البذاءة بعدما خدشت حياءنا في الشوارع، ها هي تفقأ عيوننا في المواقع!
عندما نمارس
الحياة نتنفس الهواء النقي برئاتنا. وتنفسنا للهواء النقي هو الحد الأدنى لبقائنا
أحياء، ثم ترتفع مراتب حياتنا بارتفاع مستوى وجودة العلاقة التي تربط حواسنا
الأخرى، من سمع، وبصر، وشم، وحتى ملمس، بالوسط الذي نعيش فيه.
الحد الأدنى من
مستوى الحياة الذي تمارسه رئاتنا يعتمد اعتمادا كبيرا على نقاء الهواء، والذي بتلوثه
تضطرب الرئة، ويهبط مستوى أدائها، ونعتل، ونموت.
البذاءة التي
تتكدس حول آذاننا، أهم حواسنا، ونحن نعبر شوارعنا، ونمشي في أسواقنا، هي أكبر
وأخطر بكثير من أكداس قمامة شوارعنا ورائحتها النتنة.
صبيان، وشباب، وحتى
كهول، يعربدون في شوارعنا، ويتقيئون أوسخ ما يحتويه جوف متكلم من كلمات، ثم يصبونها
صبا في عيوننا وآذاننا وقلوبنا وضمائرنا، وليس لنا حق التأفف الذي نمارسه بحرية في
وجه كوم القمامة المتعفنة.
معربدون يملئون
الشوارع، ويلقون فيها أبشع قمامة أفواههم مما يخدش الحياء، ويخز الضمير، ويجرح
الكرامة، وينغص الحياة، وليس لك، وأنت تواجه ذلك، حتى مجرد النصيحة الخجولة؛ فبمجرد
فعلك هذا، تنفتح عليك أبواب جهنم، وتضحى فريسة تهكم هؤلاء المعربدين، وربما بطشهم.
حقا، إن قانون
الأواني المستطرقة، مطبق بحذافيره على البيئة التي نعيش فيها. ذلك أن مستوى التلوث
الذي عليه شوارعنا بما حوت من جبال قمامة، هو ذاته مستوى التلوث في هوائنا الذي
نتنفس، وفي خطابنا الذي نسمع، وفيما حوت الشبكة العنكبوتية من منتدى وموقع.
وإذا كان للشوارع
عذرها بغياب شرطة الآداب فيها، إلا أن المواقع، وخاصة المعروفة المشهورة منها، كصحيفة
الوطن مثلا، لا يوجد لها أي عذر، وهي تضع أمامنا، وبدون ما غربلة، ما يتقيؤه عديمو
الذوق منعدمو الأخلاق!
أحد هؤلاء
المعلقين سمحت له صحيفة الوطن التي يكتب فيها الكثير منا ويقرؤون، بنشر أوسخ ما في
شوارعنا من كلمات بذيئة، والتي زاد من بذاءتها كونها موجهة إلى شخصية يجب علينا
احترامها مهما اختلفنا مع وجهة نظر صاحبها، وهو سيادة المفتي، الشيخ الصادق الغرياني.
وكما يمارس الموقع
دوره في عدم السماح بكتابة مقال بذيء، يجب عليه عمل الشيء نفسه مع التعليقات. ذلك
أن قراء التعليقات ربما يربون في أحيان كثيرة عن قراء المقالات مثار هذه التعليقات.
قد لا أجاوز
المعقول لو قلت لكم إن أصعب معركة يتحتم علينا خوضها، هو مواجهة جيش السفهاء
المنتشر في طول البلاد وعرضها، وفي صدر هذا الجيش ومقدمته يبرز للعيان، ودون
مواربة، سفهاء الكلمة عديمو الحياء.
وقد لا أجاوز
الصواب أيضا، لو أرجعت أسباب الكثير من عللنا النفسية والاجتماعية والسلوكية، وحتى
هزيمتنا الحضارية، إلى تفشي ظاهرة تهوين بعضنا للبعض الآخر. وأي تهوين وتحقير للإنسان
أعظم من إجباره على سماع ما يكره من أفواه حثالة المجتمع وسقطته!
وفي هذه المناسبة
أوجه دعوة حارة صادقة إلى مجتمعنا المدني الذي تحرر من قيوده، بالعمل على إيلاء
ظاهرة قمامة الكلمات الاهتمام الذي تستحق، والسعي إلى إنشاء مؤسسات اجتماعية تحد
من هذه الظاهرة، وتدفع المجتمع شعبيا ورسميا إلى مواجهة سفهاء الكلمة الخادشين حياءنا،
الماصين دماء وجوهنا، المسفهين كل قيمة لدينا.
لابد أن القصور في
القوانين السارية التي تعالج هذه الظاهرة هو أحد أسباب تغول هذه الظاهرة، فلو علم
صناع البذاءة بأن صناعتهم هذه مما يحرمها القانون لما تجرأوا على بيعها فوق
الأرصفة، وفي وضح النهار.
وبذا نأمل أن يوجه
المؤتمر الوطني بعض اهتمامه نحو هذه الظاهرة، فيصدر قانونا خاصا بها، ويضع العقاب الرادع
لكل من يتجرأ على إفساد رونق حياتنا بما يتقيؤه من منكر الكلمات وأشنعها.
محمد عبد
الله الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق