الاثنين، يوليو 16، 2012


                           " 1+1=2 "

حاكمنا السابق حطم الرقم القياسي في تحطيم المعادلة المنطقية عاليه، 1+1=2. ولأن عقولنا مبرمجة منطقيا، فلابد أن ينالها شيء من ذلك التحطيم، وفعلا تحطمت عقولنا، وتلاشت المادة المعنوية الراشدة فيها، فاختلت تبعا لذلك مؤشراتها ومجساتها، ثم تبعثرت وتصادمت كتلتها المادية، وأضحت جماجمنا، قوام هاماتنا، وتيجان أجسامنا، عظاما مكدسة، تضمها مقبرة جماعية كبيرة، جنبا إلى جنب مع أحلامنا  وآمالنا المغدورة التي اغتالها اللامنطق في ريعان شبابها، ثم غلف كل هذا الحطام كفن من وقت مهدور، جاوز عقودا أربعة من الزمن الثمين.

مكتوب على شاهد هذه المقبرة الجماعية: هنا يرقد  ضحايا المنطق والأصول!

وفي مكان ليس ببعيد من هذه المقبرة، توجد أيضا مقبرة جماعية أخرى، تضم أيضا عقولا وجماجم وآمالا وأحلاما وزمنا مهدورا لفريق آخر من نفس مواطني البلد، الموجودين على الجهة الأخرى المعاكسة، والذين، ولأسباب غير معروفة، تخلل إلى خلاياهم الراشدة فيروس ضار اضطربت بسببه المعالجات المنطقية الفطرية لديهم، حتى بدا لهم كل صاحب سلطة ومال، مهما كان سوء عمله، جدير بالطاعة المطلقة، ولو أمر باللامنطق واللامعقول واللامشروع، فنتج عن ذلك سفك دم، وهتك عرض، وإهلاك حرث، وحرق عمر!

الغريب في الأمر أن العبارة المكتوبة على شاهد هذه المقبرة الثانية، هي نفس العبارة المكتوبة على شاهد المقبرة الأولى: "هنا يرقد ضحايا المنطق والأصول"!

ليس ثمة من فارق بين الفريقين إلا في مدى استيعاب كل منهما للمعادلة المنطقية البسيطة: 1+1=2!

سلام على أهل المقبرتين، ونسأل الله أن يرحم الجميع.

 ــ ولكن هل حقا أن الذي حفر هاتين المقبرتين، هو مجرد اختلاف الفريقين حول المعادلة البسيطة:1+1+2؟

ــ أجل.

ــ كيف؟

ــ لنبدأ بآخر وأوضح جزء في المشكلة، أو قل التراجيديا الليبية. ألم تنشب الحرب الليبية السابقة عندما أراد القذافي أن يجبرنا على أنه وأفراد عائلته الصغيرة الذين لا يجاوزون عشرة أفراد، هم أهم وأكبر قدرا وقيمة من ستة ملايين ونصف المليون ليبي؟ وهذا ليس منطقيا على الإطلاق!

ذلك كان الخرق الأكبر والأخير للمعادلة المذكورة، أما الخروقات الكثيرة السابقة، فقد أدمنها ساسة النظام العسكري الدكتاتوري منذ خروجهم في عتمة ليل، ليأخذوا بخناق شمس الوطن، ويحجروا على ضوئها، فلا يسمحون لنورها بالسطوع إلا على قدر شقوق أعينهم الضيقة الكليلة العمشاء.

ولئن كان موقف الساسة السابقين مع المعادلة المنطقية1+1=2، هو الذي سبب في وجود المقبرتين المرعبتين، وسبب أيضا في تأخر الليبيين وخسارتهم، إلا أن عامة الليبيين وهم يمارسون شأنهم الخاص لم يكونوا كذلك.

المواطن الليبي البسيط على قدر معقول من الذكاء والرشد والحكمة والأخلاق والدين، وهذه كلها روافد التيار المنطقي الذي تسير في اتجاهه حياتهم الخاصة التي لم يصبها ما أصاب شأن الوطن العام، والذي كان يسير في غير ذلك الاتجاه.

أعرف أشخاصا بسطاء، لم يتخرجوا من جامعات، ولم يطلعوا على فلسفات، ولم يرهقوا عقولهم بالدروس الصعبة، ولا المعادلات المعقدة، واقتصروا فقط على الإلمام وفهم وإدراك واحترام المعادلة الحسابية البسيطة المذكورة، ثم دخلوا بهذا المؤهل الوحيد عالم المال والأعمال، فبزوا حملة الشهائد العليا في التجارة، كما ولجوا عالم السياسة، فنجحوا فيه أيما نجاح، وحققوا ما لم يحققه المتقعرين المتفلسفين المنظرين!

ليس بعيدا عن ذاكرتنا مؤسس دولة الإمارات، زايد بن سلطان العربي البدوي البسيط الذي أذهلت سياسته المعتمدة على المعادلة البسيطة 1+1=2 العالم كله.

وليس بعيدا عن ذاكرتنا أيضا محطمي دولة العراق وليبيا، صدام والقذافي، اللذين أذهلا العالم بسياستهما اللامنطقية واللامعقولة، والتي جعلت من دولهم وشعوبهم المثل الأبرز لضحايا الساسة المتعالين عن الحق الموغلين في اللاشرعية الراسبين في فصل سنة أولى منطق ومادته الأساسية، 1+1=2!

هذه المعادلة بقالبها الحسابي التجاري البسيط تجد نفسها أكثر، حيث تتواجد حاجات الناس الأساسية، من غذاء وصحة وتعليم وبنية تحتية، وكافة صنوف العمران، وفي هذا المجال بالذات يقل الاختلاف في تطبيق هذه المعادلة، وربما ينعدم، ويمكن للسياسي بكل سهولة إعداد خططه وتنفيذها دونما خوف من فشل أو هزيمة.

وبمجرد إقحام هذه المعادلة في متاهات الأيديولوجيا والفلسفة السياسية، تراها تنكمش، ويعتريها الوهن، وتحيط بها الشبهات، بل ربما صارت جريمة يحاكم من يتكلم عنها بتهمة الخيانة العظمى!

نحن الليبيين لنا ثأر مع كل من أهدر إمكانياتنا، وهو يلوح بنظريات أيديولوجية، أو صفقات سياسية، ويهدر جراءها الأوقات والأموال وحتى الأرواح، وسوف ننكر كل من يدفعنا على السير في طريق اللاجدوى، واللامنطق، واللاربح، ولو دغدغ مشاعرنا بشتى أنواع المغريات فاقدة الصلاحية.

هذه المعادلة 1+1=2، وقبل أن تسمح لنا بالتطبيق الجزئي لقوانينها، تجبرنا في البداية على تطبيق مبدأها الكلي الذهبي الذي يقضي بضرورة الأخذ بالأولويات في إدارة المشكلات.


للأسف، وبناء على ما نراه من تكلف ظاهر في الاصطفاف الأيديولوجي لدى ساستنا والظاهرين منا، فإننا بهذا نضرب بهذه المعادلة الذهبية عرض الحائط، ونعيد بذلك ذكريات أليمة لأفعال سقيمة، أساسها الإسهال الأيديولوجي المقزز الذي يناقض ويصادم، بل ويعدم أي دور لمبادئ الأصول، وقواعد المنطق.

نحن في ليبيا، وإذ نضع أقدامنا على المتر رقم واحد في رحلة الألف ميل، لفي أشد الحاجة للاستنارة بهذه المعادلة، بل ووضعها مادة في دستورنا، وحجرة أساس في بناء دولتنا، وقبل هذا وذاك وضع هذه المعادلة في قلب دماغنا، وفي مركز تفكيرنا.  

محمد عبد الله الشيباني

هناك تعليق واحد:

Entrümpelung يقول...

شكرا على الموضوع