الثلاثاء، ديسمبر 20، 2011

سنة أولى ديمقراطية5



                      سنة أولى ديمقراطية5” "
                    
                      " لم تنطلق صافرة النهاية بعد "

ما إن أظهرت اللوحة الذكية للفصل الدراسي الأول للسنة الأولى ديمقراطية العنوان عاليه، "لم تنطلق صافرة النهاية بعد"، مصحوبا بأضواء وأصوات السبورة التحذيرية المثيرة، حتى عمَّ المكان الصخب، وظهر التوتر على الوجوه.

وفي ردة فعل غريزية واضحة، وقف معظم الطلبة وانطلقت منهم الكثير من العبارات المعبرة عن خوفهم وفزعهم، بل إن البعض منهم تحسس مسدسه، وأيَّه بمن حوله مستنفرا وداعيا إلى الهيجاء.

ــ ما هذا يا أستاذ! ماذا تقول؟! صاح أحد الطلبة.
ــ لست أنا الذي قلت، ولكن اللوحة الذكية هي التي قالت هذا.
ــ نعلم ذلك، ولكن ما الذي دهى هذه اللوحة اللعينة حتى أطلقت هذا التحذير المثبط المفزع.
ــ إن البيانات التي استقبلتها اللوحة الذكية وحللتها، لم يؤت بها من وراء البحر، أو نسجها خيال شاعر، ولكنها بيانات حقيقية من ساحة المعركة.
ــ تقول معركة! عجيب هذا يا أستاذ! ألم تعلم أن  معركتنا انتهت وحققنا الانتصار؟
ــ عاطفيا أستطيع أن أجاملك وأوافقك على ما قلت، ولكن جهاز الكومبيوتر الذي تحتويه اللوحة الذكية لا يتعامل مع العواطف والوجدانيات، ولكنه يتعاطى مع أرقام وبيانات وتقارير وإحصائيات. وكل ذلك تم إدخاله في اللوحة الذكية فكانت النتيجة التي ترون، والتي عبرت بوضوح على أن الثورة التي بدأها الليبيون لم تنته بعد، وأن ظهورهم لا تزال مكشوفة ومرماهم مفتوح. بل إن الكثير من الأهداف التي تم تسجيلها كانت من قبل حماة المرمى أنفسهم، أحيانا بغير قصد، وأحيانا أخرى بقصد.
ــ  من ذاك الذي يصدق يا أستاذ الذي تقول؟ لا يمكن!
ــ  اسمح لي أن أجيب على سؤالك بسؤال؟
ــ تفضل يا أستاذ.
ــ هل لك أن تقارن بين حالة الوئام والاتفاق التي كانت سائدة بينكم إبان الحرب، وحالة الاتفاق والوئام الآن؟
ــ كنا إبان الحرب أكثر وئاما وانسجاما مما نحن عليه الآن، بل لم نكن نعرف خصاما أبدا.
ــ وبم تؤشر هذه الحالة. أعني ما هو أثرها في مرحلة التحول من الثورة إلى الدولة؟
ــ إنها بكل تأكيد مؤشر سلبي يعرقل قيام الدولة، ويدعو إلى الخوف يا أستاذ.
ــ ولهذا السبب أظهرت اللوحة الذكية تلك الإشارة التحذيرية مذكرة إيانا بأن الحرب لم تنته بعد.
ــ تعني أن مجرد فتور الود والوئام بيننا يعتبر مؤشر على الهزيمة.
ــ بل هو الهزيمة ذاتها. ذلك أن انخفاض هرمون الود والوئام والاتفاق بين الثوار وفي زمن قصير جدا بعد انقشاع غبار البارود، يؤشر إلى ضئالة حجم طبقة الوعي لدينا بدرجة لا يمكن بها حمل ثقل كنز الانتصار.
ــ قلت ثقل كنز الانتصار! أسمع بثقل الهزيمة، ولكن ثقل الانتصار لم أسمع به من قبل.
ــ كيف. ألم تسمع بالمقولة المشهورة للملك السابق رحمه الله: المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله؟
ــ أجل. الآن عرفت. وماذا أيضا يا أستاذ. ما هي المؤشرات السلبية الأخرى؟
ــ ترْكُ الكثير منكم لمكانه في ساحة الحرب، وانطلاقه بشكل غريزي مخجل نحو الغنائم.
ــ تلك حالات فردية بسيطة من بعض الثوار صغار السن.
ــ كلا. فعل ذلك كبار السن، بل أعضاء في المجلس الانتقالي ممن جاءت بهم فرصة اللحظة، أو قل غلطة اللحظة.
ــ هذا صحيح.
ــ ألا يجدر بها والحال هذه أن تصرخ اللوحة الذكية بأعلى صوتها بالعنوان عاليه، داعية إياكم إلى العودة إلى خنادقكم؟
ــ تقول خنادقنا. هذه دعوة مريبة يا أستاذ. إننا ندعو إلى سحب السلاح لا حمله.
ــ وهذه أيضا مشكلة!
ــ أية مشكلة يا أستاذ؟
ــ معظمكم يظن أن الحرب كلها حرب بارود. إنني أعني بالعودة إلى الخنادق عودة كل الثوار إلى أمكنتهم التي جاءوا منها قبل الحرب، وممارسة العمل البناء النافع من أجل الهدف النبيل اللذيذ الذي كانت تقف حواجز الدكتاتورية والاستبداد حائلا بينهم وبينه.
ـ أجل يا أستاذ. فهمتك. وماذا غير هذا من مؤشرات سلبية؟
ــ انتشار اللون الرمادي وتخلله الأماكن الحساسة من جسم الثورة، هو أيضا مؤشر خطير على عدم اكتمال النصر.
ــ من هم هؤلاء الرماديون يا أستاذ.
ــ إنهم ببساطة المتلونون، وعلى نفاقهم دائمون.   
 ــ وماذا بعد يا أستاذ؟
ــ الشعور المفرط بالثقة في النفس والاعتداد المبالغ فيه بالذات، والذي بدا واضحا على وجوه الكثير من المرتدين وشاح الثورة، وخاصة الكبار منهم، وهي حالة من شأنها أن تضعف من قبول هؤلاء للنصيحة وتقبلهم للنقد البناء الضروري جدا لبناء الدولة. ألم تر تلك المساجلات الساخنة في حلبة الإعلام بين أقطاب الثوار، تلك  المساجلات التي انتقل البعض منها إلى الشارع، حيث الثوار الصغار اللاعبين بالنار.
كل ذلك وغيره ربما كثير، جعل اللوحة الذكية تصرخ بأعلى صوتها، وتقول بأن الحرب لم تنته بعد، وإنما الذي انتهى منها مجرد فصل بسيط قصير، تم خلاله كسر بوابة باب العزيزية التي كان يحتمي وراءها الدكتاتور القذافي، أما قلب قلعة التخلف والجهل والمرض والفساد و(تصكير الدماغ)؛ فلا زال على حاله كما تركه القذافي.

جلس الطالب ونظر عن يمينه وشماله، فإذا الصمت والوجوم يعلو وجوه الجميع الذين تبادلوا نظرات الاعتراف بالخطأ، والشعور بخيبة الأمل.

وكالعادة صرحت اللوحة الذكية بنتيجة الدرس، والتي كانت كما يلي:

أيها الليبيون: استغرق منكم كسر بوابة باب العزيزية وطرد حارسها الدكتاتور اثنين وأربعين عاما.
أيها الليبيون: لا زلتم كما أنتم.
أيها الليبيون: ستستغرقون وقتا أطول من ذلك بكثير لإزالة مخلفات باب العزيزية إن لم تغيروا ما بأنفسكم.

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com



ليست هناك تعليقات: