الأحد، يناير 12، 2014

ساديون...............

إننا ساديون ومازوخيّون، رغم عبق الفل والياسمين!

روائح أزهار الربيع المصري، هي أكثر أنواع روائح أزهار الربيع العربي عبقا، وأوسعها انتشارا، وذلك لما لمصر من ثقل نسبي؛ تاريخيا، وسكانيا، وجغرافيا، واقتصاديا، وغيره.

برشفة واحدة من عبق ذلك الربيع الديمقراطي الفواح، تمكنت مصر الفرعونية الدكتاتورية، منذ بداية التاريخ حتى يناير 2011، من تخطي العتبة السادية للفرعون، وكذا تجاوز عتبة الحالة المازوخية لعبيده وضحاياه؛ وهما عتبتان عمرهما آلاف السنين، وامتدادهما امتداد جذور الأهرامات الفرعونية في نسيج تاريخ مصر، وثنايا وعي وذاكرة المصريين!

الرشفة الواحدة من عبق ذلك الربيع المصري الديمقراطي، وبرغم اختلاف نكهتها من شخص لآخر، لم تدم نشوتها سوى عامين ونصف العام؛ إلا أنها أفلحت في إيقاظ جميع المصريين من غيبوبتهم التاريخية، حيث أدرك المصريون، وللمرة الأولى، أنه ما من مصري من بينهم يعاني من سادية الفرعون، أو به شيء من أعراض المازوخية التي سامته صنوف ذلها وعذابها على مر الزمن المصري المر.

أيا كان موقفنا من مرسي وحزبه وجماعته، وكذا ما ينسب إليه من أخطاء لا يتجاوز عمر أكبرها عاما واحدا، إلا أنه ليس بوسعنا أن ننسى، أو نتناسى تصريح مرسي المفحم في خطابه الأخير، وعلى الملأ، وذلك عندما قال: " إنني أتحدى الجميع بأن يأتونني باسم سجين سياسي واحد"! أجزم بأن مصر على مدى تاريخها، لم تمر قط بحالة كهذه أبدا!

إن من يحمل صفة السجين السياسي في بلد كمصر، ليس كغيره من السجناء السياسيين في دول العالم الديمقراطي؛ إنه هو ذلك الإنسان المسكين الواقع بين مطرقة سادية الفرعون ولعنته، وسندان مازوخية أتباعه وعُبّاده.

أزاح الجنرالُ الفرعوني الصلف القوي الرئيسَ الديمقراطي الرفيق الطري، وذهبت نشوة الرشفة اليتيمة للربيع المصري الفواح. وعلى الفور تبدل المشهد بالكامل، وملأت المكان زمجرة صوت الفرعون المعروفة، وحجب كابوسه المرعب الأفق، وتلاشى تبعا لذلك آخر خيط من خيوط الصبح الديمقراطي المصري الموؤود. 

بيد أن هدف الجنرال نبيل جدا، إذ إنه لا يريد سوى الفصل بين الإخوان المسلمين المصريين، وإخوانهم المصريين الآخرين؛ إنه مجرد "حزاز عركة"! وفعلا تحقق للجنرال ما أراد، وتمكن من تنحية مرسي في سويعات. كانت مجرد سويعات، ولكنها ليست ككل السويعات؛ وذلك لأنها سويعات لها رصيد ممتد في الذاكرة والوعي المصري الفرعوني السادي المازوخي، وهي صفة أكسبت هذه السويعات قوة أسطورية، تمكنت بواسطتها من تحطيم وإزاحة جبل زهور وورود الربيع الديمقراطي المصري، والذي رغم عظمه، إلا أنه ليس له من رصيد يذكر، سوى ما كان من ذلك الطيف الديمقراطي العابر الذي داعب وجدان المصريين لبعض اللحيظات، في مقابل أحقاب الليل الدكتاتوري الدامس!

في ليلة عودة الفرعون، كان من السهل ملاحظة السادية العائدة معه، بعد غياب لها ليس بالطويل، وذلك فقط من خلال مشهد الجرافة التي جرفت ضحايا اعتصام رابعة أمام مرأى الجميع، وهذا المشهد، كما هو معلوم، الجزء الظاهر من الصورة فقط. تلك السادية بدت أيضا واضحة جدا في لغة التشفي التي طفح بها الخطاب الرسمي والإعلامي للإنقلاب. أما المازوخية فقد لونت المشهد كله، وذلك عندما تهافت المصريون بالملايين بمجرد تلقيهم أمر الجنرال الفرعوني القوي، وقيامهم بالتوقيع له على بياض!

ذلك التهافت المليوني، كان حالة مازوخية عميقة، وفي منتهى الوضوح، وهو ما بعث الطمأنينة في نفس الجنرال، وجرأه مؤخرا على دعوة المصريين إلى التهافت المليوني مرة أخرى، ومطالبته للمصريين بترشيحه للرئاسة. بالقطع سيلبي الكثير من المصريين دعوة الجنرال، وسيثبتون للعالم أجمع أنهم لا يزالون ضحايا المازوخية المصرية القديمة اللعينة.

إن مظاهر السادية التي كان يطفح بها سلوك أنظمتنا السياسية الدكتاتورية ما قبل الربيع الديمقراطي، ها هي تعود لنا من الشباك، بل إن هذه السادية بدت سلوكا يوميا، وممارسة سائدة من قبل عوام المجرمين. ولعل ما انتشر في بلادنا ليبيا هذه الأيام من عنف غير مبرر، لهو دليل بين على عموم السادية وشيوعها.

ليس بالضرورة أن تكون السادية هي مجرد الاستمتاع بتعذيب الآخر وقتله؛ كلا! إن السادية قد تكون أي فعل يبعث الرعب في الآخر بينما يمارسه صاحبه وهو يتسلى؛ قنابل أفراح ما بعد نصف الليل عمل سادي، وظهورك بسيارتك فجأة أمام من يسير في طريقه ومضايقتك له وأنت تضحك هو أيضا عمل سادي. وعلى هذا قس.

أما المازوخية فدليل وجودها يمكن استنتاجه بمفهوم المعاكسة المنطقي البسيط، وذلك فيما نلاحظه من تعنت وتصلب ظاهر وغير مبرر من قبل الكثير من المواطنين، وهم يدعون إلى الاصطفاف من أجل قيام الدولة التي أرادوها وثاروا من أجلها. هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين كانوا يصطفون بإشارة واحدة من إصبع الدكتاتور، ويتزاحمون من اجل خدمة نظام يمقتونه. هؤلاء الناس سيعودون إلى حالتهم المازوخية تلك بمجرد توفر الحاكم القوي المتسلط؛ السيسي مثلا.

لو كان رئيس المؤتمر السابق محمد المقريف جنرالا ذا بأس، ما كان ليطاح به في ذلك المشهد المخزي، وبذلك المبرر الواهي. الأمر نفسه بالنسبة للحكومة القائمة ووزرائها، وكذا أي حكومة أخرى تأتي بعدها.

أرجو ان يعلم القارئ أن القصد مما قلت، هو فقط لمجرد محاولة إثبات الحالة السادية والمازوخية التي تسكن الكثير منا، والتي هي من أهم أسباب ما يعتري مسيرتنا الديمقراطية من ضعف وفشل.

أجل. إننا ساديون ومازوخيّون، رغم عبق الفل والياسمين!

أليس كذلك؟!

محمد عبد الله الشيباني
 Libyanspring.blogspot.com
aa10zz100@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: