الثلاثاء، يناير 03، 2012

سنة أولى ديمقراطية"9"


سنة أولى ديمقراطية"9"

بدأ الدرس التاسع من دروس سنة أولى ديمقراطية في وقته، وقبل أن تظهر اللوحة الذكية عنوان الدرس وإشارة البدء فيه، نهض أحد الطلبة، سائلا المدرس:

ــ هناك من يقول يا أستاذ إن سؤال القذافي الشهير، "من أنتم؟"، لم يكن يقصد به الليبيين، ولكنه كان يقصد به من انحاز إلى الثوار الليبيين من دول وحكومات عربية وأجنبية. ولذا وجب التنويه والاستدراك.

ــ ليس في هذا ما يستوجب الاستدراك! فالمقصود من هذا السؤال الاستنكاري، كما يعلم الجميع، هو تهديد وتحقير القذافي لكل من يقف إلى جانب الليبيين في ثورتهم، وإن من يحقر الخصم غير المباشر البعيد ويهدده، فإنه يشمل بتحقيره وتهديده الخصم المباشر القريب، وهو الشعب الليبي. ثم إن القذافي عندما أراد تحقير الليبيين صراحة ومباشرة نزل بمستوى تحقيره هذا إلى مدى أبعد من هذا بكثير، وهو إطلاق اسم الجرذان على الليبيين الثوار. وأي تحقير واستخفاف يلحقه إنسان بأخيه الإنسان أكثر من تسميته جرذا يجب مطاردته وإبادته.


إن هذا السؤال، الصعقة، على أي محمل حملناه، يزداد قوة وأثرا في النفوس عندما نعلم أن القذافي قد وجهه لنا بعد أن استحوذ على المال الذي سرقه منا، وسيطر على السلاح الذي اشتراه على حساب قوتنا، وجند جنودا من بيننا للفتك بنا بعد أن غرر بهم، كما اشترى جنودا آخرين من وراء الحدود استجلبهم ليسكنوا مساكننا بعد قتلنا وتشريدنا.

إن هذا السؤال الصاعق الذي أفلح وبحق، وربما للمرة الأولى، في تعريفنا بمدى هواننا في نظر خصمنا، كان سؤالا بقدر ما طفح به من نظرة سلبية مؤلمة، فإنه فاض بشحنة إيجابية صاعقة، أفلحت في انتشالنا من غيبوبة بلغ عمقها الحضاري قمة التخلف، كما بلغ عمقها الزمني السنين الأربعين، ولتكون نتيجة كل ذلك انطلاق طاقاتنا الخامدة وتحقيق الانجاز المعجزة، ألا وهو الانتصار على طاغية يملك كل شيء، ولا يأبه لأي شيء.

كان التفجير إيجابيا وكبيرا جدا، وذلك لأنه كان بفعل صعقة سلبية كبيرة جدا، ربما اختزلت كل ما لدينا من مظاهر السلبية واللامبالاة والتسيب والخنوع والخضوع، بل وحتى تمجيد وتقديس حاكم جاهل مستبد أرعن قاتل ظالم.


وعودة إلى السؤال موضوع الدرس: من نحن؟

الإجابات الإيجابية المباشرة على هذا السؤال كثيرة وكثيرة جدا، يبدأ أولها من هناك، من عند الملك شيشنق وإنجازاته المعقولة وغير المعقولة، وقد لا تنتهي هذه الإجابات المتبجحة عند آخر ملك، وهو ملك ملوك إفريقيا، وصانع الجماهيرية العظمى الأولى في تاريخ البشر.

وعندما نقبل بهذه الإجابات يتحتم أن نعترف بأننا نتحمل مجتمعين المسئولية كاملة عن كل ما فعله بنا الطواغيت أيا كانت أسماؤهم، وذلك لأنه لا يمكن لنا أن نجيب عن السؤال:"من نحن؟" دون القبول بتعرية أنفسنا ومكاشفتها، وإحداث الصدمة السلبية جدا المؤهلة لإحداث الفعل الإيجابي جدا. وليس هناك من سلبية ووصمة عار لحقت بنا أكبر وأشنع من موتنا أربعين عاما في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، وفي زمن اشتعلت فيه الأرض حضارة ورقيا وازدهارا.

مهاتير محمد بطل ماليزيا الأول في مباريات النهضة الماليزية، وباعث دولة ماليزيا من سباتها الطويل، استخدم أول ما استخدم من فنون ألعابه المبتكرة التي حازت بها ماليزيا كأس النمور الأسيوية، فن الصعقة السلبية جدا الذي أشرنا إليه.


في أول مشاركة لهذا البطل الفنان في مباريات التأهل الحضاري لدولة ماليزيا، قام هذا اللاعب المغمور، قبل أن يمن عليه الله بالظهور، بتأليف كتاب قام بشحنه بكم هائل من الشحنات السلبية التي قام برصدها وتجميعها من الجسم الماليزي المتداعي، ومن تم توجيهها، وبتركيز قوي، على مركز الشعور والإحساس في هذا الجسم الماليزي المتخدر.

كانت أهم تلك الشحنات السلبية الصاعقة التي وجهها مهاتير محمد إلى الأمة المالوية التي ينتمي إليها، والتي تشكل غالبية سكان ماليزيا، هي وصف هذه الأمة بأنها أمة كسولة!

انطلقت هذه الشحنة السالبة الصادمة وأحدثت أثرها، والذي ظهر أول ما ظهر سالبا محبطا، حيث هوجم مهاتير محمد، وصودر كتابه الذي ضمنه تشخيصه الصادم هذا، ثم تبع هذه الحالة سكون لبعض الوقت، ولكنه كان السكون الذي يسبق العاصفة.

فجأة عرف الشعب الماليزي علته، والتي أهداها إليه ابنه الصادق البار واللاعب الحضاري المتميز الفنان مهاتير محمد. وصديقك كما يقولون هو من يهدي إليك معرفة عيوبك.


وبمجرد كشف العلة والاعتراف بها والاتفاق على حصارها ومقاومتها، انطلق المارد الماليزي الجبار، وحقق في عقدين من الزمان ما يوصف بأنه معجزة حضارية نادرة الحدوث.

وما دام الحسن، كما يقال، يظهر حسنه الضد، فإننا سنعرف حسن هذا الرجل الباهر، إذا قارناه بضده السيء جدا؛ معمر القذافي.

هل أحسَّ أيٌّ من الليبيين، وخلال العقود الأربعة، أن معمر القذافي، وهو اللاعب الوحيد في الحلبة الليبية الحضارية الضيقة جدا، قد حاول يوما أن يأخذ بأيد الليبيين اللينة المطواعة، فيعرفهم بعيوبهم، وما أكثرها، ويصف لهم علاج أمراضهم، وما أخطرها، ثم يتطوع ويشرف على برنامج العلاج بنفسه.

حسنٌ. لقد فعل القذافي ما فعل مهاتير، وألف ليس كتابا واحدا، بل كتبا، إلا أن أيا من هذه الكتب لم يكن كالكتاب الذي ألفه الطبيب الجراح مهاتير، والذي تحول القلم الذي سطر به هذا الكتاب إلى مبضع أزال به الجراح المبدع مهاتير محمد سرطان الانهزام والخدر الفكري والحضاري الذي سيطر على الشعب الماليزي على مدى العصور.

الكتاب الأخضر، بل كتب القذافي جميعها لم تحتو كلماتها التي تعد بالملايين على كلمة واحدة تنبض بصدق الناصح، أو إبداع الفنان ولا يشم قارئها فيها أية رائحة من روائح بلسم الإفاقة من غيبوبة التخلف التي انخرط فيها الليبيون العقود الطوال.

نشر القذافي كتابه الأول، حل المشكل الديمقراطي، بعد أن اطمأن إلى أن كل الكتب، غير هذا الكتاب قد أحرقت، وأن كل الآراء والأصوات الفكرية والسياسية قد خنقت، وذلك بفعل الثورة الثقافية التي أشعلها مكرسا بها استبداده ودكتاتوريته.    

كما نشر كتابه الثاني، حل المشكل الاقتصادي، في ظل حرائق وأدخنة المؤسسات الاقتصادية الناشئة التي قام بحرقها وتدميرها دونما سبب وجيه يذكر، والتي أحل محلها اقتصاد التنبلة والخضوع والتسول ومد اليد، وليتحول كل الليبيين إلى طابور شركاء بطالة مقنعة، وصرعى غيبوبة اقتصادية قاتلة.

وكذا فعل عند نشر كتابه الأخضر الثالث، وغيره من الكتب اللاحقة الأخرى، والتي كانت أظهر ما تفوح منها من روائح هي رائحة  دكتاتورية الرأي الواحد، وإقصاء الآخر.


إن الفعل الذي أحدثته كل كتب القذافي في أنفس الليبيين ولَّد نتيجة مناقضة ومعاكسة جدا للنتيجة التي أحدثها كتاب مهاتير محمد في أنفس الماليزيين. وهي نتيجة تؤكد نجاح مهاتير في رحلة الغوص في أعماق الوعي الماليزي، كما تؤكد فشل رحلة القذافي الذي يدعي عالميتها.

لماذا؟

وفجأة أعلنت اللوحة الذكية نهاية وقت الدرس، مرجئة تكملة الموضوع حول إجابة السؤال الخطير: من نحن؟ إلى الدرس القادم.

محمد الشيباني

ليست هناك تعليقات: