السبت، يوليو 07، 2012


المصالحة؛ لابد أن تتصدر أجندة أعمال المؤتمر الوطني

الفهم الضيق والبسيط للمصالحة، والذي يحصره البعض في مجرد السعي وراء استقدام نازحي الحرب الأخيرة بين الشعب وحاكمه، والتي وبسبب مكر الليل والنهار، تطورت فأصبحت بين الشعب بعضه البعض.

رجوع المواطنين الليبيين النازحين، والذين في معظمهم ليسوا من (أزلام القذافي) كما شاع على لسان العامة، إلى وطنهم، ومهما حوت صفحتهم الجنائية، هو أمر في غاية الخطورة والضرورة. ذلك أن هجرة جماعية كمثل هذه الهجرة التي نعاني منها الآن، هي هجرة غير عادية، ولابد أن نتبع في  معالجتها طرقا غير عادية أيضا.

هي هجرة تختلف عن هجرة الليبيين إبان الاحتلال الإيطالي، كما تختلف عن هجرتهم هروبا من الحكم الدكتاتوري البائد، عندما كان دافعهم الوحيد هو مجرد النجاة من بأس حاكم ظالم، كان هو خصمهم الفريد الوحيد. ولو أراد الله بالقذافي خيرا، وأقبل صادقا على مصالحة مخالفيه، واستقدمهم من أرض هجرتهم، لرجع ذلك الكم الهائل منهم، ولتغيرت الخريطة السياسية الليبية تغيرا كبيرا من ِشأنه أن يحول دون ما وقعت فيه البلاد من حرب الإخوة واقتتال الجيران.

قدر الله وما شاء فعل، ووقعت الحرب الأخيرة، وتورط الليبيون في قتال بعضهم البعض، ونتج ما نتج من أمر الهجرة الجماعية الأولى في تاريخ ليبيا، والتي يقدر البعض حجمها بأكثر من المليون من الستة ملايين ليبي.

كل ستة ليبيين من بينهم واحد بعيد عن أهله ووطنه. وبمعنى آخر فإن كل عائلة ليبية قد هجرها أحد أفرادها، وأقام في ديار الغربة تكتنفه الشكوك وتحيط به الريب والظنون حول مستقبله ومستقبل من يعول. كما أن كل واحد من أولئك الستة من الليبيين، هو مصدر حزن وخوف لمواطنيه الخمسة المقيمين داخل الوطن، وذلك لما يتوجسه هؤلاء من ذلك الشارد عن السرب المفارق للجماعة.

ما من نازح عن وطنه إلا ولديه سبب لنزوحه، ومهما كان سبب هذا النزوح، فإن أمر البث فيه هو من صميم عمل المجتمع قيادة وأفرادا.

أجل هناك أعمال خطيرة كثيرة تنتظر المؤتمر الوطني، وتكمن أهميتها في أنها تمثل حجر أساس الدولة الليبية التي حررت للتو من ربقة الحكام  السفهاء الطغاة الذين حكموا البلاد العقود الطوال بدون دستور أو مجلس برلمان أو حكومة منتخبة.

وبرغم أهمية ما تحويه السلة الديمقراطية من مكونات ثمينة؛ من مثل الدستور والبرلمان وتوابعهما، إلا أن محتوى سلة الوطن البشرية، واكتمال مكوناتها أعظم أهمية وأكثر إلحاحا.  

السلة البشرية لوطننا ليبيا بها فراغ كبير مخيف، وهو فراغ سيتزايد أثره السلبي، ويتعاظم ضرره مع مشرق كل يوم، يظل فيه ألف ألف من الليبيين، أو يزيدون،  بعيدين عن الوطن، تفترسهم الغربة، وتبتزهم الحاجة، ويطمع فيهم الطامعون.

نأمل من المؤتمر الوطني أن يقوم بتبني خطة محكمة لإنهاء هذه الحالة الشاذة، مستعينا بذوي الاختصاص من داخل البلاد وخارجها، آخذا في اعتباره خصوصية هذه الهجرة، وذلك لكونها هجرة ذات أسباب ضحلة الجذور، كضحالة جذور المتسبب الرئيسي فيها، وهو القذافي وعصابته.

من المفيد لإنجاز هذه الخطة القيام بإنشاء مكتب في كل سفارة ليبية في تلك الدول المضيفة للنازحين الليبيين، على أن تكون من أهم مهمات هذا المكتب هو فتح قناة اتصال واسعة مع الليبيين المتواجدين في نطاقه.


ويبدأ هذا المكتب عمله بإعداد قاعدة بيانات عريضة ونشطة، وتحوي من الآليات ما يؤهلها لأن تكون ليست مجرد بنك معلومات ورف ملفات، بل أن تكون ذات أذرع تجميع واتصال، وذات أيدي وفاق واتفاق.

وبمجرد شعور النازحين بدفء ذراع دولتهم، سيخمد في قلوبهم كل غضب، وستهدأ كل ثورة، وستزول كل ضغينة. ذلك أن مجرد الاطمئنان إلى مصداقية أدوات الاتصال، وصدقية جهود المصالحة من شأنه أن يوفر الليونة الضرورية في أيدي النازحين الحانقين الغاضبين، ليسهل بعد ذلك جمعهم تحت ظل شجرة المصالحة.

عندما نلح على أمر المصالحة والعمل على سرعة استقدام الألوف المؤلفة من النازحين الليبيين شركاء الوطن، فإننا بذلك نقوم بوضع الحجرة الأهم في أساس بنيان دولة ليبيا الديمقراطية، والتي لا تستطيع أن تنشئ دستورا شرعيا، أو برلمانا حقيقيا، وشطر مهم من جسم الدولة مقطوع منزوع.

إن تقدير أولويات الأعمال من حسن إدارة هذه الأعمال، وعلامة نجاحها، ولا أظن أن هناك عملا ألح إنجازا، وأولى اهتماما من عمل المصالحة.

ومهما كانت جناية من جنى، ومن أي طرف كان، فإن غض الطرف عن المتسبب الأول لسلسلة هذه الجنايات، وعدم احتساب أثره في هذه المصيبة التي حلت بالشعب الليبي، لهو من باب القصور في الرأي. ذلك أن القذافي انفضح للجميع أمره، وبتنا كلنا نعرف مؤامراته ودسائسه التي كان يهدف من خلالها إلى تسميم العلاقة بين الليبيين، وزرع العداوة بينهم في أوقات السلم، ناهيك عن أوقات الحرب.

والحرب إذا دارت رحاها، فإن معادلاتها الحادة هي التي تسيطر على ساحتها، ويصبح من أشعلها وقودا لها، ولن يخرج كل من خاضها عن واحد من ثلاثة؛ قاتل، أو مقتول، أو أسير. وليس من قتل بأحسن حال من المقتول، وليس النازح بفعل الحرب بأسوأ حال  من المقيم على كثبان رمادها!

أيها الليبيون؛ نازحون، ومقيمون، ليس من طريق توصل إلى محو آثار الحرب التي شنها القذافي علينا، أقصر من طريق المصالحة. وليس هناك من نصر نحققه أعظم من تسفيه حلم القذافي في تشتيتنا، وهو حلم كرس له القذافي حياته، وها هو البعض منا، وبكل أسف، يكمل ما عجز القذافي عن إكماله.

مقالات ذات صلة:


محمد عبد الله الشيباني

ليست هناك تعليقات: