الثلاثاء، يوليو 23، 2013

الاقتراع بتقنية الأفدنة البشرية

الاقتراع بالأفدنة البشرية؛ اختراع انتخابي مصري!

إذا ذُكِرتْ مصر فلابد أن يذُكِر الفراعنة وحكمهم الاستبدادي الظالم الطويل، ذلك الحكم الذي أبى التاريخ إلا أن يحفظه ويعرضه لنا في الكتاب الحجري العملاق الممتد في طول مصر وعرضها من الجيزة وأهراماتها  ومقابرها شمالا، إلى الأقصر جنوبا.                

ومنذ أيام الفراعنة قبل خمسة آلاف عام من الميلاد إلى 25 يناير بعد 2011 سنة من الميلاد لم ترتفع مطرقة الدكتاتورية والاستبداد عن رأس المصريين المقهورين، ولم يجرؤ مصري واحد على كتابة كلمة "ارحل" المشهورة إلا على صفحة ماء النيل مستودع شجون المصريين والأمين على أسرارهم.

وإزاء هذا الحال الصعب لم يجد المصريون في كنانتهم من سهام يرمون بها حاكمهم المتسلط عليهم سوى سهم النكتة الناعم، وسهم الفهلوة الرشيق الذكي. والنكتة المصرية على مدى زمن الدكتاتورية المصرية الطويل تراكمت وصارت تراثا ووردا ثقافيا نافعا. إلا أن الفهلوة، وخاصة الفهلوة السياسية الزائدة التي نراها هذه الأيام،  قد جاوزت حدها، وأصبح ضررها أكبر من نفعها بكثير، بل تحولت إلى  إسفين شطر مصر إلى شطرين متباينين وفريقين متنازعين.

و"الفهلوة"، هي كلمة ذات منشأ فارسي تستعمل في مصر لوصف الشخص المتفنن المبتكر للحلول. وهذه الصفة في حدودها المعقولة لا بأس بها؛ إلا أن زيادة جرعتها لدرجة التعالم والإسراف في الإتيان بحلول جديدة متكلفة، وربما غريبة من شأنه أن يخلق إرباكا في حركة الفريق الذي يكثر به عدد الفهلويين وما يقذفون به من حلول وآراء لا تزيدها كثرتها إلا بوارا وخسارا.

في إجابة خبير إدارة مصري لسؤال عن سبب تخلف مصر على كوريا القريبة الشبه من مصر في رحلتها الحديثة نحو النمو والتحضر؛ أجاب الخبير الإداري: الفهلوة!

الكوريون والأسيويون عموما يتميزون بإذعانهم للنظام القائم وانسجامهم مع مدير الفريق؛ بدءا من فريق عمال، وحتى فريق رئاسة دولة، وهو ما صنع من الأسيويين المتحررين للتو من أسر الاستعمار وذيوله نمورا وربما أسودا.

هذه المليونيات، وحركات التمرد والتجرد، وجبهات الرفض والرفض المضاد، وحملات الإعلام ضد أول رئيس جمهورية منتخب لم يكمل عامه الأول المثقل بتوابع وذيول دهور الدكتاتورية، كل ذلك لا يمكن تصنيفه إلا في إطار التنازعات والخصومات السياسية ذات التفكير والسلوك الفهلوي الساذج. إلا أن أهم ما أبدعته الفهلوة السياسية المصرية الحديثة هو تقنية الانتخاب بطريقة الأفدنة البشرية، والتي انشغل بها المصريون على مدى عام مضى، ولا زالوا يشغلون بها العالم من حولهم.

وطريقة الأفدنة البشرية المخترعة كما هو ظاهر من اسمها لا تعرف الصوت الانتخابي الورقي ولا تثق في الصناديق الانتخابية، كما لا تشترط الخلوة الانتخابية للناخب وصفاء وشفافية فكره، وإنما تعتمد على اللياقة البدنية لهذا الناخب وقدرته على تشكيل صفوف ودوائر داخل الفدان الانتخابي الذي يشغله هو وأعضاء فريقه في مواجهة الفدان الانتخابي الآخر الذي يشغله أعضاء الفريق المضاد.


لا تشترط تقنية الانتخاب بالأفدنة البشرية طريقة محددة في الترويج لفكرتها، حيث أن الماكينة الإعلامية للجيش الانتخابي الفداني تظل شغالة بأقصى طاقتها، ودون التقيد بالضوابط الشائعة للإعلام الانتخابي، من مثل زمن انطلاقه، وفترة صمته، كما هو متبع في النظام الانتخابي التقليدي المعروف. وإعلام طريقة الانتخاب بالأفدنة البشرية المصرية المبتكرة هو إعلام ألتراسي ليس له هدف سوى تسجيل الأهداف في مرمى الخصم، وهي حالة تجعل من نقاط تماس الخصوم نقاط ساخنة تستدعي وجود قوة شرطية وعسكرية تحول دون صدام الفريقين المتنافسين، وهو ما حتم مؤخرا قيام الجيش بالتدخل للفصل بين الخصمين السياسيين بالقوة العسكرية المفرطة ذات الأدوات الخشنة وربما القاتلة.


ولاستحالة الحصر الفردي الدقيق للمنتخبين المنتشرين في الأفدنة الانتخابية، انبثقت من العقلية الفهلوية الفذة لمخترعي الاقتراع الفداني فكرة الاستعانة، وللمرة الأولى في تاريخ جوجل، بمسطرة جوجل إرث، وكذا سائر تقنيات التصوير الأرضي والجوي، بل وحتى الاستعانة بالمخرجين السينمائيين العباقرة.

الناخبون المصريون جميعهم، أنصار الرئيس وخصومه، متوزعون الآن في أفدنة انتخابية متضادة متخاصمة، ويقذفون بعضهم البعض بشتى أسلحة العصف الانتخابي الفداني، والذي يتخذ من الفارق المساحي وضجيجه رافعة تزيح الخصم، وربما تستأصله.  

ولكن لماذا كل هذا؟

يجيب المعارضون الفهلويون: لأن الرئيس المنتخب ارتكب أخطاء أدت إلى انخفاض الرضا الاجتماعي العام نحوه، ولا يوجد في النظام الديمقراطي التقليدي المعروف طريقة لإسقاطه بهذه التهمة قبل إتمام مدته الانتخابية؛ وهو ما حتم على المصريين القيام باستنفار فهلوتهم، وابتكار طريقة الأفدنة البشرية لقياس اتجاهات الرأي العام، ومن تم استخدام طاقتها في إسقاط الرئيس قبل نهاية عامه الرئاسي الأول!

وبالفعل نجحت الفكرة وتمكنت حركة تمرد الشبابية من حشد الجموع في الأفدنة وتمكنت بمساعدة الجيش المغرر به من تكسير الصندوق الانتخابي وتمزيق الدستور المستفتى عليه واسقاط الرئيس المنتخب  بالضربة الفنية القاضية التي قذفت به من كرسي الرئاسة إلى كرسي الاتهام بالخيانة العظمى.

ولأن المدد الفهلوي المصري لا ينضب، فسيشجع نجاح طريقة الأفدنة البشرية في إسقاط الرئيس المنتخب، مرسي، على تقعيد هذه الحالة والتنظير لها بما يجعلها نظرية مبرهنة ثابتة تزاحم نظرية الصناديق العتيقة المعروفة، وقد يقنع المصريون العالم كله بتقنيتهم المبتكرة في حشر الناس في مربعات مقومة بالفدان، ويصبح يوم الانتخاب الذي يتوجه فيه الناخبون صامتون يوم عرس مهرجاني ألتراسي صاخب ترصده مسطرة جوجل، وتصوره الكاميرات الرقمية الطائرة، وتصبح البقعة الدائرية الملونة بلون شعر الإنسان أو بلون صلعته هي وحدة العد الوحيدة، والذي بمجموعها يتحدد فوز رئيس على آخر من عدمه.

ها قد نجحت هذه التقنية الاقتراعية الفدانية الفهلوية في مصر، وها هي تجد طريقها إلى دول أخرى، أرجو ألا تكون ليبيا إحداها!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: