الجمعة، أغسطس 12، 2011

واضرب لهم مثلا رجلين


واضرب لهم مثلا رجلين!
جبريل النبيل، وشاكير ال ..........!

لست سعيدا بذكر الأسماء، وإنما أذكرهم مضطرا. كما أنني لا أعني الأسماء، عند ذكرها، لذاتها، وإنما أعني مواقف الأشخاص حملة هذه الأسماء، ومن تم تحليل هذه المواقف، من أجل الوصول إلى أسباب تباينها إلى درجة التضاد، وأثر هذا التباين والتضاد فيما تمر به بلادنا من أحداث جسام لها ما بعدها.

تلعب البيئة بمكانها وزمانها ومناخها الفكري وهواءها السياسي ونسيجها الاجتماعي دورا مهما في تكوين الناس، ويفترض منطقيا تساوي نتائج تأثير البيئة الواحدة على الأشخاص الذين تحتضنهم هذه البيئة، ولكن حدث العكس، وأنتجت البيئة الواحدة رجالا مختلفين بل متضادين، ولذا وجب ضرب المثل بهم.

لا أعرف الرجلين، جبريل وشاكير، معرفة شخصية، ولا أعرف شيئا عنهما من شأنه أن يسهل علي مهمتي هذه، وذلك باستثناء معلومات عامة من هنا وهناك، لا تفي بمتطلبات جعل كل واحد منهما مثلا يضرب.

سهل علي شاكير المهمة، باحتلاله مبنى الإذاعة، هذه الأيام، والإقامة فيه هو وعائلته، حتى أن طفلته الصغيرة شاركته ليلة أول أمس إحدى مساجالاته الإعلامية. وبظهور شاكير اليومي المترف، وكشفه الفاضح لكل ما تحوي خزائنه، سهل عليَّ الأمر حقا، وجعل بنفسه من نفسه مضربا للمثل!

يشارك شاكير مشاركة ثقيلة في الحرب الإعلامية، الموازية لحرب الميدان، التي يشنها القذافي على شعبه، ودليل ذلك تعمد، شاكير، الظهور كما لو أنه شريك رئيسي في الغزوة الجماهيرية الأولى التي خاضها القذافي منذ أكثر من أربعة عقود، وشريكا مؤسسا في الجماهيرية الثانية، والتي ستولد، وفق تحليلات شاكير وتنبؤاته، بعد انتصار القائد الأب في الحرب الدائرة، وتولي القيادة من بعده ابنه وولي عهده.

بهذه المشاركة الإعلامية السخية، منحني شاكير فرصة النظر إليه عن قرب، وتفحص بعض ملامحه، واستخلاص ما من شأنه أن يساعدني على تقدير حجمه وأبعاده، وكمية المادة المرئية وغير المرئية من شخصيته، وحجم الإرث الملتصق به من مراحل عمره المختلفة، ووزنه المعنوي النسبي تجاه ما مر به من أحداث، وما أحاطت به من مؤثرات، وغير ذلك.

ولأن المساحة ضيقة، ولأنني لست من المختصين حتى أتمكن من بسط كل ما أشرت إليه، لذلك سوف أقتصر على أول مرحلة في سيرة شاكير، وأول خطوة خطاها. سأذهب إلى هناك حيث الساعة التي قرر فيها شاكير دراسة العلوم السياسية، بعد حصوله على الشهادة الثانوية العامة قبل أربعين عاما من سقوطه المدوي الذي نراه.

في بداية السبعينات، وفي بلد حديث عهد بالسياسة وعلومها وفنونها وتطبيقاتها، يندر من يفكر أن يدرس العلوم السياسية، وربما أصبحت هذه الندرة صفرا لطالب مثل يوسف شاكير المنحدر من أسرة فقيرة، كما اعترف هو بنفسه، وهي حالة تجبر شاكير، المتحصل لتوه على الثانوية العامة، التماس أقصر طريق يؤمن له الخروج من فقره، وما من طريق أمامه أقرب وأقصر من توجهه إلى كلية تطبيقية ككلية التجارة مثلا القريبة من محل سكنه، والتي تتمتع بسمعة جيدة في ضمان خريجيها لفرص عمل مرضية.

إن اختيار شاكير الطريق الأطول، واختياره دراسة العلوم السياسية في مصر بعيدا عن أهله، كان، حسب تقديري، بدافع نزعة  الظهور المغروسة في نفسه، والتي ستجد في كلية العلوم السياسية ما يطفئ ظمأها، ويحقق لشاكير الخطوة الأولى نحو التألق السياسي الذي يراوده.

لو كانت بلد شاكير دولة ديمقراطية، لوجد شاكير، عاشق السياسة، نفسه ضمن حزب من الأحزاب المتنافسة على حكم البلاد، أو لحضنه برلمانها. ولكن مغتصب السلطة، القذافي، أغلق أمامه وأمام غيره فرصة المشاركة في حكم بلدهم، مما سبب للكثيرين منهم كبتا تراكمت طبقاته، فأورثت في أنفس بعضهم غلا على النظام كله، فعارضوه وناهضوه. كما أورثت في أنفس آخرين انسحاقا، مسخ ذاتهم، حتى دفعهم ذلك إلى شراء المجد السياسي المزيف بأغلى ما لديهم؛ كرامتهم.

انسحق شاكير نفسيا بما تعرض له من حرمان سياسي طويل الأمد، غطى أو كاد عمره كله، وليس أمامه إزاء هذا الانسحاق إلا اقتحام الخطر من أجل تحقق الوطر. وإني لأعذره في ذلك!

في غاية الانسحاق، أشبع شاكير الوطر، وكابد الخطر، واقتحم خيمة الدكتاتور الأشر، وهو اقتحام قيل فيه كلام كثير، من بينه دخول شاكير على أربع، إلى تلك الخيمة، الخبر الذي كذبته أول ما سمعته، ولكن تدخل شاكير وإتيانه بالدليل الحي على قدرة انسحاقه في سبيل ظهوره، أجبرني على تصديق كل غريب وعجيب قيل عنه.

أجل انسحق شاكير، حتى جعل من شيبته، ووقار شيخوخته، موضع بصقات ملايين الناظرين إليه، وهو يخوض حربا مهينة في صف دكتاتور يطلب من شعبه أن يركع له ، أو يقتله.

محمود جبريل هو الآخر من طبقة شاكير الاجتماعية، ويشابهه كثيرا في مدخلات هذه المقارنة، ولكنه، ويا للعجب خصيمه وضده في مخرجاتها.

وفق رواية شاكير، فإن الرجلين، جبريل وشاكير،  ترافقا وربما تشابها حتى بلوغهما أشدهما، وبلغا أربعين عاما. وهناك تفارقا، ولا زالا متفارقين.

لماذا؟

درس جبريل السياسة ولكنه لم يمرض بها ويعاني منها ما عاناه شاكير. بمعنى أنه لم يقع في حبها، ويهيم بها، حتى يرى من خلالها الشمطاء حسناء.

نجح محمود جبريل في حياته المهنية نجاحا فتح عليه ما استغلق من أبواب السياسة رغم صدإ مفاصلها، ولكنه أبى أن يدخل راكعا، أو متسللا من خلال بابها الموارب.

ومرة أخرى أعود إلى شاكير، وشهادته بنفسه، على أن السياسة، التي يعشقها شاكير، تبرجت أمام جبريل، وراودته عن نفسه، فاستعصم!

أجل إن جبريل لم يلتقط الطعم. لماذا؟

وهنا تزيح عن كاهلي عبء الإجابة عن هذا السؤال، ثورة 17 فبراير.

قبِل محمود جبريل سياسة  17 فبراير ذات الشوكة والثمرة المرة، ورفض الأخرى غير ذات الشوكة، رغم تبرجها ومراودتها له. ما من سبب يجبر جبريل على رفض جائزة القذافي والتربع في خيمته، سوى كرامته.

يبدو أننا وصلنا إلى حيث نريد، ووصلنا إلى حل اللغز وعقدة هذا التحليل، والتي بانفكاكها ينفك لنا ما استغلق من ألغاز المشهد السياسي الليبي كله، والذي من أهم ملامحه  تسمر عدد محدود من الرموز عديمي الكرامة دون أن يتحركوا من أمكنتهم العقود الطوال.

الساحة السياسية الليبية قبل17 فبراير عبارة عن حظيرة في الفناء الخلفي للخيمة. ولم يسمح بدخول أحد إلى تلك الحظيرة إلا من خلال باب الخيمة المنخفض السقف حتى الخضوع والركوع، والموارب الضيق المدخل حتى مسخ وانسحاق من أراد ولوجه، وهو ما لم يفعله جبريل، وذلك لأنه نبيل، وفعله ولكنه متأخر جدا شاكير، لأنه ............... 

محمد الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

هناك تعليق واحد:

SD يقول...

اهتمام الموقع. إبقاء التدوين!