لو لم يكن
القذافي ونـظامه ورما خبيثا، لما كان أثر إزالته فعل
بالجسم الليبي ما فعل.
لو كان
القذافي حاكما عاديا بدرجة ورم حميد، لأفلح ابنه سيف، مثلا، باستنساخ حالة تولي
أمير قطر الحالي السلطة، والتي سحبها بمنتهى الهدوء من أبيه
غير
الخبيث.
لو استنسخت
ليبيا حالة قطر، وحدث التغيير الناعم، لكان ذلك مقنعا جدا للطرفين المختلفين الآن
على ما جرى في ليبيا من تغيير عنيف مكلف.
فبالنسبة
لثوار فبراير سوف يجدون في التغيير غير المكلف حلا معقولا، والذي يؤدي مع الوقت
إلى حصولهم على ما يريدون من منتجات الديمقراطية المغرية التي حرموا من مجرد
الاقتراب من نوافذ عرضها العمر كله.
أما بالنسبة
لأنصار ثورة سبتمبر، وفي مقدمتهم رجال الحرس القديم، ورغم ما أبدوه من اعتراض ظاهر
على دور سيف في محاولة تغيير ما أفسد أبيه، إلا أنهم سيجدون في ود ابن القائد
لأبيه وربما لأصحاب أبيه ما ينزع خوفهم من التغيير الذي يحذرون، كتغيير فبراير
مثلا.
الورم
القذافي لم يكن ورما حميدا، دليل ذلك بقاؤه زمنا طويلا فاق زمن عشر دورات حكم،
وذلك وفق التوقيت الحديث لأنظمة الحكم المعروفة المعاصرة.
ونظام
القذافي لم يكن ورما حميدا، وذلك بدليل ما أظهرته ردة فعل القذافي تجاه ما حدث للأجسام
الدكتاتورية المحيطة به، في تونس ومصر، حيث أنكر وبشدة أي اجتثاث لتلك السرطانات
الدكتاتورية الشبيهة به. يؤيد ذلك أيضا ردة
فعله العنيفة السريعة والمخالفة تماما لردة فعل مجاوريه في تونس ومصر، وانتقاله
فجأة من اللون الأزرق إلى اللون الأحمر المتوهج، واستعماله أسلحة وتكتيكات حروب
نظامية في شوارع المدن وأزقة القرى ضد شعب ضعيف بسيط أعزل.
ويزيد
تأكيد خبث الورم القذافي ما تكشف من أمر أشخاص حول القذافي، وما وثقه رجل مقرب من
القذافي كعبد الرحمن شلقم، والذي بشهادته في القذافي ونظامه، جعل مما كنا نظنه
مجرد شائعات وتكهنات حقائق دامغات، ووقائع مرعبات مذهلات.
نوري
المسماري مدير مراسم القذافي، أزاح عن بعض حياء شلقم الستر، وكشف في جريدة الحياة
ما عليه القذافي من شذوذ وفساد أخلاقي مخز يدفع على التأكد بأن القذافي لم يكن
يمارس حكم وإدارة دولة، وإنما كان يمارس إشباع غرائزه ونزواته المنفلتة، وبنرجسية
دفعته إلى إيذاء أنثى مستسلمة له، حتى إدماء جسدها، ثم يعود ويبلسم تلك
الجروح بمبلغ مائة ألف دولار من أموال الليبيين، وكثير غير ذلك!
بعدما
أسقط القذافي الملك إدريس، فتح عليه ما استطاع من أبواق الذم والسب والشتم، لكنه
رغم ذلك فشل في وضع إدريس في المرتبة المخزية المهينة التي وضع فيها القريبون من
القذافي القذافي، وهو ما يؤكد حقيقة أن القذافي كان بحق ورما خبيثا ظاهرا خبثه.
ولكن لماذا
اجترار هذا الكلام المكرر؟
لأن بعض
الليبيين ساءتهم التكلفة الباهظة لاجتثاث الورم الخبيث، كما أن بعضهم الآخر لم
تعجبهم الطريقة التي تم بها التغيير، وبعضهم الآخر أخذته الغيرة بسبب تدخل الآخرين
في شؤوننا الداخلية، وطائفة أخرى رأوا أن بقاء الورم الخبيث في جسدنا عقودا أخرى
أهون من تدخل جراح فرنسي أو إنجليزي أو يهودي لاستئصاله!
مشكلة
هؤلاء أن معظمهم لا يريد أن يعلم بأن كل الأنظمة الدكتاتورية هي أورام خبيثة، وبأن
القذافي ومن قبله صدام وزين العابدين وحسني مبارك وعلي صالح وبشار سوريا، وغيرهم، هم
كلهم أورام خبيثة صعب أمر اجتثاثها بالطرق التقليدية، فتدخلت السماء، وجعلت
لسقوطهم موسما حير العقول وأذهل الألباب.
الشيء
الذي يؤكده الأطباء أن إزالة الورم الخبيث أمر لا مفر منه، كما يؤكدون على أن ما
من ورم خبيث قد تم اقتلاعه إلا وصاحب عملية الاقتلاع هذه بعض الأذى للجسم المريض،
والذي وبكل تأكيد سوف يتعافى بعد عملية انتزاع الورم الخبيث.
الصور
الملتقطة لأجسامنا العربية وهي موبوءة بأورام السياسة الدكتاتورية الخبيثة لا زالت
موجودة في الأذهان وموثقة ومنقوشة في كل مكان، كما أن الصور التي عليها أجسامنا
بعد انتزاع أورامها الدكتاتورية بدأت ترسخ في الأذهان وتتجلى للعيان.
يكفي
الجسم المصري تعافيا وتألقا أنه ولأول مرة منذ آلاف السنين يحكمه رجل من عامة
الشعب، وليس نصف إله، وأن هذا الحاكم جاء إلى كرسي الحكم عبر وسيلة اقتراع شعبي،
وعبر صوت انتخابي تساوى فيه المواطن المصري الذي لا يملك قوت يومه مع مالك
المليارات، كما تساوى فيه أبناء الذوات مع بسطاء الناس وأقلهم مراتب ودرجات.
الجسم
التونسي بعد استئصال الورم الدكتاتوري من أنسجته، تعافى مما كان معششا فيه من
أخطبوط فساد ذهب مع ذهاب بن علي وزمرته، كما وتولي أمر حكم تونس رجل من عامة الشعب
اختاره الشعب في ألق الضحى.
أما الجسم
الليبي فيكفيه تعافيا وتألقا خيبة ظن كل من حلم له الحلم الشين بالتصومل والعرقنة
واستعمار فرنسا له، واستيلاء بريطانيا عليه، وتحكم قطر فيه، وغير ذلك من تكهنات
رخيصة أخذها جميعها المؤتمر الوطني المنتخب ديمقراطيا وقذف بها في سلة المهملات مع
بقايا الورم القذافي الخبيث المجثث والتصاقاته وتقيحاته وصديده المقزز.
حقا إنها كلها
أنظمة دكتاتورية، وإنها كلها أورام خبيثة، لا خلاف على ذلك البتة، وإذا كان هناك
خلافا، فهو فقط على طريق اجتثاث هذه الأورام.
محمد عبد
الله الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق