الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية
هل هي بحاجة إلى نظام إدارة رشيد، أم هي بحاجة إلى مجرد
مدير جديد؟!
الشركة الليبية
للاستثمارات الخارجية أحد الأذرع الاقتصادية الاستثمارية للدولة الليبية، وقد نبتت
هذه الشركة كغيرها من أجسام وأجهزة النظام الشمولي السابق في تربة ظاهرها الخصوبة
والنماء والإثمار، وباطنها يسكنه الجذب، وتملؤه العلل والآفات.
نشأت هذه الشركة
في بداية الثمانينات، وما أدراك ما بداية الثمانينات، تلك الفترة التي تحول فيها
القذافي من الحالة الشيزوفرينية الصفراء إلى درجتها المتطورة جدا؛ الشيزوفرينيا
الحمراء!
خلال السبعينات،
وربما قبلها، قامت إدارة التعاون الدولي بالخارجية الليبية بإنشاء بعض الشركات
المشتركة مع بعض دول العالم، وبمنظور رمزي سياسي؛ وهو نهج تقليدي تعانقت فيه
السياسة والاقتصاد عناقا خجولا بروتوكوليا، حيث بدا فيه الذراع الاقتصادي رغم قساوته
وتصلبه وهو يلتف على خصر جسم السياسة الملتوية الماكرة في منتهى الليونة والأناقة
والرشاقة، وذلك حتى يقوم هذا الذراع في المكان المناسب والساعة المناسبة بوضع اللمسات الذكية على
الوجه الدبلوماسي للدولة الحصيفة الراشدة عند توتره أو تعكره.
أين دولة النظام السابق
من الرشد والحصافة والذكاء، فمنذ أن استقر لقائد عصر الجماهير الأمر في بداية عقد الثمانينيات،
وتمكن من تدجين الليبيين بواسطة سلاسل السلطة الشعبية، وأدخلهم إلى الحظيرة
الجماهيرية ذات الأسوار الفولاذية، واطمأن على تصفية مفكريهم ونخبهم، وإفقار
أغنيائهم وتشريدهم، حتى عمد إلى مقدرات الدولة الليبية التي بدت له بدون شعب، وأخذ
يبني بهذه المقدرات أبراجه العاجية البعيدة كل البعد عما يطمح إليه شعب ليبيا ويتمناه.
أحد أهم ملامح تلك الدولة الجماهيرية الفوضوية هو ذلك التداخل والخلط المريع بين الأشياء، وهو
تداخل أفضي إلى متاهة لا يمكن لمن سار فيها معرفة هدفه أو مكانه أو اتجاهه أو حتى قدرته على العودة من حيث أتى!
وعلى هذا الأساس المضطرب
المتناقض المختل تأسست شركة الاستثمارات الخارجية، وذلك في بواكير عقد الثمانينات،
لتقوم بالاستثمار الخارجي الاقتصادي السياسي المختلط، وبفلسفة جماهيرية فوضوية من بنات
أفكار الملازم القائد، ولتدار بعد هذا كله بواسطة خريجي المدرجات الخضراء ومكاتب التأهيل
الثوري التابعة لمكتب الاتصال باللجان الثورية، وغير ذلك من جهات يصعب حصرها.
وفي نفس الوقت
الذي تحرك فيه جيش المستثمرين الجماهيريين في بداية عقد الثمانينات ليجوب العالم، كان
جيش الدبلوماسيين الجماهيريين هو الآخر بكوادره المتخرجة من نفس الصروح الجماهيرية،
يجوب الدنيا، مبشرا بفلسفة دبلوماسية جديدة جدا أبدعتها النظرية العالمية الثالثة!
في هذه الشركة،
شركة الاستثمارات الخارجية، التي تزوج فيها الاقتصاد السياسة جوازا غير شرعي، ووفقا
لسنة التوالد والتكاثر، شرع الاستثمار الخارجي السياسي الاقتصادي المسخ في قذف
مخلوقات ممسوخة، لا يمكن لعاقل أن يتبين رأسها من أقدامها.
الذي يؤيد هذه
الحالة المسخ التي عاشتها الشركة خلال الحقبة القذافية، أنه ما من مدير أوكلت إليه
إدارة هذه الشركة إلا وكان له وجهان؛ وجه يدعي الجدوى ويتكلف في إبرازها، وهو وجه يستعمله
فقط خارج الشركة عند الضرورة الدعائية، أو يظهر به أمام موظفي الشركة، من ماليين
ومهندسين؛ ثم فجأة ترى هذا المدير يخلع وجهه الأول ويستبدله بنقيضه، وجه اللاجدوى، وهو الوجه الذي يرتديه وهو يستلم الأوامر من مدير مكتب القائد، أو من أحد أبنائه، وربما منه شخصيا.
هذه الحالة من
التناقض الفاضح بين المعلن والمطبق، والمخفي والمعلن، يلخصها موقف أشهد عليه أنا
شخصيا. ذلك أن أحد الموظفين بهذه الشركة أخبرني بأن أحد مدراء هذه الشركة البارزين
المزمنين كان يطلب منه صراحة القيام بتنفيذ عكس ما يأمره به، وهي لغة سرعان ما
تعلمها ذلك الموظف وبرع فيها، فنال بذلك حظوة المدير وفاز بثقته.
كيف يمكن لشركة مسخ،
يرأسها مدير مسخ، وحوله بطانة من أشباه ذلك الموظف أن تتهجى الحرف الأول من
أبجديات الجدوى، وتقيم عليها مشاريعها!
معظم الشركات التي
ساهمت فيها الشركة، وربما جميعها، لم يثبت لنا سجل حياتها بأنها مرت بالمراحل
الطبيعية المعروفة لنشأة الشركات، والتي تبدأ بالفكرة الإبداعية لحس المستثمر
الرشيد، ثم تقود هذه الفكرة الإبداعية فريق المخططين والمحللين إلى أماكن الاستثمار
الواعد، وهي أماكن لم تكن يوما سرا ولا حكرا على أحد. وعندما يتأكد أهل الذكر
والعلم والاختصاص بصلاح تلك الفكرة للتطبيق، ويتيقنون من توفر الجدوى للمشروع
المنشود، عندها فقط يتخذ المدير قرار الاستثمار، ودونما أي حاجة للمرور على مكتب
معلومات بو منيار!
الأوامر الصادرة
من مكتب معلومات بو منيار بإنشاء شركة أو مشروع ما، هي وحدها الفكرة الاستثمارية
الإبداعية، وهي وحدها دراسة الجدوى، وهي وحدها المحددة لنقطة تعادل المشروع، ومعدل
عائده الداخلي، وفترة استرداده، وكل مؤشرات ربحيته.
إذا خلا مشروع ما
من توقيعات خبراء المكتب المذكور، فليس أمامه إلا مخزن الأرشيف القابع تحت الأرض ليغرقه
العنكبوت بلعابه، ويطرح عليه الغبار كفنه الأسود.
من الطرائف المضحكة
المبكية، والتي هي في ذات الوقت من العلامات التي كان يعرف بها الموظفون العاديون بالشركة
المشروع المحكوم عليه بالموت، هو قيام المدير بتكليف هؤلاء الموظفين بإعداد دراسة
جدوى إقامة هذا المشروع، وهي الدراسة التي عند اكتمالها، تكون بمثابة شهادة الوفاة
لذلك المشروع المسكين، ولو كانت هذه الدراسة مكللة بأطواق الأرقام الوردية، ومجللة
بأكاليل النتائج المالية الواعدة السخية.
ويبلغ التوتر
الدرامي حده والمهزلة مداها، وذلك عندما يأمر المدير، من حين لآخر، فريق المحللين
الماليين والفنيين بإجراء دراسة جدوى إنشاء مشاريع قائمة بالفعل، وشركات شغالة، وهو
ما يزيد في إرباك الحالة العقلية والنفسية للموظفين ويرهقهم.
حالة الحول الحادة
التي كانت تعاني منها الشركة في إنشاء شركاتها وإدارتها، زادها استفحالا غياب
الدور الرقابي لديوان المحاسبة، والذي تم مسخ خلقته هو الآخر مع بداية حقبة
الثمانينات السوداء، ولينضم هو أيضا إلى طابور معاول هدم الوطن وتضييعه.
الذي يؤكد وبوضوح الحول
الشنيع الذي كانت عليه الشركة ومن يديرها، هو ذلك الإجراء المضحك المبكي، والذي
بموجبه تم قذف مقر الشركة، وفي أيام معدودة، من مكان بيئتها الطبيعية التي ولدت وترعرعت
فيها، مدينة طرابلس، حيث توجد المصارف والمؤسسات والسفارات وغيرها، إلى ذروة جبل
غريان، ثم لتتدحرج بعد بضع سنوات من فوق ذلك الجبل، حيث استقر بها المقام بين
جنبات قبر تكلف بناؤه الملايين في رمال بيداء الهيرة الحارقة، حيث لا زالت الشركة
هناك، تندب حظها وحظ موظفيها البسطاء العاثر، وتلعن كل من ساهم في هذه التراجيديا والعمل
العبثي المذل، والذي بموجبه يجبر كل الموظفين المقهورين القيام بماراثون جماعي
صباحي بطول ثمانين كيلو مترا، يتبعه، وفي نفس اليوم، ماراثون العودة المسائي
المساوي له، وذلك بعدد أيام العام الطويلة، وبعدد سنوات العمر!
في هذا الوسط غير
الصحي بامتياز، وجد الفساد تربته الخصبة المثالية، وفي هذه التربة الفاسدة تجذرت المحسوبية
والشللية في أوضح صورها، فلا يمكن لك أن ترى شركة من الشركات التي تملكها الشركة
الأم، وهي ذات مركز مالي جيد، إلا وعلى رأسها أحد أصحاب المدير الكبير!
وصل حال الفرز الشللي
قيام مدير مزمن للشركة بطرد أكثر من خمسين موظفا منها في مرة واحدة، بحجة التقليص
الوظيفي المجدي، إلا أنه وقبل مضي عام على تاريخ قرار الطرد هذا، قام المدير الثوري
المتنفذ نفسه بتوظيف مثل ما سرح من موظفين مساكين، وربما أكثر!
لابد والحال هذه
أن تكون الخريطة الشللية في منتهى الوضوح، وهي خريطة يبرز فيها بجلاء أشخاص وأسماء
يتربعون السنوات الطوال على الشركات الحلوب التي تملكها الشركة في المغرب ومصر
ومالطا وبريطانيا وتونس وغيرها، والتي يتجاوز دخل المدير فيها أضعاف دخل نظيره في
شركة أخرى، كما ترى هؤلاء المدراء المفاتيح يتبادلون المواقع اللامعة والكراسي
الباذخة في هذه الشركات التي يحرم على الموظف الغلبان مجرد التحدث إلى نفسه بها! وإلى حد الآن لا
زالت آثار أصابع الشللية واضحة في خريطة شغل الوظائف المرموقة بالشركة الأم
وشركاتها التابعة.
ليت الفرز كان مجرد
فرز شللي اجتماعي أو قبلي فقط، ولكنه، ويا للمصيبة، كان فرزا سياسيا استقصائيا
مقيتا. فبعدما يتجاوز
الموظف العادي البسيط منخل الشللية في شكله الاجتماعي القبلي، يتحتم عليه لتولي
وظيفة ما المرور من منخل الأمن والسياسة، وهو المنخل الأشد مقتا، حيث يتوجب على كل
مرشح لأية وظيفة مهما حقر شأنها الذهاب إلى إدارة المعلومات بجهاز الأمن الداخلي،
وإحضار شهادة البراءة السياسية، والتي يستحيل على من به شائبة من عدم ولاء، أو
شبهة من عدم تأييد ورضا الحصول عليها، ولو نفذ من أقطار السماء.
أعرف شخصا من
الموظفين العاديين بالشركة، تم حرمانه من العمل بالخارج بعدما رشحته إدارة الشركة لوظيفة
بسيطة بإحدى شركاتها، وذلك لعدم تمكنه من الحصول على شهادة البراءة السياسية
وإثبات الولاء، فبقي المسكين كالجمل الأجرب داخل الشركة التي يتعيش منها، فلا هو
من أصحاب الشللية القبلية، فيستظل بجناحها، ولا هو من المجازين أمنيا وثوريا. ولك
أن تتصور حال شخص كهذا، يراه مديره الثوري جدا من خارج شلته الاجتماعية والسياسية، وزيادة على ذلك يراه ملوثا بشبهة عدم الولاء للثورة وقائدها، وهو ما لا يغتفر البتة، حتى كاد هذا الحال أن يؤدي إلى فصل الموظف المذكور من الشركة لولا لطف الله به، وربما ليكون
شاهدا ومعينا على كتابة هذه السطور.
...........................................................
أعان الله هذا
المدير الجديد، وذلك لأنه المدير رقم تسعة في سلسلة مدراء الشركة، والمدير الأول في
سلسلة مدراء الشركة ما بعد الثورة.
أعان الله هذا
المدير الجديد لأنه سيتعامل مع إرث ثمانية مدراء كلهم تسمَّر في المكان الذي وضعه النظام
السابق فيه، دونما أن يفعل ما من شأنه أن يزحزح، ولو قليلا، جبل الأخطاء والمساوئ
الذي تراكم حول هيكل الشركة. ذلك أنني شخصيا لم أسمع بأن أي من أولئك المدراء
السابقين، أظهر، ولو بعض التململ من الحال الذي عليه الشركة، ولو كان هذا التململ
في مداه الضيق والبسيط جدا، وهو محاولة تغيير المقر، وإيقاف الماراثون العبثي
اليومي، لما يزيد على المائة من الموظفين المساكين.
أعان الله هذا
المدير الجديد، وذلك لأنه سيدشن مرحلة جديدة من حياة الشركة، تتناقض جذريا مع
مرحلتها السابقة، وهو ما يحتم عليه القيام بإجراء جراحات خطيرة في جسم الشركة
المعنوي والمادي.
الجراحات الخطيرة
في الجسم المعنوي للشركة قد تصل إلى مفاصل مهمة في قانون تأسيسها، وسياسات
الاستثمار التي تطبقها، وحتى سياسات التوظيف والاستخدام، وغيرها من أماكن ضيقة
وحساسة وحرجة وخطيرة.
أما مشاكل الجراحة
المادية المتعين مواجهتها، فسوف تبرز بمجرد التلويح بمشرط تغيير المقر، أو إحداث
تعديلات في الهيكل التنظيمي للشركة، أو حتى بإعارة موظفين للعمل بالخارج، وإرجاع
غيرهم.
يجدر بالمدير
الجديد إزالة أورام التسيب الوظيفي التي تنخر جسم الشركة، والذي يعود في معظمه إلى
التواجد غير المنطقي في المقر غير المنطقي للشركة، وما تركه ذلك في نفوس الموظفين من
أثر فسيولوجي وسيكولوجي سلبي فائق الخطورة.
سياسات التعيين
والتوظيف السابقة الظالمة التي كانت تسير عليها الشركة، وخاصة منها ما تعلق بالعمل في الخارج، وكذا ما تعلق منها بالتعيين
في مجالس إدارات الشركات المملوكة، ترتب عليها جميعها حالة من عدم الرضا والشعور
بالغبن لدى الكثير من الموظفين، وهو ما ساهم في تدني مستوى العلاقات الإنسانية
بالشركة إلى درجة حرجة جدا.
المدير التاسع
الحالي، يختلف عن المدراء الذين سبقوه، حيث لا يجوز له أن يتعذر بوجود قوة جائرة قاهرة
تسيطر على قراراته، وتجبره على تنفيذ أوامر طائشة من هنا وهناك، كما كان يلوح بذلك
المدراء السابقون، وذلك من أجل تبرير الأخطاء الكثيرة التي كانوا هم أدواتها.
المدير الجديد لن
تفزعه مكالمة أو مقابلة يكون الطرف الآخر فيها حاكم دكتاتور، كالقذافي، والذي كان
مخاطبه ينهض مرتعدا من على كرسيه، رغم أن بينهما جبال وبحار.
المدير الحالي
يستطيع أن يحرك خط المهايا والحوافز المادية للعاملين بالداخل كيفما يريد، وهو
إجراء من شأنه أن يخفف حدة التكالب على العمل بالخارج، كما أن هذا الإجراء سوف
يعمل على إقناع الموظف قبل أن يجبره على أداء المطلوب منه، وذلك وفق اشتراطات
الوظيفة التي يشغلها، وفي مقابل المهية المجزية التي يتقاضاها.
نأمل ألا يكون
العمل بالخارج، كما كان سابقا جزرة وعصا في يد المدير الشللي، بل سوف يكون مجالا
للتنافس بين موظفي الشركة على إبراز مواهبهم، وفرصة على مراكمة خبراتهم وتجاربهم،
دونما أي تأثير للحافز المادي اللعين، والذي يمكن أن نعزى إليه معظم ما عليه حال
الشركة وحال موظفيها من تدهور وضياع.
من مثبطات هرمون
التكالب على العمل بالخارج القيام باستحداث ضوابط جادة يتضمنها عقد العمل بالخارج، بحيث تجعل الموقع على عقد العمل بالخارج، يفكر أكثر من مرة قبل
قيامه بالتوقيع، وذلك عوض أن يتنازل عن كرامته من أجل أن يرضى عليه المدير ويوفده
في رحلة استجمامية تسمينية مذلة.
يجدر بالمدير
الجديد أن يحكم الرقابة المالية والإدارية على أصول الشركة بالداخل والخارج، كما لا
يجدر به أن يترك هذه المهمة الخطيرة لتلك الهياكل القديمة المهترئة لمجالس الإدارة
الارتزاقية، والتي لا يزيد دور العضو في الكثير منها على كونه دور بروتوكولي، يقوم
صاحبه خلاله بالتوقيع على بعض الأوراق، والتي، وفي أحيان كثيرة، يتركها في غرفة
الفندق الذي نزل به، أو في جيب كرسي مقعد الطائرة التي أقلته. بيد أن عضو مجلس
الإدارة النبيه هذا لم يصادف ذات مرة أن نسي المكافأة المالية لهذه العضوية الهبرة!
مع تطور وسائل
الاتصالات، وتقنيات برامج الكومبيوتر، أضحى من السهل تصميم برامج رقابة محاسبية
فاعلة تمكن المالك من وضع عينه على كل ما يدور بالشركة التي يملكها، ولو فصلت
بينها وبينه الصحاري والبحار.
يجدر بالمدير
الجديد، وهو الشاب، أن ينظر بعين الشباب إلى جسم الشركة المترهل، ووجهها المتجعد،
فيزيل ما ترهل من أجزائه، ويضع بلاسم التصحيح والعلاج المالي والإداري على المواطن
المعتلة من جسم الشركة التي ناهز عمرها الثلاثين عاما.
المدير الجديد
بيننا وبينه الله، ثم المسطرة والحاسبة، واللتان عليه أن يجعلهما أمامه قبل أن يقوم
بالتوقيع على أي قرار، أو يتخذ أي إجراء.
نستودع المدير
الجديد ما يختلج في صدورنا من عشم، وما يداعب أنفسنا من رجاء، في أن يكون ابنا
شرعيا لثورة الشعب الليبي على الظلم والفساد والمحسوبية والقبلية، كما نأمل منه أن
يجعل من الجدوى شعارا، ومن القانون سيفا، ومن النزاهة درعا.
أعانك الله أيها
المدير رقم تسعة وفق التسلسل البائد، ورقم واحد وفق التسلسل الجديد الحديث الواعد .
آمين.
وول ستريت الهيرة؛ عبث الكبراء ومعاناة الضعفاء
أو مأساة مقر الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية
في "الهيرة" انهرتُ وضاعَ رجائي
لمّا رأيتُ حماقةَ الكبراءِ
في أرضِ باديةٍ أقاموا مركزاً
للمالِ منقطعاً بجوف خلاءِ
خلف الجبالِ الراسياتِ تمترسوا
وكأنهمْ نفروا إلى الهيجاءِ
لم تحوِ "هيرة" مصرفاً أو متجرا
أو مصنعا أو معلما لبناءِ
ليس جواركِ "لافيكو" من صاحب
أو مؤنسٍ غير عواء جِراءِ
يلقون من مرّوا السلام ترحما
لذلك الثاوي من الغرباءِ
فمقركِ المنبوذ وسْط مفازةٍ
جُرمٌ تسلل من سحيقِ فضاءِ
*****************
في كل يومٍ رحلةٌ محفوفةٌ
بالكربِ والأهوالِ والأرزاءِ
عشراتُ أميالٍ تحتَّمَ قطعها
في صبحنا ومثيلها بمساءِ
وهناكَ تقذفنا مراكبُ شحننا
فنخرُّ مِن رهَقٍ ومن إعياءِ
البومُ يرقبُ حالنا مستهجناً
ويضجُّ مستاءً من الغرباءِ
وتراهُ محتاراً لطولِ مقامنا
بمفازةٍ مقطوعةٍ جرداءِ
******************
مَنْ ذاك يقنعنا بجدوى رحلةٍ
يوميةٍ مُلئتْ صنوفَ عناءِ
وضياع أموالٍ بدون مبرِّرٍ
وبهدر أوقات ونزف دماءِ
لم يبق عذرٌ واحدٌ يضطرنا
للسير عُميا في قطيع الشاء
فالحاكمُ المأفونُ أضحى رمةً
ونظامه الباغي مضى لفناءِ
ما عاد للطغيانِ قائمَ دولةٍ
ما عاد للسفهاءِ أيُّ بقاءِ
****************
لابد من كسر القيود جميعها
وجلاءِ ما للعقل من آراءِ
ما كان أردانا سوى استمرائنا
سفه العقيد سيد السفهاء
لمّا هدمنا للطغاةِ صروحهم
ظهر الذي أخفوه دون مراءِ
لمّا كشفناهم بدتْ عوراتهم
وفظيع ما أخفوه من ضرّاءِ
**************
هل كان تحويل المقر لأجل أنْ
تغدو به غريانُ نبعَ رخاءِ
أو أنَّ تحويلَ المقرِّ أحالها
بيداءُ هيرة جنةً للرائي
كلا فتحويلُ المقرِّ سياسةٌ
أمنية الغايات والأهواءِ
فزعيمنا البالي عدوُّ تحضُّرٍ
ويرى الحواضرَ رحمَ كلِّ بلاءِ
كم عانى سكان الحواضرِ كلهم
من وطأةِ التهميشِ والإقصاءِ
وعدِّ أنفاسٍ لهم وتتبعٍ
وكأنهم بعضٌ من الأعداءِ
***************
مَنْ ذاك يسعفني بأيِّ مبرِّرٍ
لعذابنا في مشرقٍ ومساءِ
أو ذاكَ يُقنعني بعقمِ قرارهم
ببناءِ بيتِ المال في البيداءِ
اليومَ أكتبُ بالحروفِ جميعها
قد زال عصرُ الحجر والإقصاءِ
اليومَ نكشفُ للطبيبِ جراحنا
ما عادَ ينفعنا جحودُ الداءِ
*********
يا أيها المسئول عن مأساتنا
عن ضُرِّنا ومسلسلِ الإشقاءِ
لا تمضِ أكثر في طريقٍ بائسٍ
وتكرِّر الماضي من الأخطاءِ
فيمَ التلكُّؤ في اغتنامِ فضيلةٍ
تلقى بها أجراً وحسنَ ثناءِ
هوِّنْ علينا للطريقِ مشقةً
وانجزْ وعوداً لم تفزْ بوفاءِ
********
محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا