السبت، يوليو 14، 2012



نعوش آخر موديل، وأيضا فُلْ أبشن. إنه معلم سياحي ليبي بامتياز!

منذ سنوات طويلة لم تقدني قدماي، ولم تدفعني حاجتي إلى الذهاب إلى مستودع السيارات المعروضة للبيع قطعا، أو "الريبش".

كنت إلى جوار صديقي الذي يقود السيارة في منطقة بو سليم، وكنت أتابع باهتمام الصفوف الطويلة للسيارات المعروضة على طول الطريق، ولمئات الأمتار، والتي بدت لي جديدة،  فقلت متعجبا: ما أكثر معارض السيارات الجديدة هنا في بو سليم. رد علي صديقي منبها: كلا هذه ليست معارض سيارات جديدة، ولكنها مقابر سيارات مغدورة؛ فكل هذه الصفوف من السيارات الحديثة الموديل التي ترى، هي سيارات خردة، وذلك لتعرضها لحوادث سير جسيمة.

في آخر زيارة لي لهذا المكان، منذ أكثر من خمس سنوات، لم تكن السيارات الخردة على هذه الحالة من الجدة، بل لم تكن تشكل السيارات الجديدة إلا نسبة ضئيلة من السيارات المخردة.

المشهد الذي أدهشني وصدمني أن معظم السيارات المخردة هي سيارات حديثة جديدة، ومن ذوات الأسعار الباهظة، كما أن إصابة معظم هذه السيارات كانت من جهتها الأمامية، وبما يشير إلى أن سائقي هذه السيارات كانوا هم أصحاب المبادرة في كل ما لحق بهذه السيارات من أذى.

وبرغم الحزن الذي تركه في نفسي مشهد الكميات الهائلة من هذه السيارات الحديثة المخردة، إلا أنني وجدت في هذا المشهد البليغ الإجابة الكافية الوافية لآلاف الأسئلة التي تصدمني وأنا أشاهد بحسرة وألم بالغين ما عليه سلوك سائقي السيارات من تهور وعدوانية واستهتار، وخاصة أولئك حديثي السن منهم!

المتهور، والعدواني، والمستهتر، وهو يمشي على قدميه، لا يشكل خطرا بالقدر الذي يشكله وهو يمتطي ظهر ثلاثين حصانا آليا، علفهم النار والبنزين، وصدورهم ورؤوسهم مصنوعة من الحديد الصلب المتين.

لو وضعنا في أي حاسب آلي المعلومات البسيطة التالية: شخص صغير السن + متهور + عدواني + مستخف بالقانون + محتقر شأن من حوله، ويمتطي ظهر كتلة من فولاذ ذات وقود ناري وسرعة مذهلة. ترى ما ذا ستكون مخرجات هذا الحاسب.

سيخرج لنا الحاسب مخرجات كثيرة خطيرة، وإحدى هذه المخرجات، هي آلاف النعوش الحديثة الموديل، والمكدسة في ريبش بو سليم، وفي أمكنة أخرى كثيرة!

كل إنسان خطاء، والخطأ طريدة النصيحة، تلحق به أينما كان، وتقطع دابره، فيصير المتهور والعدواني والمستهتر القابل للنصيحة إنسانا سويا.

أما مخطئونا الكثيرون الذين يعربدون في شوارعنا، فالأمر معهم ليس بهذه السهولة، إنهم يخطئون ويقصدون ويدمنون الخطأ، وفوق هذا يجبرون الآخرين على التصفيق لهم، وإن لم تطاوع  هؤلاء أيديهم على التصفيق، فليس أمامهم إلا إسبالها، وطأطأة رؤوسهم، مسرين بحوقلة الصابر الذليل!

الحال الذي عليه سلوك الكثيرين منا، وهم يقودون السيارات في منتهى السوء، وإن لم تتكاتف الجهود من أجل إصلاح هذا السلوك وترشيد السائقين، ووضع ضوابط صارمة للمخالفين، فإن نزيف الدم سيزداد تدفقا، كما أن ليبيا ستكون الملاذ العالمي الأكبر للسيارات الحديثة الراغبة في الانتحار، والتي لن تقوم وحدها بهذه العملية المثيرة، ولكنها ستأخذ معها قائديها من أبطال هذه اللعبة، والذين حصدوا جوائز عالمية لم ينافسهم عليها أحد حتى الآن.

أجل لدينا في بو سليم معلم سياحي نادر!
ولدينا أيضا معالم حزن كثيرة في المقابر!

محمد عبد الله الشيباني

ليست هناك تعليقات: