الجمعة، يوليو 06، 2012



في يوم الانتخاب، عار علينا إن نسينا صناع الانتخاب

أيما قتيل سال دمه الطاهر جراء عدوان الطغاة، ولو كان طفلا صغيرا، أو شيخا عاجزا، فإننا نحتسبه عند الله شهيدا. وبغض النظر عن مرتبة الشهداء عند ربهم الغني الكريم، إلا أن قدسية دم الشهيد ورهبته لدينا، نحن الذين قطفنا ثمرة جهاده وتضحياته، لا تعادلها مرتبة من مراتب أعظم الأحياء منا، مهما احتوى سجله من عمل وطني عظيم.

ومساهمة متواضعة مني في تكريم الشهداء، صنعت مما أعرض، على رصيف جانبي ناء، من سلعة الحروف والكلمات، هدية من حروف، وتذكارا من كلمات، ولم أجد غلافا لهديتي  هذه سوى الحروف والكلمات نفسها، كما لم أجد كلمات أجمل وأبلغ من عبارات الانتخاب اللذيذة، فكان غلاف الكلمات هو أيضا من كلمات، وكان على هيئة  رمز انتخابي، هو:
                 
                        "الدائرة الانتخابية رقم 14"

الدائرة الانتخابية الرابعة عشر تلك، هي سيدة كل الدوائر الثلاثة عشر المعروفة، وذلك لأنها كانت في مثل هذه الأيام من عام مضى ملء السمع والبصر، وكانت هي الدائرة الوحيدة التي بادر بالتسجيل فيها كل ليبي ضاق ذرعا بالطاغية وحكمه، وجبروته وظلمه.

محيط هذه الدائرة، تم رسمه بدماء الليبيين، وعصارة مهجهم، وخلاصة آمالهم وأحلامهم، حتى أحاط هذا الرسم بحدود ليبيا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.

بداخل هذه الدائرة الحمراء دارت حربا لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وذلك لما تفردت به من سمات سيئة كثيرة عديدة، ولكن أسوأ هذه السمات وأفظعها، هو قيام حاكم بإعلان الحرب الشاملة على شعبه الذي حكمه أزيد من أربعين عاما. كما اتسمت هذه الحرب بصفات حسنة عديدة كثيرة، ولكن أحسنها، هو ذلك الانحياز والاصطفاف الكامل لجنود الأرض والسماء إلى جانب المظلومين طالبي حقهم في العدل والحرية والكرامة.

بُعيد انجلاء هذه المعركة المشهودة، وبعد أن تحقق نصر الله للمظلومين، أخذت خطوط هذه الدائرة التي طوقت ليبيا كلها تستقر وتترسخ، معلنة قيام دولة ليبيا الجديدة بمكونها المادي المعروف، وكذا مصرحة بمكونها المعنوي الزاخر بالمثل والقيم المعنوية النبيلة؛ من حرية، وعدالة، وديمقراطية.

بيد أن المكون المعنوي الأنبل لهذه الدائرة الانتخابية الفذة، هو ذلك الفيض القدسي الغامر لأرواح قوافل الشهداء على مدى أفق ليبيا المكاني الشاسع، وعلى مدى عمرها النضالي الذائع الرائع.

آخر صف في كوكبة شهداء ليبيا الأبرار، تشكل من عشرات الألوف من فرساننا الأشاوس الذين كانوا في مثل هذه الأيام من عام مضى يتزاحمون على بذل أثمن ما لديهم، أرواحهم، من أجل صنع الدائرة الانتخابية المركزية الكبرى، ليبيا، تماما كما نتزاحم نحن الآن، ولكن ليس من أجل أن نموت كما مات أولئك الشهداء، بل من أجل أن نقطف ثمار دولة الحرية والكرامة التي رويت بدم أولئك الشهداء الكرام.

ليت كل ناخب، وبعد أن يدلي بصوته لاختيار من يمثله في المؤتمر الوطني غدا السبت 7.7.12، يقوم برفع بصره إلى السماء المزدانة بأرواح شهداء الحرية والكرامة، ويدعو رب السماء بإكرام أولئك الذين اشتروا كرامتنا وحريتنا بأعمارهم وأرواحهم!

ليت كل ناخب، وبعد أن يخرج من مقر الدائرة الانتخابية التي تخصه، يرفع أصبعه المكلل باللون الانتخابي المميز موحدا ربه وشاكرا له، ثم يبصم بهذا الأصبع فوق كل حائط سقط بجانبه شهيد، وكذا على سطح كل رصيف تحمم بعطر دم شهيد!

ليت كل مرشح، يحالفه الحظ وينجح، أن لا يبيت في فراشه ليلة إعلان نجاحه، بل يبيت في مكان شهد سقوط شهداء، أو ضم رفات شهداء، تمجيدا لكل الشهداء، ومواساة لأقربائهم الذين سيذكرون مفقوديهم الأعزاء الذين خرجوا ذات يوم ولم يعودوا، والذين أيضا لم يخرجوا من أجل أبنائهم لإعالتهم، ولكنهم خرجوا من أجل إعالة كل الليبيين وانعتاقهم.

ليتنا نسمي يوم أول انتخاب وأعزه وأغلاه، بيوم انعتاق الإرادة الليبية وتحررها، وبيوم ولادة الصوت الليبي الحر، ونقيم لذلك ذكرى سنوية نعيشها ونحييها كل عام!   

ليت المفوضية العليا للانتخابات، تضع في كل دائرة انتخابية صندوقا رمزيا يخص الدائرة الانتخابية الرابعة عشر، دائرة الشهداء الأبرار، بحيث يكون ذلك على هيئة سجل، يقوم كل ناخب بالتوقيع فيه بما يفيد تقديسه لدماء الشهداء، كما يؤكد في هذا السجل، الناخب والمرشح كلاهما، على عرفانهما بجميل كل شهداء الحرية الأبرار، سكان هذه الدائرة الانتخابية الأعظم، الدائرة الانتخابية رقم"14".
  

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا
Aa10zz100@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: