الجمعة، ديسمبر 16، 2011

سنة أولى ديمقراطية"3"


سنة أولى ديمقراطية"3"

كالعادة انعقد الدرس في وقته، وظهر على اللوحة الذكية الرقم "3" مبينا تسلسل درس اليوم، وكالمعتاد أيضا طلبت هذه اللوحة من المدرس القيام بإدخال معطيات الدرس، والتي يأتي في مقدمتهها، كما هو معروف، العنوان.

أقبل المعلم على السبورة، وكتب العنوان التالي:

   **السندوتش الثقافي؛ أحقيته، وضرورته، ومواصفاته**

على عكس الدروس السابق، لم تصدر اللوحة أية أصوات أو أضواء مثيرة، وبدل أن يستفز العنوان التلاميذ كما كان سابقا، بدا العنوان هذه المرة كما لو أنه نكتة أضحكت الجميع وأدخلت عليهم الفرح والسرور.

لاحظ المعلم سرور الطلبة واستحسنه، واعتبر ذلك عنصر إثارة إيجابي، ومؤشرا على استعداد الطلبة النفسي والذهني لموضوع يستهدف في الأصل عقل الفرد ووعيه. ألا وهو موضوع التوعية والثقافة.

ساد الهدوء الفصل، وأعطت السبورة الذكية الإذن للمعلم بشرح درس "السندوتش الثقافي"؛ فاستطرد المعلم قائلا:

خاض الشعب الليبي خلال الشهور المنصرمة الماضية ثورة ضد المستبد القذافي يمكن وصفها بالثورة الخشنة، وازتها ثورة ناعمة لا تقل أهمية وقوة وتأثيرا على الثورة الخشنة.

الثورة الناعمة تلك هي الثورة الثقافية التي يرجع إليها الفضل في التمهيد للثورة الخشنة، ثم إشعال شرارتها في السابع عشر من فبراير، ومن تم مواكبتها ومؤازرتها حتى تحقق التحرر من الاستبداد.

لم تتخذ هذه الثورة الثقافية الناعمة التي وازت وصاحبت ثورة البارود أيا من الأدوات الثقافية التقليدية الضخمة المكلفة؛ كالمسارح، ودور السينما، والمهرجانات الفنية وغيرها، وسيلة لتحقيق أهدافها، ولكنها استخدمت أدوات رخيصة خفيفة رشيقة أشبه ما تكون بالسندوتشات الثقافية.

الثوب الأسطوري للثورة الثقافية الذكية الرشيقة تلك، تم تفصيله وحياكته بطريقة عفوية وبسرعة قياسية في أزقة القرى  وشوارع المدن وميادينها، حيث تجمع الثوار أبطال هذه الملحمة بطريقة عفوية أيضا، وعلى غير ما ميعاد. ولم يكن  أولئك الثائرون سوى مواطنين عاديين، لم يسبق للكثير منهم أن دخل مسرحا أو امتلك مكتبة أو كان من ذوي الانتماءات الحزبية أو الأيديولوجية بالمعنى الثقافي الدقيق.

شعارات وأهازيج عفوية تم تأليفها على عجل باللغة المحكية، وتم تلحينها وأداؤها وفق ما اتفق. ورسوم كاريكاتورية في منتهى البساطة قام برسمها بفرشاة طلاء الجدران العادية  أناس لم يروا يوما فرشاة الرسامين والكاريكاتيريين المتخصصين. فخربشوا بأردأ أنواع الطلاء حوائط بيوتهم وهياكل سياراتهم، وقذفوا بكل ذلك فوق خشبة مسرح عملاق حدوده حدود الوطن، وكواليسه وجدانات وأفئدة كل عشاق الحرية، وفعالياته  مهرجانات تثقيف وتوعوية وتحريض على مدى الليل والنهار، أما العنوان الأكبر لهذا المهرجان هو " التحرير". وفي زمن قياسي تمكن هذا المهرجان الشعبي البسيط من هدم ما أقامه الدكتاتور القذافي من صروح ثقافية باذخة كلفت المليارات واستغرق بناؤها عشرات السنوات.

نجحت ثورة السندوتش الثقافي، وسكنت رسائلها القلوب، وحركت نداءاتها الجوارح، ولامست درجة جدواها الذروة، وهي مؤهلات جعلت من الثورة الثقافية الليبية مدرسة عالمية يجدر بأهل الفكر منحها ما تستحق من اهتمام، وإدراجها ضمن التراث الثقافي الإنساني.

من الواضح جدا أننا نمر الآن بأزمة ثقافية ربما أشد حرجا مما كنا عليه ونحن نخوض معركة التحرير، وهو أمر يتطلب منا حلولا ثقافية ذكية سريعة ورشيقة، نتمكن من خلالها الوصول، وفي فسحة الزمن الضيق المتاح، إلى حيث أماكن الوجع والسقم الثقافي التي يعاني منها قطاع عريض من الناس، يشكل الشباب شطره الأكبر. ولا يمكن لهؤلاء، والحال هذه، أن نطلب منهم الانتظار حتى اكتمال بناء تلك القوالب الثقافية التقليدية الباهظة الثمن والمديدة الزمن.

آمل آن تكون هذه المقدمة قد أوفت بأحقية وضرورة فكرة السندوتش الثقافي. قال المدرس؛ ثم أردف قائلا:

أما مواصفات هذا السندوتش فيجب أن تتفق مع تفكير ونمط حياة شريحة المستهدفين من هذه الوجبة الثقافية، والذين في مجملهم، كما هو معروف، شباب من مستويات مختلفة ليسوا من محترفي ولا حتى من هواة القراءة أو حضور المحاضرات أو مشاهدة المسرحيات أو غيرها.

أرى أن يكون هذا السندوتش الثقافي في صورة إعلان رشيق  تحمله مطوية أو ملصقة تحوي مادة إرشادية موجزة ومثيرة ومكتنزة بالمعاني. على أن يكون هذا الإعلان الإرشادي متحركا، يتواجد حيث يتواجد المستهلكين المستهدفين؛ كالطلبة في مدارسهم وجامعاتهم، والموظفين في مكاتبهم، والعمال في ورش عملهم، ويتواجد حتى في المقاهي والمطاعم والملاعب وغيرها.

وعلى غير ما كانت تفعله السبورة الذكية من اقتصارها على التحذير والإدلاء بالنتيجة النهائية للدرس وحالة الدارسين، قامت السبورة آليا بمساعدة المدرس، واقترحت المزيد من صور وأنواع السندوتش الثقافي ممثلة فيما يلي:
 
1ــ الإعلانات الإرشادية على هيئة ملصقات على الجدران وأعمدة الكهرباء وأشجار أرصفة الطرق، وحتى على سيارات الأجرة والسيارات الخاصة والعامة.

2ــ قوافل التثقيف والتوعية المتحركة حاملة على ظهرها المواد الإرشادية المسموعة والمقروءة.

3 ــ الفواصل الإرشادية في برامج الراديو والتليفزيون ووسائل الإعلام المختلفة.

4 ــ "خمس دقائق من الرقائق"، وهو برنامج توعوي يمكن أن ترعاه وزارة الأوقاف من خلال حملة تثقيفية مركزة يكون مكانها المسجد ووقتها خمس دقائق بعد كل صلاة يقوم خلالها المتطوع المؤهل بإمداد المصلين بوجبة ثقافية عامة، لا يشترط تقيدها بالثقافة الدينية وحسب، بل تتطرق إلى كل شأن يمس حياة المواطن ويضيف لبنة ثقافية جديدة في جدار وعيه. كما يمكن أيضا تنفيذ هذا البرنامج بين المحاضرات الجامعية وكذا الحصص المدرسية.

5 ــ تبني برنامج ثقافي عام على هيئة دورة ذات منهج محدد وشهادة معترف بها يمنح حاملها ميزة ما عند تقدمه للوظيفة، أو عند الترقية من درجة لأخرى.

6 ــ وبخط مضيء مؤتلق عريض كتبات اللوحة الذكية كلمة: "القدوة".

وفي نهاية الدرس، ونظرا لارتياح الجميع للفكرة وتقبلهم لها، ظهرت النتيجة العامة لدرس اليوم مشجعة جدا، إذ بلغت درجة التحصيل والاستجابة النسبة 100%.

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: