السبت، أكتوبر 08، 2011

أيها الثوار المنتصرون


أيها الثوار المنتصرون:
الحق هو الذي ثأر لكم من عدوكم،  فلا تخذلوا الحق فيثأر منكم

أمضى الطاغية القذافي كل الوقت الذي حكمنا فيه غامطا للحق، بل ومحاربا له، حتى ظن ضعاف الإيمان مثلي أن القذافي قد هزم الحق وصرعه، أو على أقل تقدير تهادنا الاثنان، الحق والطغيان، وتواطآ كلاهما ضدنا.

طال أمد ظهور الطغيان وسواده، وانحسار الحق وارتداده، وزاد تبعا لذلك إلحاحنا على استدعاء ما تبقى لدينا من زاد صبر قليل لرحلة طالت، حتى بلغ معين الصبر عند الكثيرين منا خطه الأحمر الذي زاده اشتعالا انقطاع موارد الصبر ومدده المحمول على ومضات الفرج الغائب، وبوارق الانتصار التي عقم رحم الأفق عن ولادتها السنين الطوال، وحتى وإن حدث وولد الأفق بعضا من هذه البوارق، فإنها في الغالب تولد خداج، ما تلبث أنت تضعف وتموت.

غصت ساحة الصراع غير المتكافئ بين الطغيان وضحاياه بالكثير من الصور المرعبة والمخيفة، إلا أن أكثر المشاهد رعبا كانت تلك التي ظهر فيها الحق بجلاله ووقاره منهزما منكسرا، وقد داسه قدم الطاغية بحذائه القذر الثقيل، على مرأى ومسمع الدنيا، وعلى مدى زمني اتسع لأكثر من جيل من المحكومين المسحوقين المغلوبين على أمرهم.

وعلى غير ما ميعاد، وفي لحظة زمنية بلغت من الخفة واللطف حدا جعلها تمر من خلال أشد آلات الرصد والتحليل دقة، حاملة على جناحها النحيل أثقل حدث وأخطره، ألا وهو حدث ثأر الحق من الظالم القذافي، لصالح الليبيين المظلومين.

ولأن الحق يحمل قسطاسه المستقيم أينما حل، وعلى أي صورة ظهر، فقد رأيناه وهو يثأر من ظالميه، يفرق بين ظالم وآخر، تبعا لدرجة ظلمه وتجبره. فقد رأينا الحق يصفع بقبضته كلا من الظالمين بن علي ومبارك صفعة خفيفة قادتهما بلطف ظاهر إلى حيث يجب أن يكونا، غير أن الحق وهو يلطم القذافي ثأرا لليبيين، قوى من لطمته له، وذلك على قدر ما اقترف من ظلم، وما ارتكب من جرائم، وبطريقة مختلفة تماما عما فعله مع من سبقه من حكام ظالمين مستبدين.

أصر الحق وهو يثأر من القذافي أن يقتلع القذافي الظالم ومن والاه اقتلاعا، بل إنه مارس ضده حرب إبادة عرقية وأيديولوجية، استهدفت شخصه وفكره ونسله، بل وحتى أنصاره ومريديه.

رأينا في ساحة الصراع بين القذافي والحق جنودا كثر يحاربون القذافي، منهم من يحمل شعار الجامعة العربية، وآخر يحمل شعار مجلس الأمن، وثالث يحمل شعار الناتو، ورابع يحمل شعار الثوار، بل ومنهم جنود خلص للقذافي ونظامه، إلا أن كل أولئك الجنود ما هم إلا جند الحق الذين استدعاهم الحق نفسه في الوقت الذي شاء والمكان الذي أراد، فلم يتخلف أو يتباطأ منهم أحد أبدا.

كل السيناريوات التي كتبت للمسرحية الليبية تم الخروج على نصها خروجا واضحا  صارخا. فمن ذا يتوقع من الجامعة العربية موقفا كالذي وقفته، ومن ذا يتوقع من الغرب وأمريكا أن تنسف في سويعات جبلا من العلاقات الوطيدة بينها وبين القذافي، ذلك الجبل من العلاقات الذي استغرق السنوات وربما العقود في إقامته ورص حجارته المتخالفة المتنافرة.

وحتى إذا سلمنا بعدم غرابة ذلك كله، وافترضنا جدلا إمكانية حدوثه، فلا يمكن لنا أن نتوقع من شعب مقموع ومحكوم بالحديد والنار، كالشعب الليبي، أن يخرج عن القذافي ويواجه رصاصه ومرتزقته بصدور عارية.

عندما يقرر الحق أن يثأر من أعدائه، تستنفر له جنود السماوات والأرض، وتتجمع بين يديه، وعندها يصعب على أكبر القوى وأعظمها أن تقف في طريقه أو تصده.



لم يثار لنا الحق وينصرنا على عدوه وعدونا محاباة لنا أو مجافاة للقذافي، ولكن الحق هزم القذافي الذي أمعن في مناصبته ومعاداته، وسيظل الحق واضعا مسطرته، شاهرا سيفه في وجه كل من تسول له نفسه العبث بالحق وحدوده.

ولمن يصعب عليه معرفة حدود الحق التي خرقها القذافي، والتي خرقها البعض منا أو يكاد، فما عليه إلا التلفت إلى الوراء قليلا وينظر في قائمة اقترافات القذافي وجنوده، ثم ينظر ما يقترفه البعض من ثوارنا منها، والتي منها ما يلي:

1 ــ قتل النفس إهمالا أو تعمدا.
2 ــ هتك العرض.
3 ــ سرقة أموال الغير سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين.
4 ــ عدم التحرز والأكل بغير المعروف من مال الدولة الذي لا حارس له.
5 ــ إزعاج الناس وإرهابهم.
6 ــ اتهام الناس بالباطل وتخوينهم.
7 ــ التكبر والاستقواء بالعدد والعدة على حساب المبادئ والقيم والأصول.
8 ــ التهافت على المناصب ونيل المكاسب وانتهاب اكبر ما يمكن نهبه من الكعكة المغمورة في دماء الضحايا.
9 ــ التعصب للذات وأواصر الدم والقربى والقبيلة على حساب الوطن والوطنية.
10 ــ الاعتزاز بالإثم قليله وكثيره.
11 ــ التفاخر والتباهي بما أسبغ الله به علينا من نعمة نصر، وعدم التواضع ونحن نضع تاج حريتنا فوق رؤوسنا التي أعلاها الله تفضلا منه.
12 ــ استمرار بعض الثوار وخاصة الشباب منهم في ممارسة أخطائهم السابقة، وما درجوا عليه من أعمال سيئة، لا يمكن أن يظهر بها عاقل رشيد وهو يتسلم وسام النصر المهدى إليه من ربه الكريم.
13 ــ انطلاق الألسن والأقلام بالقدح والذم بغير ما بينة، والطعن في أهلية وذمة الآخرين لإلحاق الضرر بهم.
14 ــ المبالغة في الانتقاد لدرجة الاتهام، وترك التناصح النافع المحمود.

 كل ذلك، وربما غيره كثير بدأ يظهر في ساحة المعركة بعد انجلاء غبارها، وهو ما يتعارض، وبكل تأكيد، مع الحق وثوابته التي لا يمكن تجاهلها أو اللعب بها.

إن المثل الحي الذي رأيناه من ثأر الحق من الباطل، وكذا ما حل برجل اسمه القذافي كان يعبث بالحق وثوابته، لأمر يجب علينا أن نأخذه في الحسبان، لا سيما  ونحن نمر في هذه المرحلة الهامة والحساسة من مراحل حياة الدولة الليبية.

إن الثمن الذي دفعناه مقابل حريتنا ثمن باهظ، والنصر الذي صنعناه عظيم، ولكن كل هذا مرهون بقاؤه وديمومته بديمومة بقائنا محترزين حذرين من سيف سنن الحق ونواميسه التي وضعها رب الحق سبحانه وتعالى حماية للحق وأهله، وكبتا للباطل وعصبته.

محمد الشيباني
  
  

ليست هناك تعليقات: