السبت، يوليو 19، 2014

حقا إنها ليست قبلية، ولا أيديولوجية؛ إنها محض قذافية!

كلا إنها ليست قبلية، ولا أيديولوجية، ولا أخلاقية؛ إنها محض قذافية!

درجنا خلال كل الفترة التي أعقبت الثورة على نظام القذافي على وصف ما يدور من صراعات ناعمة وخشنة بين القوى الفاعلة على الأرض، بأنه صراع قبلي جهوي، أو أيديولوجي حزبي، وكان دليلنا على ذلك هو فقط ما يعلقه هؤلاء الفاعلون من شعارات قبلية أو فكرية أو حتى أخلاقية.

إن رفع علامة الأيديولوجيا، والتلويح بشعار القبيلة أو المنطقة، وغيرهما من شعارات أخلاقية من مثل الكرامة والتحرر وغيرها والدعوة إليها، هو إجراء لابد منه لكل صاحب نشاط اجتماعي أو سياسي، ذلك أن كل مشروع اجتماعي حقيقي ليس له من هدف سوى جعل الشعارات التي يحملها تؤثر إيجابيا في الوسط الاجتماعي المحيط.

وحتى تتحقق هذه الغاية الاجتماعية النبيلة يتحتم على أصحاب المشروع الاجتماعي أن يبذلوا قصارى جهدهم في اختيار أفضل السبل وانتهاج أجدى الخطط التي تضمن النجاح المحتم لمشروعهم الاجتماعي الكبير.

ولعل من أبرز العلامات على نجاح العمل الاجتماعي أيا كان نوعه،  هو تحقق اطراد وزيادة كثافة النسيج الاجتماعي حوله، وتشكل هذا النسيج في دوائر متناسقة ومنسجمة فيما بينها، وحتى مع غيرها من دوائر العمل الاجتماعي الأخرى الوطنية والإقليمية، وحتى  العالمية.

دكتاتورنا السابق القذافي حطم الأرقام القياسية في حمل الشعارات الأيديولوجية والوطنية والقومية والدينية والقارية وحتى الأممية العالمية؛ فسمى نفسه بالأمين على القومية العربية، وأطلق على  نظريته السياسية اسم النظرية العالمية الثالثة، ونادى بأن القرآن شريعة المجتمع، وغير ذلك من الشعارات التي أفلح في تضخيمها وتزيينها وبهرجتها، ولكنه فشل فشلا ذريعا في جعل هذه الشعارات قادرة على بناء وتشكيل الدوائر المنسجمة والقادرة على تحقيق ما يحمله قائدها من شعارات لم تكن خلال العقود سوى سراب حسبته الجماهير المغيبة والمغرر بها ماء.

 وحتى نكون منصفين فإنه لابد لنا من افتراض وجود نية تحقيق أهداف المشروع الاجتماعي والسياسي لدى صاحب هذا المشروع وكذا الدائرة الصغيرة المحيطة به، إلا أنه لسبب ما تعجز هذه الدائرة عن ولادة دوائر أخرى تصل بالمشروع الاجتماعي إلى غايته المنشودة المحققة لأهداف وتطلعات كل أفراد المجموعة التي وضع المشروع الاجتماعي والسياسي من أجلها.

عجز القذافي ودائرته الصغيرة المتكونة من أفراد عائلته وأعضاء خيمته عن تكوين الدوائر الاجتماعية اللازمة لتشكيل هيكل مشروعه الاجتماعي الكبير، وظل ذلك المشروع طوال العقود تظهر عليه علامات الحمل الكاذب التي لم تزده إلا ترهلا وتورما أديا أخيرا إلى سقوطه ذلك السقوط المدوي الكبير.

في أرض جرداء من المشاريع الاجتماعية كالأرض الليبية التي صحرها القذافي وغطاها غبار انهيار مشروعه العقيم، يبدو من المعقول افتراض وجود بذور المشاريع الاجتماعية والسياسية الشبيهة بمشروع القذافي والحاملة لجيناته.

معظم القوى العاملة على الأرض الليبية الآن تحمل كما حمل القذافي ودائرته الأولى الشعارات الكثيرة من قبلية وأيديولوجية وغيرها، وها هي مع مرور الوقت تبدو عليها بوضوح الصفة الوراثية القذافية السائدة، والمتمثلة في ظاهرة تعاظم الشعارات في مقابل انكماش العمل الإيجابي لحاملي هذه الشعارات، وكذا انعدام فرصة تشكل وولادة دوائر أخرى قادرة على تحويل تلك الشعارات إلى إنجازات.

ها هي ملامح القذافي وسلوكه الدكتاتوري الاستبدادي التسلطي نراه في وجوه كثيرة قذف بها إلينا طوفان الثورة، وها هي خيمة القذافي نراها تلد مئات الخيمات.

نفس الوجوه، ونفس الأسماء، ونفس الدائرة الضيقة نراها هنا وهناك، ولا نرى وجوها جديدة أو أسماء جديدة أو دوائر جديدة تفرز نخبة جديدة، وتتبنى وتنفذ مشروعا واعدا مفيدا، وذلك رغم تكاثر الشعارات، وانصرام الأوقات. وعلى العكس من ذلك نرى تلك الوجوه تتربع وتتصدر المشهد، ونرى تلك الشعارات تعربد، ولا شيء غير ذلك.

خلاصة القول أن كل منتجات الأعمال الاجتماعية والسياسية بمختلف أشكالها التي ابتلينا بها سواء أيام القذافي أو خلال أيام ورثته الحاليين، لم يجن المجتمع الليبي منها إلا الخسائر والنكبات، وما من مستفيد من هذه المشاريع سوى أصحابها والداعين إليها، وكفى بهذا دليلا على صحة هذا الافتراض.
  
لا تظلموا القبيلة وتلصقوا بها ما يفعله كبراء الكتائب وأعضاء الدائرة الأولى المحيطون بهم المنتسبون إلى تلك القبيلة!

لا تظلموا الأيديولوجيا وتلصقوا بها ما يفعله كبار حاملي شعاراتها وأعضاء الدائرة الأولى المحيطة بهم!

حقا إنها ليست قبلية، ولا أيديولوجية؛ إنها بالقطع قذافية!

محمد عبد الله الشيباني

ليست هناك تعليقات: