإرادته
نسيج تكوينها، وإن أي حرق لمرحلة من مراحل تكوين وصناعة ذلك القطار، أو شطب لمادة
من تلك المواد المكونة له، يخرج لنا قطارا ديمقراطيا خداجا معاقا كما هو عليه
قطارنا الديمقراطيِ المترنح الذي نركبه الأن، وذلك بسبب عيوب تصنيعه
الجسيمة.
شكر
الله سعيكم فقط أعيدونا كما كنا، أعيدوا لنا ليبيا البسيطة التي نعرف، ولا ضرر ولا
ضرار.
محمد
عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق