الخميس، أغسطس 04، 2011

كيف لي، يا قذافي، أن أتكلم عنك، دون أن ألعنك؟


كيف لي، يا قذافي، أن أتكلم عنك، دون أن ألعنك؟

أعني بالكلام عن الشخص، استعراض ما ظهر من فعله وسيرته، وبالتالي ما تتركه هذه السيرة من أثر في نفس المتكلم. فإذا كانت هذه السيرة  حسنة كان الكلام عنها حسنا، ووقع ذكر صاحبها في القلوب موقعا حسنا كذلك، وإذا كان عكس ذلك، وبالحال الذي عليه عمل القذافي مع شعبه، فإن المتكلم السوي، وهو يستعرض سيرة ظالم مثل القذافي، لا يمكن له إلا أن يغضب ويحنق، وبالتالي، لا يجد بدا من أن يلعن هذا الشخص وعمله.

وأما اللعنة فهي أنكر وأعظم مصيبة تحيق بالإنسان، وأي مصيبة أنكر وأشد من الطرد من رحمة الله.

ومما يؤثر أن اللعنة إذا انطلقت، لابد أن تقع على من يستحقها. فإذا كان الملعون ممن يستحق هذه اللعنة استقرت عليه وحاقت به. وإذا كان غير ذلك عادت هذه القنبلة الموجهة، وانفجرت في وجه من أطلقها.

وموجبات اللعنة كثيرة، غير أن أهمها وأوضحها تلك الجريمة النكراء؛ ألا وهي الظلم.

هل ظلم، القذافي، حتى يلعنه اللاعنون؟

هل يخشى من يتجرأ على لعن القذافي من ارتداد اللعنة عليه؟

هل رأى أحد القذافي في حالة وجل وخوف من أن تحيق به دعوة مظلوم؟

هل سمع أحد القذافي وهو يستغفر، أو يطلب التوبة من ربه؟

هل وجه القذافي، قط، أمرا ما، من شأنه الحث على عدم ظلم الناس، وهل سمعه أحد يأمر بالعدل والرفق والعفو والصفح؟

هل أصدر القذافي، قط، عفوا على سجين مظلوم، فأطلق سراحه، أو حقن دمه. وما أكثر المسجونين ظلما، والمقتولين غدرا!؟

في موقع نداء القذافي اطلعت على بعض محاضر المحكمة الثورية الدائمة في بداية الثمانينيات، ولم استطع، وأنا أطالع هذا السجل المخزي، إيقاف دموعي، تحسرا وكمدا على الحق والعدل والقانون، وكيف داس الطغاة بأرجلهم عليه، ثم قتلوا الأبرياء المظلومين في وجوده وبين يديه، وبالطبع لم أستطع كبح لساني عن لعنة رأس النظام، القذافي، وزبانيته، أعضاء تلك المحكمة الجائرة.


الشهيد الشاب رشيد كعبار؛ يقف أمام تلك المحكمة، ويسأله رئيسها، ويكتب كاتبها، ما يلي:

ــ هل تحب فلان؟

ــ لا.

ــ هل تكره فلان؟

ــ نعم.

ــ هل تنوي فعل كذا؟

ــ نعم.

ــ هل، لو حدث كذا، تفعل كذا؟

ــ نعم.

ــ هل تصلي؟

ــ نعم؟

ــ هل لديك انتماء إلى كذا؟

ــ نعم.

ــ .................الخ.

وهكذا كانت كل الأسئلة؛ حب، وكره، ونوايا، وقصد، ولا سؤال أبدا عن فعل من شأنه أن يوجب العقوبة.

أجل. لم يُسأل المتهم مثلا: هل فعلت كذا؟ أو لماذا فعلت كذا؟ أو ماذا تقول في هذا الدليل الذي يثبت أنك فعلت كذا؟ أو ما رأيك في هذا الشاهد الذي رآك تقوم بفعل كذا؟  ........... الخ.
  
وبكل جرأة، ودونما إشارة إلى أي مادة في القانون الليبي، أو أي قانون أخر عرفته الأرض، أو أنزلته السماء، يصدر القاضي حكم الإعدام، ويقتل الشاب القريب جدا من عهد الصبا، وبطريقة سادية انتقامية. وكذا فعل بالكثيرين من إخوانه الشهداء الشباب.

كيف لي أن أتكلم عنك، وعن أفعالك، وعن زبانيتك، يا قذافي، دون أن ألعنك؟

لا يمكن. لا يمكن. لا يمكن.

تُرى هل اطلع الكثير من الليبيين الذين لا زالوا يوالون هذا الرجل على ما ينشره هو بنفسه في موقعه، وكأنه يقول لجميع الليبيين: إن من يُحدِّث نفسه بكرهي وعدم موالاتي، فإن مصيره سيكون كمصير رشيد كعبار، والذي كان كل جرمه، وفق محضر حكم الإعدام المذكور، أنه لا يحب القذافي!
تُرى هل اطلع الشيوخ المنافقون، والذين يخلعون على القذافي ثوب ولي الأمر، على محضر هذه المحكمة، ورأوا بأم أعينهم مدى عبث ولي أمرنا بدمائنا، ومنذ زمن بعيد، وهل هؤلاء الشيوخ بمقدورهم إصدار فتوى بشرعية قتل كعبار الذي لم يفعل شيئا سوى أنه عبر عن حالة حب وكره ليس إلا. وإذا لم يكن قتل المجني عليه شرعيا فمن يتحمل وزر دمه.
وهل يستحق من استحل الدماء اللعنة، أم يستحق منا الثناء عليه ومبايعته حاكما ووصيا علينا أربعين عاما أخرى.
لعنة الله على القذافي ومن والاه.

محمد الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: