الثلاثاء، مارس 06، 2012

سنة أولى ديمقراطية"26"


سنة اولى ديمقراطية"26"
                  الفيدرالية تقنية إدارية، أم نزعة جهوية؟

مسامير القذافي في النعش الذي أمضى عمره يصنعه لليبيا كثيرة، ولعل أخطر هذه المسامير وأكثرها أذى هو دأبه على دق أسافين الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، متخذا في سبيل ذلك الكثير من الوسائل والحيل الخبيثة؛ فتارة رأيناه يقسم الليبيين إلى ثوريين ذوي حظوة ونفوذ لديه، وآخرين غير ثوريين غير ذوي نفوذ، بل ومحط شك واتهام. وتارة أخرى رأيناه يقسم الليبيين إلى عسكريين وضباط أحرار، لهم على الليبيين جميل القيام بالثورة، وآخرين مدنيين ليس لهم قدم سبق في صناعة الثورة. وتارة ثالثة رأيناه يميز الناس على شيء ليس لهم دخل فيه، وهو يوم ميلادهم، فيجعل من صادف تاريخ ميلاده يوم أول سبتمبر، متميزا على كل من ولد في الـ 364 يوما الأخرى من العام، وغير ذلك من أوسمة وصور التمييز المريب. أما رجال الخيمة وأصدقاء أبنائه فهم صفوة الصفوة!

انطلت هذه الحيلة المكشوفة على الكثير من الليبيين البسطاء، فاعتبر الكثير ممن أطلق عليهم القذافي اسم الثوريين إخوانهم الليبيين الآخرين ممن لم تظهر عليهم علامات الثورية خصوما لهم، كما نظر بعض العسكريين إلى المدنيين بشيء من الدونية، والحال نفسه بالنسبة للمواليد، وكذا من أطلق عليهم اسم الرفاق، أو أبناء الرفاق، وغيرهم. ولعله من المؤسف  حقا أن يفرح الكثير من هؤلاء المغرر بهم بالقليل من الفتات، ويرهنون أنفسهم لقاء شهادة تمييز لا تعدو أن تكون وصمة رق لحاكم ظالم مستبد.

الكثير من إخواننا في شرق البلاد وجنوبها، أو أولئك البعيدين عن طرابلس يعتقدون أنه لمجرد أن أقام القذافي معسكره وقلعة طغيانه في طرابلس، فإن طرابلس وأهل طرابلس أخذوا الجمل، وما حمل الجمل!

كاتب هذه السطور يسكن في طرابلس منذ الولادة، وأشد ما  نغص علي وعلى معظم سكان المدينة البسطاء أمثالي حياتهم، هو تواجد القذافي وعصابته في مركز هذه المدينة. ذلك أن الكثيرين من سكان طرابلس لا يرون في باب العزيزية سوى باب الذل وكابوس العمر.

المطالبون بالفيدرالية هذه الأيام وقعوا من حيث لا يعلمون في الفخ الذي نصبه القذافي، وانطلت عليهم حيلته حتى بعد أن تبين لهم سوء نيته، وتجلي حقيقة أن القذافي لم يكن يهمه أحدا سوى نفسه، وأن تعمده الإقامة في طرابلس وممارسة طغيانه وجبروته في قلبها، لم يكن سوى شكل من أشكال التنفيس على مراجل حقده على كل ما هو حضري ومتمدن، ولعل تلك  اللوحة العملاقة المنتصبة في مداخل مدينة طرابلس، والمكتوب عليها: انتصرت الخيمة على القصر، وحطمت عصا الراعي تاج الملك، أصدق ما يعبر عن علاقة القذافي بمدينة طرابلس وأهلها.

القذافي لم يحاب يوما أحدا لأنه من هذه المنطقة أو تلك، وإنما كان يحابي على قدر ما يستفيد. فالموالون للقذافي كانوا كما هو معروف من شرق البلاد وجنوبها وغربها، ولم تشفع حظوة هؤلاء لدى القذافي في تحسين أحوال جهاتهم، سواء كانوا من مدينة الطيب الصافي، طبرق الشاكية الباكية، أو تاجوراء مدينة موسى كوسا، التي لا يوجد فيها طريق واحد يصلح للسير الآمن، أو حتى مدينة البيضاء حيث الأصهار والأخوال.

أكثر ما يحتج به طلاب الفيدرالية هو معاناتهم خلال السنين الماضية من تعقيد إجراءاتهم، وشعورهم بأن سكان العاصمة طرابلس يرفلون في نعيم الإجراءات الإدارية السهلة، بسبب قربهم من المراكز الإدارية والأمنية وغيرها!

كلا!

فتعقيد الإجراءات الإدارية، كما يعلم الجميع، ليس بسبب بعد المكان أو قربه، وإنما بسبب جبل الهواجس والمحاذير وانعدام الثقة التي صنعتها الأجهزة الأمنية المحيطة بالدكتاتور.

أبرز مثال على ذلك قيام هذه الأجهزة في وقت ما بقصر الرحلات الدولية على مطار طرابلس، حيث يضطر المسافر من بنغازي إلى اليونان أو قبرص الذهاب إلى طرابلس غربا ثم العودة إلى الشرق، وليس هناك من سبب وراء هذا الفعل الهوج الأحمق سوى السبب الأمني.

وبناء على السبب الأمني نفسه، وفي مطار طرابلس وعند شباك الأمن الداخلي بهذا المطار الذي لا يبعد عن محل سكناي كثيرا، أقف ويقف كل مواطن ليبي بسيط، سواء كان من طرابلس أو طبرق أو سبها، مرتعد الفرائص، مضطرب القلب مخافة أن تُسِّر شاشة الكمبيوتر بما لا يَسُر. وعندها يكون الانتساب لطرابلس أو أحد ضواحيها قرينة قوية على الحكم الذي أصدرته الشاشة، وتصير الكيلو مترات القليلة الفاصلة بين محل سكناي والمطار أطول بكثير من المسافة بين طبرق وطرابلس!

وإذا أفلحت في تقصي شعور البعض، وتقييم ردة فعلهم تجاه ممارسات النظام الاستبدادي السابق، يكون البحث في أمر الفيدرالية متوقفا على ما تخلص إليه دراسة جدوى الفيدرالية، بعد مقارنتها بأنظمة إدارية أخرى، كنظام المحافظات المعمول به سابقا بعد تطويره وتنقيته من عيوبه وسلبياته.

إن الفيدرالية من حيث هي تقنية من تقنيات نظام الحكم، لا يمكن تطبيقها إلا من خلال دراسة جدوى يقوم بها ذوو الاختصاص، متخذين من العناصر الأساسية الواقعية للمشكلة أساسا لحساباتهم، مختارين من مجموعة البدائل التي تقترحها هذه الدراسة أحسنها وأوفقها، ولو عارض ذلك هوى نفس أو نزعة غريزة أو رواسب نفسية متراكمة.

وإذا صح أن المبرر القوي الذي يدفع به دعاة الفيدرالية هو مركزية الإدارة، فإن هذا المبرر وحده لا يصمد كثيرا أمام ما أنعم الله به علينا من نعمة تطور وسائل الاتصالات، وكذا ما يعرف بالحكومة الإلكترونية ، وغيرها من وسائل وتقنيات أصبحت في متناول الجميع.

ولعل أول ما يمكن طرحه من تساؤلات، ونحن نباشر عملية دراسة جدوى تطبيق النظام الفيدرالي في ليبيا، وقيامنا بمقارنته بالنظام الشعبي الفوضوي الذي كان سائدا، هو التساؤل المباشر البسيط عما إذا كان هناك نظام حكم وإدارة مطبقا في ليبيا فيما سبق أم لا. والجواب ببساطة: لا!

ليس من المنطقي أن نحمِّل نظام المحافظات، على سبيل المثال، والمطبق في معظم دول العالم، والذي تم تطبيقه عندنا في فترة ما بصورة مرضية، جريرة النظام الشعبي الفوضوي السابق المسكون بالهاجس الاستخباراتي!

وحتى إذا ما أثبتت دراسات الجدوى صلاح النظام الفيدرالي من الناحية الفنية، إلا أن التلويح باسم مدينة أو جهة أو التفكير في ترسيم حدود منطقة ما، ولو على سبيل التنظيم والإدارة، وخاصة في هذه الآونة حيث النعرة الجهوية في أوج عنفوانها، من شأنه أن يزيد النار اشتعالا والشعور القبلي تفاقما.

إن أقل ما يمكن أن يقال للداعين إلى تطبيق الفدرالية في هذه الأوقات الحساسة، هو أن هذه الدعوة ظهرت في وقت غير وقتها، وفي ظروف غير ظروفها، ومن الحكمة أن يكون لكل مقام مقال، كما يقولون.
Aa10zz100@yahoo.com                


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

السلام عليكم ..
أعتقد أن الحل السياسي لليبيا..يكون بنظام المحافظات مع إضافة بعض الإمتيازات عليـه ، و هي اعتماد ثلاث عواصم لليبيـا كالتالي :
- عاصمة سياسية
- عاصمة اقتصادية
- عاصمة ثقافية و تراثية

و هذا باعتقادي سيحل كلا المشكلات السياسية و خلافات السلطة في ليبيا .