الأربعاء، يوليو 17، 2013

ليلة صوت المصريون بأقدامهم


يحرص منظمو عمليات التصويت الديمقراطي على وضع الناخب في أجواء مثالية من حيث توفر المعلومة الانتخابية الدعائية والإجرائية الكافية والعادلة، وإيجاد أجواء التفكير النقي المفتوح، وضمان الاختيار الحر العاقل الرشيد.

في آخر خطوة يخطوها الناخب في طريقه الطويل نحو النقطة الحاسمة والمحطة الأخيرة لإطلاق رصاصة صوته التي لا سبيل لعودتها بعد أن يطرق القرار الحر للناخب الرشيد زنادها؛ في هذه الخطوة الأخيرة يحرص مشرعو قوانين الانتخابات ومنظموها على أن يكون الناخب في مكان معزول بعيد عن كل عين، وفي منأى من أي تأثير.

في هذا المكان المعقم يتخفف الناخب من جميع أثقال البيئة المحيطة التي من شانها أن تعيق تفكيره وتشوه إرادته، ويتحلل ويتجرد من كل المنغصات والمشوشات الجارحة لإرادته والخادشة لضميره.

في هذا المكان الحساس الخطير يقف الناخب أمام ضميره وجها لوجه، وتستنفر ذاكرته كل ما مر بها من مواعظ وإرشادات وتضعها في ذلك المدى القصير من السنتيمترات القليلة الفاصلة بين يد الناخب الحذرة المرتعشة الحاملة لبطاقته الانتخابية، وبين ذلك الشق الرفيع للصندوق الانتخابي الزجاجي الهش، حيث يبدو ذلك الشق الرفيع في عيني الناخب الواعي بحرا من دروس ومثل وقيم، وجبلا من محاذير ومسئوليات.

أين هذه الحالة التي بصلاحها تصلح العملية الانتخابية وبفسادها يفسد كل شيء من حالة التصويت بالأقدام التي لجأ إليها إخواننا المصريون هذه الأيام بعد أن منَّ الله عليهم بتحطيم رأس آخر فرعون من طابور الفراعنة الذين داست أقدامهم عقول المصريين وضمائرهم منذ الأزل وحتى 25 يناير 2011!

مهما حشدت ملايين الأقدام المحشودة من أعذار، ومهما ألقت من علل قد تمنحها الحق في معارضة الرئيس المنتخب، إلا أن كل ذلك لا يعفيها من جرمها الكبير وغلطتها الفادحة عندما داست بأقدامها على الصندوق الانتخابي فحطمته واستبدلته بصندوق معتم خشن صنعه غبار الأقدام، وملأت بزفراتها الغاضبة جو خلوة الانتخاب الشاعري النقي فسممته وكدرته واستبدلته بجو ألتراسي غريزي مغبر مسموم صاخب.

على مدى أسبوع واحد انطلقت فيه هذه الأقدام الانتخابية رأينا ما جرته من ضرر على قيم ومثل الديمقراطية؛ بدءا من تسفيه العملية الديمقراطية برمتها في أذهان المؤلفة قلوبهم من المصريين المراهقين ديمقراطيا، وانتهاء بجر العسكر والزج بهم في اللعبة الديمقراطية ذات النسيج الناعم الحساس الذي يمزقه مجرد صوت الرصاص فضلا عن ناره وحديده!

قال الفرعون المنشق لتوه عن أسرته الدكتاتورية العريقة والرئيس المنتخب ديمقراطيا "مرسي" عبارته المشهورة: (الخطأ وارد، وتصحيحه واجب)، ومارس كل أنواع التلطف والمسايرة، بل والخنوع، إلا أن ذلك لم يحل دون تدفق الهرمون المجنون لحب الانتخاب بالأقدام الذي تم حقن محفزاته بليل في العقل والوعي المصري،  ذلك الوعي الذي، كما هو معروف، يشكل 70% من نسيجه شباب يقل عمرهم عن الثلاثين عاما قرابة نصفهم أميون.

إنني على يقين بأن معظم المحشودين في مليونيات التمرد قد منعهم تدافعهم الغريزي وأجواؤه الصاخبة المشوشة من تصور عاقبة الحملات الانتخابية بالأقدام، وبدا لهم المشهد كما لو أنه تشجيع لفريق رياضي، يمده صياح ألتراسه بحماس يتحقق به هدف النصر، ثم ما يلبث أن ينصرف الجميع وهم على موعد بمباراة أخرى. لو علم المتمردون أن الأمر ليس كذلك، وأنه أخطر من ذلك بكثير، لما أقدمت الملايين الموقعة بأقدامها على ما أقدمت عليه.

يقيني هذا ستعززه نتيجة استفتاء شعبي يُدعى إليه كل المصريين، وذلك لا على الاستفتاء على اسم الرئيس، ولكن على الاختيار بين الانتخاب ببطاقة الانتخاب، وبين الانتخاب بالأقدام. حتما سيتبرأ الكثير من أقدامهم! 

إنه من التسطيح والتبسيط المخل اعتبار ما يجري بين المصريين الآن مجرد خلاف أيديولوجي؛ كلا إنه صراع تلونه حالة رهاب وإثارة التجربة الأولى، وأجواء امتحان سنة أولى ديمقراطية الذي يلعب فيها تردد الإرادة وتزويرها دورا لا يمكن تجاهله.

يجب أن لا يمر هذا الدرس علينا نحن الليبيين دون الاستفادة منه، والعمل منذ الآن بتصحيح أخطائنا الانتخابية السابقة، والشروع في تأهيل الناخب الليبي ودفعه بلطف واقتناع نحو خلوته الانتخابية، حيث يكون ذلك الناخب ثالث ثلاثة؛ نفسه، وضميره، وصوته. وحيث يجب أن يكون أنسه ورشده في تلك الخلوة والغربة الانتخابية أكبر بكثير من أنسه وهو في وسط الآلاف من المتمردين المتجمهرين المتدافعين الراقصين؛ المجازين عقولهم،  المرهقين والموقعين بأقدامهم!

لا للتوقيع بالأقدام!!!!!!!!!!!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: