تحويل البارود إلى ورود. هذا هو العمل الذي نريد!
برغم تحول الدكتاتور السابق من رتبة ملازم إلى رتبة ملك الملوك، وبرغم طول عيشه في أجواء مخملية غاية في النعومة والبذخ، أصر حاكمنا السابق، القذافي، على أن يجعل من رائحة البارود المرعبة، وأصوات الرصاص المخيفة، طبقا يوميا للشعب الليبي، على صوته يمسي وعلى رائحته يصبح.
أطلق الملازم الدكتاتور وأعوانه على أطباق البارود والرصاص التي أكرهونا على تناولها العقود الطوال أسماء دعائية ترويجية كثيرة، من مثل التدريب العسكري، والتربية العسكرية، والشعب المسلح، والأمن الشعبي، وغيرها من تسميات لم تفلح جميعها في إزالة رائحة البارود المقززة، وصوت الرصاص المزعج.
أطفال، من الذكور والإناث، وفي عمر الزهور، أجبروا على ارتداء الزي العسكري، وتجرع ما يتقيؤه العساكر الجهلة الأجلاف الذين احتلوا المدارس الثانوية وما دونها، وأجبروا طلابها ومدرسيها على الانصياع لما يسمونه زورا بالتربية العسكرية.
رائحة البارود
والرصاص تلك بعد أن صبغت حياتنا بالداخل، حملها دبلوماسيو الدكتاتور الجلف في
حقائبهم الدبلوماسية ذات الحصانة غير القابلة للتفتيش إلى مقار السفارات بالخارج،
وجعلوا من تلك السفارات ثكنات عسكرية تأتمر بأمر الملازم الدكتاتور.
في ضحى يوم من أيام الربيع اللندني المزهر الفواح، انطلق أمر الدكتاتور العسكري من داخل حصون باب العزيزية إلى أعوانه، أعضاء مكتب الاتصال باللجان الثورية المتواجدين بالسفارة الليبية بلندن، آمرا إياهم بتفريغ مخزونهم من الرصاص في وجوه وبطون أناس متحضرين يلوحون بآخر وأحدث ما توصل إليه العالم المتحضر في طريقة ونظام حكم الدول، الديمقراطية!
"إيفون فلتشر"، الشرطية البريطانية الشابة التي أوكل إليها حماية المتظاهرين السلميين، وحراسة مظاهرة قانونية يحمل أفرادها رسائل من ورق، ويبعثون بخطابات من كلمات، فهمت بعضها، وتعسر عليها فهم بعضها الآخر، وذلك لكتابتها بغير لغتها، إلا أن هذه الشرطية البريئة كانت على ثقة كاملة بأن كل تلك الرسائل المكتوبة والمنطوقة لا يمكن إلا أن تواجه برسائل مماثلة لها من حروف وألفاظ.
"”unpredictable
كنت في ذلك الوقت في بريطانيا أتابع عبر التلفزيون البريطاني ذلك الحدث الجلل، والذي عنوانه: متظاهرون ليبيون من أجل الديمقراطية، يمطرون برصاص من داخل سفارة بلادهم، سفارة الجماهيرية، وكانت هذه الكلمة "”unpredictable من أكثر الكلمات التي ترددت على ألسنة المذيعين والمعلقين، وكذا ألسنة الساسة والمسئولين، وهم يصفون الحادثة غير المتوقعة، وغير المعقولة!
وقعت الشرطية المسكينة على الإسفلت، وأخذت تتلوى تلوي الموت، والدنيا كلها تنظر وتسمع هذا الحدث المرعب الرهيب!
لو تحرك العالم آنئذ، وقام بتأديب ذلك الملازم الجلف، لما بقي هذا الدكتاتور على سدة الحكم أزيد من ربع قرن بعد ارتكابه حدثا أجمعت الدنيا كلها على إدانته.
كان من المفروض خلع صفة الدبلوماسية على فرقة القتل التي كانت متواجدة بالسفارة الليبية، وتقديمها للمحاكمة.
لم يفعل العالم شيئا من ذلك، ودجن الدكتاتور، ليفعل بعد هذا الحادث من أفعال القتل والتدمير ما فعل، وآخر فعلاته الإجرامية البشعة إشعال حرب شاملة ضد الليبيين جميعا، وقتل عشرات الألوف منهم.
عندما يضع رئيس حكومتنا إكليل ورد على النصب التذكاري للشرطية المغدورة، إنما يذكر العالم بخطئه في إمهال القتلة والمجرمين، كما يرسل رسالة بتوقيع الشعب الليبي الذي اختطفه القرصان القذافي على مرأى ومسمع الدنيا السنين الطوال، يعبر فيها هذا الشعب الطيب عن أسفه لمقتل الشرطية البريئة، والتي لم يقم بقتلها الليبيون، وإنما قتلها من دأب على قتل الليبيين، وغير الليبيين.
وعندما يحول رئيس حكومتنا الرصاص إلى ورد، فإنه بذلك يقوم بعمل يجدر على الليبيين جميعا ممن لا يزالون يحملون السلاح بعيدا عن سيطرة الدولة بعمل مثله، والمسارعة إلى تحويل الرصاص الذي أرعبنا إلى ورد يدخل على أنفسنا السرور.
أشكر لرئيس الحكومة حسن صنيعه.
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق