ــ أيها الثوار: عودوا إلى قبيلتكم......
ــ ألا ترى أنك فتحت على نفسك أبواب جهنم بندائك المتهور هذا!
ــ كيف؟
ــ انظر إلى الضجر البادي على وجوه الثوار وعدم رضاهم بما قلت، بل إن بعضهم قام بتحسس زناد بندقيته، أو ميم طائه!
ــ لماذا؟
ــ لأن أي مركب مشتق من الجذر (ق ب ل) لازال يسبب للكثير من الليبيين حساسية، لا تؤدي إلى مجرد طفح جلدي، بل إنها تتغلغل داخل القلوب ومراكز الإحساس فتصيبها بتشنج غير محسوب النتائج.
ــ حقا. ماذا عليَّ أن أفعل إذن؟
ــ تتراجع عن هذا السؤال المثير، وتبحث لك عن حل سريع.
ــ كيف، وقد قلت ما قلت، وبدأت أعراض تلك الحساسية تظهر على أغلب من سمعوا ندائي؟
ــ أنصحك بأن تعيد السؤال.
ــ أعيد السؤال! كأنك تهزأ بي! كيف أعيد سؤالا سبَّب ما تراه من أعراض حساسية تكاد أن تتحول إلى نوبة تشنج يفقد فيها الجميع أعصابهم؟
ــ أقصد أن تعيد السؤال، ولكن بإضافة كلمة واحدة في آخره.
ــ لا زلت تهزأ بي! أية كلمة هذه التي باستطاعتها كبح تيار العصبية القبلية الجارف، ونوبة جنون الشك في الآخر البادية على ملامح الجميع؟
ــ حسن. ماذا لو أضفت إلى سؤالك عاليه مجرد كلمة ليبيا؟ جرِّب!
ــ تقصد أن يكون النداء على الصِيغة التالية: أيها الثوار عودوا إلى قبيلتكم(ليبيا). أليس كذلك؟
ــ بلى. هذا ما أقصده بالضبط.
ــ يا لها من فكرة. بل يا لها من كلمة فعلت فعل السحر. فبمجرد سماع الثوار لها اختفت أعراض حساسية كلمة القبيلة الصغيرة المنكرة التي تبادرت إلى أذهانهم عندما سمعوا ندائي المبتور الأول.
ــ أرأيت!
ــ هذا رائع، ولكن ألا تذكر عندما انطلقت شرارات الثورة على مدى مساحة الوطن، وكيف كان كل منا يسارع إلى إدراج اسمه واسم قبيلته في السجل الخالد لمقاومة الاستبداد والقضاء على الطغيان، وكنا كلما سمعنا خبرا أو رأينا صورة من مشاهد الانتفاضة ضد طاغية ليبيا السابق نفتش باشتياق في ثنايا الخبر وزوايا الصورة عن اسم القبيلة المنتفضة، فنُسرُّ كثيرا بتلك الخربشات اللذيذة الحاملة أسماء القبائل والقرى والمدن وهي تزين مركبات الثوار وحوائط مبانيهم.
ــ كنا آنذاك يوحدنا الهدف وتسلينا أخبار انكسار العدو المشترك، وكنا نتمنى أن تلد القبيلة المنتفضة الواحدة ألف اسم واسم، وأن نكتب أسماء القبائل جميعها على جباهنا ونعلقها قلائد على صدورنا. ثم تحقق النصر بفضل الله القوي الجبار، ودفع الليبيون جميعهم ثمن هذا الانتصار الذي أنجبته معركة ليبية مشتركة، مداها المكاني القطر الليبي من شرقه إلى غربه، ومداها الزمني يفوق مجرد شهور المعركة الثمانية الأخيرة، ليغطى مدى عمر الظلم والطغيان الأربعيني المقيت.
ــ كأنك، بقولك هذا، ترمي إلى شيء أبعد، وليس مجرد مداواة مرض حساسية عارض سببه الشعور بالتعصب القبلي الذي أثاره سؤالي عاليه!
ــ أجل. إنني أريد من الثوار أن يعلموا أن كل ما قدموه من تضحيات خلال الحرب السابقة ما هو إلا حلقة من حلقات عقد الحرية الذهبي الذي تربع على جيد أمنا ليبيا ودرة من درره، وأن هذا العقد قد ساهم كل ليبي مخلص بنصيب فيه، كما أن هذا العقد الثمين سوف يفقد لمعانه وتتناثر حباته لمجرد التلويح باسم القبيلة الصغيرة أو العائلة أو الشلة أو غير ذلك من منتجات العصبية وموروثاتها.
أيها الثوار دعوا أمكم ليبيا تتألق وتزهو بعقد حريتها الذي سرق منها السنين الطوال، والذي شاركتم جميعا في استرداده، وجمع ونظم حباته التي عددها بعدد قبائل ليبيا جميعها.
أيها الثوار إن المسارعة بعودة كل واحد منكم إلى ثغره المكاني حيث مكان سكناه، وثغره الوظيفي حيث مكان عمله، هو بحق الجهاد الأكبر الذي من أجله انخرطنا جميعا في الجهاد الأصغر الذي فرغنا منه للتو.
أيها الثوار عودوا إلى ليبيا؛ القبيلة الأم الكبيرة، ولا تغيظوها بضراتها؛ قبائلكم الصغيرة.
رجاء افعلوا، واخلعوا ثوب القبيلة الكئيب الضيق، وارتدوا ثوب الدولة المتألق الفضفاض.
افعلوا، ولا تترددوا، وسوف لن تندموا
محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق