السبت، ديسمبر 24، 2011

سنة أولى ديمقراطية 6



سنة أولى ديمقراطية، أم سنة 43 ثورقراطية
النظام الثورقراطي يستمد شرعية وجوده من شرعية الثورة ذاتها

صدم هذا العنوان الذي أظهرته اللوحة الذكية الجميع. كيف لا وهو يلغي بجرة قلم تضحيات الثوار التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها!

المعلم هو الآخر فوجئ بهذا العنوان الذي قذفت به اللوحة، ليس لأنه لم يسمع بهذه التسمية من قبل فحسب، بل لاحتواء العنوان على إشارات متناقضة لا يمكن أن يقبلها الثوار، فضلا عن فهمها ومحاولة تحليلها والاستفادة منها.

وحتى لو تمكن المعلم، بما يملكه من حنكة وذكاء، من تمرير لفظة الثورقراطية الغريبة المثيرة هذه، إلا أنه لا يستطيع إخفاء الرقم 43 ، وذلك لما يشي به هذا الرقم من علاقة مشبوهة بالرقم 42 سيء السمعة.  

أما ثالثة الأثافي فهي إلحاح العنوان على إجراء المقارنة غير المعقولة بين السنة الأولى ديمقراطية التي ملأ بريقها عيون الثوار واستحوذ حبها على قلوبهم، وبين ما يلقيه العام 43 من امتداد لحقبة البؤس والشؤم.

حقا إنه لمأزق!

ليت اللوحة اكتفت بمجرد طلب عقد المقارنة، ولكنها، ولغاية في نفسها الكومبيوترية اللئيمة، أعادت إلى الأذهان  تلك المتلازمة اللفظية المقيتة السوداء، والتي صبغ سوادها عقود الاستبداد الثوري الأربعة، عندما كان الثوريون السبتمبريون الدائمون المعمرون يغلفون جرائمهم الفظيعة بغلاف الشرعية الثورية، حتى صارت  جرائمهم وفق شرعهم الثوري حلالا ثوريا صرفا.

وللخروج من هذا المأزق عمد المدرس الديمقراطي كعادته إلى التلاميذ طالبا منهم المشاركة والتعليق على ما أظهرته اللوحة.

خيم الصمت على الفصل الدراسي الذي يتشكل في معظمه من الشباب، ولم يقطع هذا الصمت سوى خطوات رجل ستيني انطلق من بين الحاضرين وتقدم نحو المدرس واستأذنه في الحديث قائلا:

ربما نحن الكهول ندرك أكثر من الشباب دلالات العنوان الذي أظهرته اللوحة الذكية، وذلك بسبب مبلغ كرهنا لكلمة الثورة ومشتقاتها، والتي أجبرنا نظام الاستبداد على تجرع حنضلها 42 عاما، حتى بلغ كرهنا لهذه الكلمة حدا تمنينا فيه ألا تأخذ ثورة فبراير عند انطلاقها هذا الاسم، الثورة. وما كان لنا من مبرر لتسمية انتفاضتنا باسم الثورة إلا عدم توفر كلمة أخرى مرادفة لها في لغتنا العربية.

كان الثوريون السبتمبريون المجرمون، يا أبنائي الشباب الثوار، يعتقلون ويعذبون ويقتلون ويهتكون الأعراض ويغتصبون أملاك وأموال الناس، ثم يبررون ويمهرون هذه الأفعال الشنعاء بعبارة " الثورة" و "الشرعية الثورية".

أجل كان تعبير "الشرعية الثورية" هو التعبير القانوني الدستوري المقدس الفذ، والذي بلغ من القدسية في نظر مبتدعيه حدا قصر عنه حتى وحي السماء.


حفزت مشاركة الكهل أحد الشباب الذي صرخ من بعيد وبدون استئذان قائلا:

لا تصح المقارنة بين ثورة سبتمبر التي قام بها حفنة من الضباط المتمردين، وبين ثورة فبراير التي قام بها الشعب كله!

أبدى المدرس والتلميذ الكهل كلاهما الرغبة في الرد على الثائر الشاب، لكن تدخل اللوحة الذكية حال دون ذلك، وقامت  اللوحة بقذف العبارة التالية الأكثر إثارة وتحد:  

تمتلك الثورة عند قيامها شطر شرعيتها، وبقدرتها على إقامة الدولة تمتلك كل شرعيتها أو تفقدها



حقا. صاح الكهل، ودليل ذلك عجز ثورة سبتمبر المستمرة المزمنة عن بناء دولة حقيقية، ولم يكن لذلك أي مبرر يذكر سوى أنانية من قاموا بالثورة، وتشبثهم المخجل المخزي بإطالة عمرها خدمة لأغراضهم الشخصية الدنيئة.  

النظام الثورقراطي الاستبدادي هو الذي  حكم ليبيا 42 عاما مانعا إياها من أن تكون دولة، وكلما أطلنا نحن الثوار عمر ثورتنا هذه، أخرنا قيام الدولة، ومشينا من حيث لا ندري وراء من ثرنا عليهم وأسقطناهم.

لم يجد المدرس عبارة مفيدة يختم بها هذا الدرس المشحون سوى عبارة أثارت المزيد من الحماس والرغبة في المشاركة لدى الحاضرين، ولكن سيف الوقت داهم الجميع، فسارع المدرس إلى كتابة عبارته الخاتمة، واعدا الطلبة باستئناف الحديث حول هذا الموضوع في الدرس القادم من سلسلة سنة أولى ديمقراطية. وهذه العبارة هي:

إن التحدي الأكبر الذي يواجهنا نحن الثوار هو قدرتنا على جعل السنة الأولى ديمقراطية هو عام سنة أولى دولة وليس عام 43 ثورة.

محمد الشيباني

ليست هناك تعليقات: