الجمعة، أغسطس 24، 2012



الإمارات راضية بنسبة 90%. متى تبلغ ليبيا ذلك؟



وزارة الرضاء والأمن الاجتماعي

السادة: رئيس وأعضاء المؤتمر الوطني
مقترح بإنشاء وزارة الرضاء والأمن الاجتماعي

خلال عقدي الخمسينات والستينات  الماضية، ورغم خروج بلدنا ليبيا من بؤرة صراع عسكري كوني، وتملصها للتو من بين أنياب مستعمر إيطالي شرس، إلا أن مستوى الدفء الاجتماعي الذي عاشته خلال هذين العقدين كان أفضل بكثير من نظيره في عقود حكم القذافي الأربعة.

ذلك لأن الملك إدريس كان أبا أكثر من كونه حاكما، وكانت أجهزته الأمنية وبطانته المقربة مكبوحة بما يبديه الملك الأب من شفقة وحدب بالغين على أبنائه المواطنين، حتى بلغت درجة هذا الدفء حدا مكن المتورطين في جريمة الإطاحة بالملك نفسه في بداية الستينات من النجاة من العقوبة المقررة قانونا، وذلك عندما حكمت المحكمة على الانقلابيين العسكريين بالسجن اللطيف، إلا أن الملك أبى إلا أن يزيد في لطف ذلك الحكم، وإلى درجة العفو التام.

وبرغم ما بثه هذا الوضع من دفء اجتماعي محبوب، إلا أنه على الجهة الأخرى ساعد في تفقيس بيوض الأفاعي والثعابين، ويسر، وبكل أسف، أمر الانقلاب القذافي المشئوم.

حاكمنا الدكتاتور رأى في أمن اجتماعي كذلك الذي كنا نعيش ما يشجع كل ليبي على استنساخ العملية الانقلابية، فشرع في هدم صروح الأمن الاجتماعي القائمة جميعها، واستبدلها بصروح لأجهزة أمنية من صميم عملها أن تجعل المواطن في قمة الرعب كلما اقتربت منه هذه الأجهزة وأظلته، كما عزز هذه الأجهزة بلجان ثورية تخصصت في دق الأسافين بين السلطة والمواطن، والمواطن وأخيه المواطن، وذلك من خلال تأجيج النعرات والصراعات القبلية والفئوية المختلفة، ثم غلف كل تلك الإجراءات الخبيثة بغلاف الفقر والجهل الممنهج، ونشر العلل الجسمية والاجتماعية بين الناس.

وإذا ما أنصتنا إلى لسان حال الناس وهم يرفلون في ظل الأمن الجماهيري، فإننا نسمعهم يئنون هامسين بعبارات التعجب والاستنكار التالية:

ــ أي أمن اجتماعي، وكلمة أمن نفسها، وبرغم رقة حروفها وليونتها، وما أسبغها عليها معجم العربية من وردي المعاني، إلا أنها ترادف في المعجم المقابل، معجم المعاني الجماهيرية: الموت، وربما شيئا أكثر رعبا من الموت!

ــ أي أمن اجتماعي يشعر به الفرد، وهو يرى دم البريء يسفك في ألق الضحى والناس شهود!

ــ أي أمن اجتماعي يشعر به موظف المائة دولار في دولة نفطية وهو يرى السارقين يتنافسون أيهم يمارس سرقته المليونية أمام أكبر عدد من العيون!

ــ  أي أمن اجتماعي والفساد الإداري والاقتصادي والسياسي يتحكم في مفاصل الدولة، حتى لونت صبغة الفساد القاتمة وجوه الأشخاص المعدودين المتناوبين على التواجد في تلك المفاصل وميزتهم، وإذا ما صادف ورأيت بينهم وجها غير مصبوغ بتلك الصبغة، فسرعان ما تدرك أن ذلك الشخص قد اخطأ الطريق!

ــ أي أمن اجتماعي وبطاقات الميز العنصري القبلي توزع في الخفاء على خفيفي العقول سفهاء الأحلام، حتى تكاثروا، وصنع منهم الدكتاتور جيشا سرعان ما خلع شعار الوطن وعلق شعار القبيلة، حتى حلت أسماء القبائل محل أسماء أركان الجيش والمؤسسات الحكومية النافذة!

ــ أي أمن اجتماعي وكل يوم يمر يخطف فيه غول المخدرات فلذات الأكباد الذين حولهم الإدمان من صبيان أبرياء يستعجل آباؤهم بلوغهم ونضوجهم، إلى مارقين أشقياء يتمنى ذووهم موتهم!

تحامل بركان الخوف والبأس الاجتماعي الشديد هذا، ولم يكن أمامه بعد هذا التحامل إلا الانفجار. وانفجر البركان، وغطى سواده الوطن بأكمله، لتجري تحت سحابة دخانه حرب منكرة يخجل من ذكرها حتى الذي كسبها!

ولئن أفلحت الحرب في إسقاط رأس الخوف، ولكنها لم تفلح في إسكات من لم يزل يصرخ قائلا:

ــ  أخاف من الذي لا يخاف من الحاكم، والذي لا يقيم للدين والعرف والقانون أي حساب!
ــ  أخاف من الذي لا يرعوي من الطوق الاجتماعي حوله!
ــ  أخاف أيضا، وبشدة، من الذي لا يراني إنسانا مثله، بل يراني وحشا ينازعه فريسته!
ــ  أخاف كذلك من ابن الوطن الذي يقلب التنافس المحمود بيني وبينه إلى صراع وجود!
ــ  أخاف من الذين لا يشبعون!
ــ  أخاف من الحمقى والسفهاء!
ــ  أخاف ممن عربدت الهرمونات العدائية الطبيعية والصناعية في دماغه، فلا يستطيع أن يراني على حقيقة هيئتي كإنسان، بل شيئا آخر مختلفا يجلب له التقزز والغثيان!
ــ أخاف ممن أصبح البارود ومستوعباته جزءا من زينة بيوتهم وألعاب أطفالهم!
ــ أخاف من الذين تصلبت طبلة آذانهم، فيسمعون دوي الانفجار كما لو أنه شقشقة أطيار!
ــ  أخاف من المتألهين، والذين على الله متألين!
ــ  أخاف من الرماديين والمنافقين!
ــ  أخاف من الذين يرون الدموع ماء والدم نبيذا!
ــ أخاف من الذين يعاينون الخطر بأم أعينهم فلا يرعوون ولا يبالون!
ــ أخاف من الذين يطعمون الناس سما وموتا مؤجلا مقابل زيادة خانة أو خانتين في رصيد حساباتهم!
ــ أخاف من صبي للتو أضحى شابا، ثم انخرط على الفور في استحثاث كامل غرائزه وجميع نزواته وصار يتشامخ ويتعالى بها على كل شيء!
ــ أخاف من ذلك المخزون الاستراتيجي من أصناف المخدرات، والتي لن يجد مروجوها الأقوياء صعوبة تذكر في إلقامها لفلذات أكبادنا الغافلين.
ــ أخاف ممن أسكرته العصبية والقبلية فلا يرى القبيلة جزءا من البلاد ولبنة في صرحها، بل تراه يرى البلاد مجرد حصاة في أحد وديان قبيلته البدوية القصية!

كل أنواع الأخطار عاليه معروفة، وهي تتوزع في قطاعات مختلفة  تتولى شانها وزارات وأجهزة الدولة، إلا أن الدور المتوخى من وزارة الرضاء والأمن الاجتماعي المقترحة أن تلعبه، هو قيامها بدور المجس الحساس الذي يتحسس أعراض تلك الأخطار قبل وصولها، والقيام بمهمة التنسيق بين أجهزة الدولة وهي تتعامل مع هذه الأخطار وتحاربها.  

إن وزارة الرضاء والأمن الاجتماعي سوف يكون أمامها عمل عاجل قصير المدى يتمثل في لم شمل الوطن، وذلك بالإسراع في عقد مؤتمر وفاق وطني يضم جميع أطياف المجتمع الليبي ممن يرون ليبيا فوق كل الخلافات.

كما أن لوزارة الرضاء والأمن الاجتماعي عمل طويل المدى، تقوم الوزارة من خلاله بالعمل على استئصال كل ما غرسه نظام الاستبداد والدكتاتورية من بذور خوف وانعدام ثقة بين الليبيين، وتزرع بدل ذلك بذور الأمن والثقة والأمل.

المواطنون الليبيون في عمومهم مرعوبون ومحتقنون نفسيا، وذلك بسبب ما تراكم في نفوسهم من سحق معنوي، جراء عدم الشعور بالأمن الاجتماعي، وهي حالة لا يجد الناظر في عين أي ليبي صعوبة في إدراكها.

لا يمكن لنا أن نرقى بمستوى رضاء الليبيين عن معيشتهم في وطنهم، وبلوغ نسبة الرضاء التي أحرزتها الإمارات مثلا، والتي بلغت 90%، دون أن نوكل هذا العمل الجبار إلى وزارة بعينها تستهدف أول ما تستهدفه نزع الخوف من قلوب الليبيين وحقنها بالرضاء.

وليس لدينا أي شك في أن الرضاء والأمن الاجتماعي سوف يكون له الحيز الأكبر في أجندة الحكومة، إلا أن إقامة جسم متخصص يناط به تحقيق هذه المهمة في أقصر مدة ممكنة، مما يزيد في تسارع تحقيق هذه الغاية التي تأخرنا كثيرا في الوصول إليها.

محمد عبد الله الشيباني


ليست هناك تعليقات: