السيد وزير المالية
السادة رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار وأعضاء مجلس أمنائها
تحية وبعد
هل
تعلمون أن:
"شركة الاستثمار المجدي، نزيلة المقر المُردي"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
خلال عهد وصاية
السفهاء، وطغيان المستبدين، قبلت عقولنا على مضض أصناف الحمق، وأضراب الجهل. بيد
أننا وبعدما دفعنا المقابل من دمائنا وأعمارنا ومقدراتنا لإفحام السفاهة وكسر قيود التسلط والاستبداد،
فإن القبول بسيطرة حمق الحمقى وسفاهة السفهاء، أمر لا يقبله عقلنا الذي تحرر من كل
قيد، ولا يخضع له فكرنا الذي عانق النور وحلق في سماء الحقيقة، كما لا تعايشه
وتستسيغه أنفسنا التي ذاقت حلاوة المنطق وعذوبة وسلاسة الجدوى.
بعد الانتصار على
الباطل ودحره، فإن أي مهادنة وقبول للباطل ومجاراته، لم تعد مجرد مكابدة اضطرارية
لواقع لا نستطيع دفعه، وإنما هو تواطؤ مع بعض فلول جيش الباطل المندحر، واتفاقات
جانبية رخيصة في أمكنة مظلمة من أجل
المساومة على مستقبل الوطن الذي استرخص
الرجال الأفذاذ أرواحهم من أجله!
هذه المقدمة، وإن كان
قد قدح زناد فكرتها ما يراه كل ذي عقل من تناقض فاضح بين الاسم اللامع الكبير لشركة
الاستثمار المجدي، الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية العالمية، وبين ما يلوح به مقر هذه الشركة العملاقة، نزيلة سجن بيداء "الهيرة" من تخلف وحمق وبؤس ،
حيث لا بيت ولا سوق ولا مصرف ولا دكان، بل ولا شبكة مجاري أو مصدر مياه بجوار هذا المشهد
البائس الشاهد على حماقة من حكمونا السنين الطوال، إلا أن هذا الأمر لا يقتصر على شركة الاستثمارات الخارجية وحدها، وإنما ينسحب على الكثير من الشركات والمؤسسات المنفية عن مكانها الأصلي.
إن الفاصل
التاريخي الكبير الذي أحدثته انتفاضة فبراير الشعبية بين عصر وصاية السفهاء المظلم
الطويل، وعصر الانعتاق والحرية والشفافية وتقرير المصير الذي دشناه، لا يمكن أن
يكون مجرد فاصل حرب ورعب قمنا خلاله بقتل أنفسنا وتقطيع أرحامنا وإهدار إمكانياتنا،
ثم لنجد أنفسنا بعد انجلاء غبار المعركة المكلفة وجها لوجه مع نسخة مطورة من السفاهة
والحمق وأصناف التسلط والاستبداد.
ثورة الليبيين على
الباطل ليست ثورة نخبة سياسية أو حركة عسكر انقلابية تنتهي بمجرد استلام قادة الانقلاب
مقاليد السلطة، وإنما هي يقظة فكر، وانتباهة نفس، وتحرر إرادة.
عندما قرر سفهاء
عصر التسلط نقل الشركات والمقرات الحكومية بعيدا عن مساقط رؤوسها وأمكنة ولادتها
الطبيعية المجدية، لم يكن لهم من مبرر حينئذ سوى إطاعة أوامر أعظم سفهاء العصر،
معمر القذافي، والذي، وكما هو معروف، يتلذذ بلي ذراع المنطق والأصول، ويستمتع
بمعاناة الناس وإرهاقهم.
أجل، ففي حلكة ليل الاستبداد، قبل حوالي عشرين عاما، تفتقت أفكار القائد
وأعوانه على ضرورة تغيير وبعثرة خريطة الإسكان الإداري لمعظم وزارات وشركات الدولة
الليبية ، وهو ما يضمن تفريغ الحواضر، وتطويعها أمنيا، من جهة، ومن جهة أخرى يجعل
الليبيين المساكين يركضون كالمجانين دونما هدف أو غاية، إلا غاية إشباع نزعة
السيطرة المرضية لدى الدكتاتور.
وكان للدكتاتور ما أراد!
فالوزارات التي يربطها بالعاصمة طرابلس أكثر من رباط تنقل إلى سرت!
القوات المسلحة جميعها تجلى إلى الجفرة!
شركة القرطاسية تتقرطس في صرمان!
شركة الأجهزة المنزلية تتزلزل وتزاح إلى زوارة!
الإدارة العامة لمصرف الجمهورية تصرف إلى غريان!
شركة الاستثمارات الخارجية تخرج إلى أعالي الجبال! وهلم جرا.
لو أن مجنونا فاقد عقل، تصور بطريقة أو بأخرى هذا العبث الدكتاتوري، لهزه
هذا المشهد الغريب المريع، ولصعقه ما
يفعله البهلوان الجماهيري بكيس فئرانه، حيث تلذذ ذلك المعتوه وعصابته بهز ذلك الكيس وما حواه من أناس مغلوبين على
أمرهم العقود الطوال بلا رحمة ولا شفقة.
شركة الاستثمارات الخارجية، الشركة المالية الاستثمارية الصرفة، ولدت
وترعرعت في قلب المدينة، طرابلس، حيث البيئة الطبيعية لهذه الشركة، وحيث المؤسسات
المالية وغير المالية، والتي لا يمكن للشركة أن تزاول عملها دون أن تطرق بابها
أكثر من مرة يوميا.
الآن، وبفعل سفاهة السفهاء، تبعد هذه الشركة ثمانين كيلو مترا عن مكان
إنشائها الأصلي المجدي، وهو ما يعني سفر موظفي الشركة، والذين معظمهم من ساكني
طرابلس ضعف هذه المسافة يوميا، وذلك وفقا لقانون عدم الجدوى الذي لا يزال يحكم
الشركة حتى بعد احتفالنا بمرور عام كامل على الثورة على منطق الحمقى وعقلية السفهاء!
ذات المشكلة بالنسبة لساكني غريان الذين يتوجب عليهم قطع ستين كيلو مترا متسلقين
جبل عال وهابطين منه، وذلك مع مشرق كل صباح!
السؤال الكبير جدا هو:
ما جدوى هذا الفعل العبثي السخيف!
سؤال لا بد أن يجيب عليه كل موظف بالشركة الليبية للاستثمارات الخارجية،
كما يجب أن يجيب عليه مجلس إدارة الشركة.
ونفس السؤال، ولكن بعلامة استفهام كبيرة، يجب أن تجيب عليه وزارة المالية
والمؤسسة الليبية للاستثمار المالكتين لشركة الاستثمارات الخارجية.
أجاب موظفو الشركة على هذا السؤال إجابة بليغة قوامها عريضة وقع عليها معظم
هؤلاء الموظفين، مطالبين فيها بإرجاع الشركة إلى مسقط رأسها ومكانها الطبيعي.
مجلس إدارة الشركة لم يجب على هذا السؤال بعد!
الكرة الآن في ملعب وزارة المالية والمؤسسة الليبية للاستثمار، والتي عليها
القيام بإعداد دراسة جدوى تواجد مقر شركة الاستثمارات الخارجية في بيداء الهيرة!
فهل يا ترى يقرأ
السيد وزير المالية ومدير المؤسسة الليبية للاستثمار، وكذا مجلس أمنائها، هذا
المقال، ويقومون على الفور باتخاذ القرار الصائب؟
لو لم يتم ذلك،
فما علينا إلا إقناع عقولنا وأعيننا وأسماعنا بالحقيقة المرة التي ملخصها أن
القذافي لم يمت، وأن الفاتح أبدا، وأن الحمق والسفاهة والجهل في كل مكان وزمان.
الله المستعان.
مقالات
ذات صلة:
وول ستريت الهيرة؛ عبث الكبراء ومعاناة الضعفاء
أو مأساة مقر الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية
في "الهيرة" انهرتُ وضاعَ رجائي
لمّا رأيتُ حماقةَ الكبراءِ
في أرضِ باديةٍ أقاموا مركزاً
للمالِ منتصباً بقلبِ خلاءِ
خلف الجبالِ الراسياتِ تمترسوا
وكأنهمْ نفروا إلى الهيجاءِ
لم تحوِ "هيرة" مصرفاً أو متجرا
أبداً وما فيها قليلُ بناءِ
ليس جواركِ "لافيكو" من منزلٍ
أو مؤنسٍ غير عواءَ جراءِ
يلقون من مرّوا السلام ترحما
وكأنك ثاوٍ من الغرباءِ
فمقركِ المطروح وسْط مفازةٍ
جُرمٌ تسلل من سحيقِ فضاءِ
*****************
في كل يومٍ رحلةٌ محفوفةٌ
بالكربِ والأهوالِ والأرزاءِ
عشراتُ أميالٍ تحتَّمَ قطعها
في صبحنا ومثيلها بمساءِ
وهناكَ تقذفنا مراكبُ شحننا
فنخرُّ مِن رهَقٍ ومن إعياءِ
البومُ يرقبُ حالنا مستهجناً
ويضجُّ مستاءً من الغرباءِ
وتراهُ محتاراً لطولِ مقامنا
بمفازةٍ مقطوعةٍ جرداءِ
******************
مَنْ ذاك يقنعنا بجدوى رحلةٍ
يوميةٍ مُلئتْ صنوفَ عناءِ
وضياع أموالٍ بدون مبرِّرٍ
وبهدر أوقات ونزف دماءِ
لم يبق عذرٌ واحدٌ يضطرنا
للسير عُميا في قطيع الشاء
فالحاكمُ المأفونُ أضحى رمةً
ونظامه الباغي مضى لفناءِ
ما عاد للطغيانِ قائمَ دولةٍ
ما عاد للسفهاءِ أيُّ بقاءِ
****************
لابد من كسر القيود جميعها
وجلاءِ ما للعقل من آراءِ
ما كان أردانا سوى استمرائنا
سفه العقيد سيد السفهاء
لمّا هدمنا للطغاةِ صروحهم
ظهر الذي أخفوه دون مراءِ
لمّا كشفناهم بدتْ عوراتهم
وفظيع ما أخفوه من ضرّاءِ
**************
هل كان تحويل المقر لأجل أنْ
تغدو به غريانُ نبعَ رخاءِ
أو أنَّ تحويلَ المقرِّ أحالها
بيداءُ هيرة جنةً للرائي
كلا فتحويلُ المقرِّ سياسةٌ
أمنية الغايات والأهواءِ
فزعيمنا البالي عدوُّ تحضُّرٍ
ويرى الحواضرَ رحمَ كلِّ بلاءِ
كم عانى سكان الحواضرِ كلهم
من وطأةِ التهميشِ والإقصاءِ
وعدِّ أنفاسٍ لهم وتتبعٍ
وكأنهم بعضٌ من الأعداءِ
***************
مَنْ ذاك يسعفني بأيِّ مبرِّرٍ
لعذابنا في مشرقٍ ومساءِ
أو ذاكَ يُقنعني بعقمِ قرارهم
ببناءِ بيتِ المال في البيداءِ
اليومَ أكتبُ بالحروفِ جميعها
قد زال عصرُ الحجر والإقصاءِ
اليومَ نكشفُ للطبيبِ جراحنا
ما عادَ ينفعنا جحودُ الداءِ
*********
يا أيها المسئول عن مأساتنا
عن ضُرِّنا ومسلسلِ الإشقاءِ
لا تمضِ أكثر في طريقٍ بائسٍ
وتكرِّر الماضي من الأخطاءِ
فيمَ التلكُّؤ في اغتنامِ فضيلةٍ
تلقى بها أجراً وحسنَ ثناءِ
هوِّنْ علينا للطريقِ مشقةً
وانجزْ وعوداً لم تفزْ بوفاءِ
********
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق