الأربعاء، سبتمبر 04، 2013

حربنا الأهلية

حربنا الأهلية الساخنة انتهت. تُرى متى تنتهي الباردة؟!

قبل حوالي العامين أرَّخ موت القذافي على أيدي الثوار الليبيين لنهاية الحرب الأهلية الساخنة التي أشعل لهيبها القذافي بغرض البقاء حاكما لشعب لا يريده، بل ثار عليه، وذلك بعد أكثر من أربعة عقود عجاف، لم تشبع رغم طولها المفرط نهم الدكتاتور في ممارسة التسلط والاستبداد!

أحسن سيئات حربنا الأهلية الساخنة تلك، هو شعورنا الكامل بها ونحن نخوضها، واصطفافنا صفا واحدا في ساحتها التي شملت كل البلد، وكذا إحساسنا بكل تفاصيلها، وسردنا وتدويننا لكل أحداثها السلبية والإيجابية اليومية، وقبل وبعد كل ذلك، استعجالنا جميعا نهايتها، وانعقاد أملنا على الخروج منها منتصرين.

الحرب الأهلية الباردة الحالية التي جاءت مباشرة بعد الحرب الساخنة المنهكة المهلكة، بل وامتدادا لها، ها هي تنخر جسمنا الليبي الواهي منذ عامين، وبمعدل احتراب بارد متزايد. أخطر ما في هذه الحرب الباردة السطح الحارقة الجوف، هو انهماكنا فيها ونحن في حالة تخدر وغياب وعي بما تفعله فينا سكاكينها الباردة الحادة!

تُرى هل نحن على علم بأن كل ملامح وعوامل وكذا منتجات الحرب متوفرة في عملنا اليومي السلبي الذي نمارسه، والذي نطلق عليه أسماء كثيرة ليس من بينها الاسم الحقيقي لهذا العمل؛ الحرب!

عوامل وملامح هذه الحرب واضحة وضوح شمسنا المحرقة هذه الأيام، حتى أن مراهقا من مراهقينا المسلحين، وهم و يا للأسف كثر، يعطيك ألف دليل ودليل على وجود عوامل وعلامات هذه الحرب، وذلك يما يملكه من سلاح وعتاد يستعمله ساعة يشاء وفي المكان الذي يشاء، ويحتفظ بمخزون استراتيجي منه لصد بأس أعدائه المحتملين، الذين من بينهم القانون والحكومة بطبيعة الحال!

في طريقك صعودا من الزاوية الصغيرة لعبث مراهقنا البسيط إلى العروش الشامخة لقبائلنا العتيدة وأمرائها الأشاوس، يمكنك بسهولة ملاحظة تلون هذه الطريق بكل ألوان الحرب؛ بدءا من حالة الخوف من الآخر، والكيد له، والتربص به، وانتهاء بالتلويح له بما يخيفه ويردعه؛ من أصوات طبول حرب، وقعقعة سلاح، ورائحة بارود!    

"فالك في جعلالك"! الأمر ليس بتلك الصورة السوداوية! إننا فقط نعاني من أشياء صغيرة جدا متمثلة في بعض الارتباكات الإجرائية المؤقتة؛ مثل انعدام الأمن حدّ خوف المواطن اقتناء سيارة جديدة! وانقطاع الكهرباء يوميا وعلى مدار العام! وتوقف الخدمات البلدية! وغلق الموانئ النفطية! وغلق المطارات! والسيطرة على الوزارات وعرقلتها! وتوقف تنفيذ المشاريع! وتعطل القوانين! واستياء الناس وانقطاع أملهم في إصلاح قريب! ويقيننا الكامل وتحسرنا بأننا دفعنا فاتورة التغيير الباهظة ولكننا لم نتغير! وأشياء صغيرة  جدا مثل تلك لا تبعث على القلق، وليس لها علاقة بالاسم المخيف؛ الحرب الأهلية!   

بعد انتهاء كل حرب باردة أو ساخنة أو حتى نُص نُص، فإن أول ما يقوم به الذين خاضوا الحرب هو حصر وحساب خسائرها؛ بدءا من الخسائر البشرية التي لا يمكن تقويمها بأي سعر، ومرورا بالخسائر المادية التي يمكن تثمينها ووضع رقم لها في قائمة خسائر المجتمع، وانتهاء بالخسائر المعنوية التي لا يمكن عدها ولا تثمينها!

وبدون ما مجاملة!

ــ  حربنا الباردة التي نخوض، لها في كل يوم أرواح تزهق، ولا مؤشر واضح على توقف العداد في الأمد القريب!
ــ  حربنا الباردة التي نخوض، لها خسائر مادية جسيمة جدا أكلت الشحم واللحم وها هي تنخر العظم!
ــ  حربنا الباردة التي نخوض، لها خسائر معنوية قد تضع أعيننا في الأرض لعشرات السنين!

وبدون ما مجاملة أيضا!

لا يوقف هذا التنين ذا الرؤوس الشيطانية الثلاثة؛ زاهق الأرواح، ومهدر المقدرات، والعابث بالقيم والأصول، إلا تنين مثله يحمل رؤوسا قوية خيرة ثلاثة؛ تردع القتلة، وتحفظ المقدرات، وترسي القيم.

عند توفر هذا التنين القوي النافع، وضمان سيطرتنا عليه حتى يتم مهمته المقدسة بإيقاف حربنا الأهلية الباردة المستعرة حتى حينه، فلا ضير من أي الماركات يكون هذا التنين!

محمد عبد الله الشيباني






ليست هناك تعليقات: