مُرٌّ جداً طغيان
الكبراء، وأمرُّ منه عربدة السفهاء!
تجرعنا علقم طغيان
الكبراء طويلا، واسترخصنا الغالي الثمين من أجل النجاة من طاغية تفرد بالحكم
العقود الطوال، وجعلنا من ذلك مبررا كافيا لسقوط الآلاف منا كضحايا وقرابين خلاص
من هؤلاء الطغاة المستبدين الكبار.
إبان معركة الحرب
على الطغاة الكبار اصطف الليبيون في صف واحد، وظهروا على قلب رجل واحد، لا يحول
بينهم وبين ما ينشدونه من حرية وتحضر سوى الإطاحة بالطاغية الكبير الذي يرون فيه العقبة
الكأداء دون تحقق ما يأملون. وكلما طال أمد الحرب بين الطاغية وشعبه كلما تراصَّ
الصف الليبي الواحد في تأكيد واضح على صدق المعادلة الشائعة والتي تقول بالعلاقة
الشرطية الأكيدة بين قيام دولة ليبيا الحرة المتحضرة وسقوط عصابة الطغاة الكبار التي
تحكمها.
بدت بوضوح العلاقة
العكسية بين انحسار وأفول دولة الطغيان، وظهور نجم قيام الدولة الليبية الديمقراطية
المنشودة، وبلغ هذا النجم أوج تألقه عند القضاء على الدكتاتور، وتحقق اتفاق الليبيين
واختيارهم بملء إرادتهم ولأول مرة في تاريخهم برلمانا وحكومة.
الورقة الانتخابية
التي حملها الناخب في يوم الكرنفال الانتخابي قبل عام، لم تكن في حقيقتها سوى
بطاقة دعوة لحضور ساعات فعاليات الكرنفال السياسي، كما لم تكن تلك الصناديق الانتخابية
وما تحمله من بطاقات الدعوة المهرجانية الكثيرة سوى أداة ذكية أنيقة لتجميع المخلفات
الورقية لذلك اليوم الصاخب!
غداة يوم المهرجان
الانتخابي استيقظ الليبيون بعد نومة عميقة على صدى حلم كابوسي مزعج، رأوا خلاله
حريقا هائلا أتى على كل أصوات الناخبين، وكان التأويل الوحيد لهذا الكابوس هو سطوة
النيران على إرادة الإنسان الممثلة في الأصوات الانتخابية، وقيام القوة النارية بسحب
وتبخير ما تحتويه الصناديق من مادة ديمقراطية فعالة يطلق عليها المختصون اسم إرادة
الناخب!
"المجموعات
المسلحة الخارجة على القانون"، هي عبارة تتكون من أربع كلمات في منتهى
الوضوح، وما تفعله هذه المجموعات في الشارع الليبي وفي الكائن السياسي الديمقراطي
الليبي، هو أيضا في غاية الوضوح، أما ما ألحقته مؤخرا في قوت الليبيين من ضرر فهو أكثر
وضوحا وأشد ظهورا!
آخر ما قامت به
هذه المجموعات بعد نجاحها في تعطيل وربما شل الحركة في شريان الحياة النفطي،
قيامها مؤخرا بإغلاق مطار العاصمة طرابلس وشل الحركة فيه وحجز الطائرات المحلية
والأجنبية ومنعها من التحرك، بل وإقامة المصدات الترابية أمام أبواب ذلك المطار،
وذلك في إشارة واضحة من هذه المجموعات إلى تحول عملها من النطاق المحلي المحدود
إلى النطاق الدولي الخارجي والتعجيل بانهيار الدولة والإعلان عن موتها.
الكثير من
الليبيين الشرفاء اضطرتهم ظروف مواجهة الطغيان إلى حمل السلاح، ومنهم من لم يحصل
على السلاح من خزائن الدولة، بل اشتراه من جيبه الخاص، إلا أن هؤلاء الشرفاء وهم
كثر والحمد لله لا يمكن لأي منهم أن يحدث نفسه مجرد الحديث بما تعلو به أصوات المارقين
والمعربدين من أعضاء الكتائب المسلحة الخارجة عن القانون الساعية إلى انهيار
الدولة.
يجب أن تنتهي لعبة
عض الأصابع بين الدولة وهؤلاء المارقين الذين لا يدفعهم إلى مزيد العض على أصبع
الدولة إلا نعومة أسنان الدولة فوق أصبع أبنائها وسعة صدرها تجاههم.
مراهنة هؤلاء
المارقين على تردد الدولة في الاستعانة بقوة عسكرية أممية، يجب أن تنتهي، والدعوة
الأخيرة التي ترددت في ردهات المؤتمر الوطني بالاستعانة بقوة عسكرية أممية لحفظ
الحدود وحراسة الحقول والموانئ النفطية يجب أن لا تنقطع حتى تنقطع أحلام هؤلاء السفهاء
المعربدون من أعضاء الكتائب المسلحة الخارجة على القانون، وحتى تتلاشى وإلى الأبد
تطلعاتهم في حكم ليبيا الحرة.
البطء المرعب لمعدل
سرعة قيام الدولة الليبية جاوز خطه الأحمر، وتمكن التشكيلات المسلحة أخيرا من خفض
الصادرات النفطية إلى أقل من الثلث، وكذا قيامهم بغلق المطار الدولي، زاد من تفاقم
هذا البطء وجعل منه مبررا أكثر من كاف للاستعانة بكل ما من شأنه فك قياد الدولة
الذي ينسج حباله من يدَّعون أنهم أبناؤها، بل وثوارها.
دولتنا تستورد كل
غذائها ودوائها من الخارج دونما حرج! لا حرج في شراء أمننا عندما يمنعنا سفهاؤنا من صنعه!
محمد
عبد الله الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق