الثلاثاء، يناير 10، 2012

سنة أولى ديمقراطية"11"


سنة  أولى  ديمقراطية  "11"

لم يكن التكليف بالواجب المنزلي مبعث سرور في نفس تلاميذ السنة أولى ديمقراطية، وذلك لما علق في أذهانهم من ذكريات التكليفات المدرسية في سني دراستهم الأولى المرهقة، بالإضافة إلى وجبات التعليم الإضافي الركيكة التي عانوا منها الكثير إبان تدريبهم العسكري المدرسي المضني.

الأمر مختلف كثيرا هذه المرة، وذلك بسبب النكهة الديمقراطية المثيرة لهذا الواجب الديمقراطي المنزلي الأول، تلك النكهة التي كنا نتحسس شذاها من وراء البحار حيث تفنن الناس هناك في صنع أطباقها وأصنافها الشهية والمثيرة.

لأجل ذلك توفر لدى الطلبة ما يكفي من الحماس لتأدية واجبهم المنزلي الديمقراطي الأول، والمتعلق بالإجابة على السؤال الديمقراطي الكبير:

"من نحن؟"

ولضمان نتيجة سريعة ومفيدة، قام التلاميذ باستخدام تقنية الحاسوب التي ساعدتهم على تجميع وتحليل البيانات، كما استخدموا تقنية الانترنت في التواصل فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين اللوحة الذكية الموصولة بالشبكة العنكبوتية من جهة أخرى.

وفي بداية اليوم الدراسي الحادي عشر كانت اللوحة الذكية مثقلة بكم هائل من الإجابات، حيث قامت بتحليلها وتصنيفها إلى الفئات الثلاث التالية:

الفئة الأولى، والتي غلبت على إجابات أصحابها لغة الحماس والافتخار بالوطن تارة، وتارة بالعرق، وتارة أخرى بالقبيلة، وغير ذلك مما يزخر به خطابنا التقليدي الطافح بالمعقول وغير المعقول.

أما الفئة الثانية، فقد كان منهجها في الإجابة على السؤال والتعريف بنا نحن الليبيين مناقضا تماما للأولى، حيث بالغت في جلد الذات، وتهوين ما لدينا من إمكانيات وأدوات التأهل لعضوية النادي الحضاري الدولي. وبمعنى أوضح كان موقف هذه الفئة موغلا في التشاؤم.

إلا أن الفئة الثالثة، والتي كان معظمها من المعجبين بمنهج مهاتير محمد وأمثاله من القادة الناجحين، والمفتونين بآراء المفكرين التنويريين الذين تعمقوا كثيرا في دراسة علل الأمة من لدن الكواكبي في تقصيه لظاهرة الاستبداد بأضرابه المختلفة من وجهة نظر كل من صناع الاستبداد والقابلين للاستبداد، ومرورا بالمفكر مالك بن نبي ذلك المفكر المسكون بمشكلاتنا الحضارية وهمومنا الثقافية والفكرية، وانتهاء بما تزخر به الآن الساحة الثقافية وهي تتجاوب مع الزلزال الديمقراطي المفاجئ وموجاته الارتدادية الكثيرة الخطيرة.

من أهم ثمار إلمام الطلبة بتجارب الساسة والمفكرين، والتي كان محورها الرئيس هو المواطن وما يحمله من وعي وإدراك إيجابي، قام الطلبة، وهم يحاولون الإجابة على سؤال الهوية الحضارية، من نحن؟،  بالتركيز على مبدأ مواجهة المواطن مع نفسه، وذلك بعد تجريده مما علق بفكره وسلوكه من عيوب، منها ما هو خلقي النشأة؛ كحب الذات والعصبية والاعتداد المفرط بالنفس، ومنها ما تسلل إلى المواطن من البيئة الموبوءة من حوله جراء أفعال المتسلطين والمترفين.

قامت هذه الفئة بإعداد استبيان تأسست فكرته على استقصاء حالة الهوية الحضارية لكل مواطن شملته العينة، تلك العينة التي أعدت وفق منهج علمي إحصائي دقيق، وخلص هذا الاستبيان إلى معاناة كل هويات أفراد العينة من الأمراض الخطيرة التالية:

أولا مرض العوز الثقافي: برغم بعض التحسن في إزالة أمية الحرف اللغوي مفتاح القراءة والكتابة، إلا أن أمية الحرف الثقافي مفتاح قراءة مفردات الحياة الاجتماعية والسياسية لا زالت في مستوياتها المخيفة، مما يجعل من محاولة القيام بالخطوة الأولى على سلم التطور الحضاري الديمقراطي أمرا صعبا، إن لم يكن مستحيلا.

حالة أمية الحرف الثقافي هذه كانت مرمى سهام كل حاكم مستبد، فبدل أن يقوم حكامنا الظلمة السابقون بمحاربة حالة العوز الثقافي لدى رعاياهم ويستأصلونها، قاموا، وعلى العكس من ذلك، بتكريس هذه الحالة، وشنوا حروبا شعواء على كل من أحس في نفسه الشعور بالكرامة الثقافية صنوان الكرامة البشرية ولازمتها الأساسية.

ألم يقم المتحكِّم بنا سابقا، والمتحكَّم به حاليا، بإشعال حرب تجهيلية ضارية استهدفت كل من ظهرت عليه أعراض عدم قابلية مسخ الذات الفكرية، واعتبر وجود الكائنات البشرية الثقافية مؤشرا على قصر عمره كدكتاتور، فجعل من إنجازاته الكبرى تطهير البلاد من كل مثقف.

إننا، ونحن نحاول الإجابة على سؤال الهوية الحضارية، من نحن؟ لا يمكننا التقدم خطوة واحدة في طريق الإجابة على هذا السؤال المركزي المهم دون التأكد من سلامة العينة محل الفحص من عيب الأمية الثقافية.

المؤسف جدا أن نتيجة الخلو من هذا العيب كانت صادمة، إذ أن الغالبية الساحقة من عينة الدراسة كانت أمية ثقافيا وفكريا، وذلك كنتيجة منطقية لسنوات المسخ الثقافي الطويلة المرعبة.

حاجز الوقت أيضا صدم طلاب السنة أولى ديمقراطية، وأعلنت اللوحة الذكية نهاية الحصة، على أن يستأنف الدرس نفسه في الحصة الثانية عشر القادمة. إن شاء الله.
 
محمد الشيباني

ليست هناك تعليقات: