الاثنين، أغسطس 20، 2012



حاكموا سيفا. دعوه يتكلم، فربما منه نتعلم!


العدل ميزان كبير بطول وعرض الكون، ومهما اختلف المختلفون، فإن حيزا ما بين كفتي هذا الميزان العملاق سوف يستوعبهم، وسيجدون فيه قاعدة معيارية تترجم فعل كل منهم إلى أوزان قانونية مطلقة مجردة، ثم تضع هذه الأوزان في كفة كل خصم، وتقرأ على الملأ ما كتب الميزان.


أكبر الخصوم وأخطرهم في ساحة الخلاف الليبي القائم، هو المتهم الأول: معمر القذافي، وهو الذي عليه اختلف الليبيون؛ فشطرٌ منهم برّأه وناصره، وشطر آخر جرِّمه وحاربه. ولو أن القذافي حي لوجبت محاكمته محاكمة عادلة، ولأسكتت مطرقة القاضي صخب المتخاصمين مهما علا.


المتاح محاكمته الآن هو سيف ابن القذافي، وهو لا يمكن مؤاخذته بما فعل أبيه، ولكن في محاكمته محاكمة لمرحلة هامة وخطيرة من مراحل النظام السابق، عليها الآن يختصم الخصوم ويختلف الليبيون.


حاكموا سيفا؛

دعوه يُسمع الجميع بأنه كان أحد الليبيين الذين ضاقوا ذرعا بالجماهيرية وسلطة الشعب وتصرفات أبيه الخرقاء. دعوه يردد ما كان يردده وهو يُعد نفسه لوراثة أبيه، وكيف كان يحلم أن يرى ليبيا التي أفسدها أبوه ورجال أبيه.


في أحد خطب سيف التصحيحية منذ سنوات ظننت أن الرجل انقلب على أبيه!


حدثني من خلا بسيف واستمع إليه وهو ينتقد نظام أبيه، بأنه كان يغشاه الخوف وهو يستمع لما يقول سيف عن أبيه ونظام أبيه ورجال أبيه!


في ليلة إلقاء سيف لخطابه المشهور في بداية الأحداث، دخل سيف إلى مقر الإذاعة التي ألقى منها الخطاب، فوجد في استقباله علي الكيلاني، فبادره سيف بعبارة: "خربتونا بيتنا الله يخرب بيوتكم"! لا أجد تفسيرا لذلك سوى سيطرة البطانة على ملك الملوك، وهي التي هدمت بيته!


ربما حاول سيف التحرر من أذرع الإخطبوط، إلا أن مركز قُمَّع الإعصار الذي صنعه أبوه مستعينا بأقطاب نظامه من أعضاء اللجان الثورية وعتاة الأجهزة الأمنية وموالوه من القبيلة القذافية، قام بجذب سيف بقوة إلى الداخل، فتحطمت بوصلته وانخرط في الحرب ضد من كان يمَّنيهم بليبيا الغد والديمقراطية والرفاه والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.


يجب علينا أن نقف قليلا، بل ونطيل الوقوف، في تلك اللحظة التي خلع فيها سيف بذلة عدم قناعته بنظام أبيه، وقيامه باستبدالها بسيف ودرع حاول أن يحمي بهما خيمة أبيه، ولكن بدون جدوى.   



هذه اللحظة، وبكل أسف، تمددت تسعة أشهر، وشملت الآلاف غير سيف، وسببت ما سببت من خسائر، وها هي الآن تتمدد أكثر لتصنع في النسيج الليبي الرخو شرخا عميقا بعمق مليون ذراع.


حاكموا سيفا؛

دعوه يظهر ما كان عليه نظام أبيه من فساد، دفع الابن إلى انتقاد ما يفعل الأب!

حاكموا سيفا؛

دعوه يكشف بعض ما كان يجري في خيمة أبيه، ويصف لنا   حال أبيه، وقد تحلق حوله مريدوه الأصفياء من لجان ثورية وغيرهم يزينون ما أوحى الشيطان إليه.

حاكموا سيفا؛

دعوه يظهر لنا النقطة التي تحامل فيها جبل الخطايا للنظام السابق، ووصوله إلى نقطة اللاعودة، والتي عندها يفقد صانع الأخطاء القدرة على التصحيح والتوبة، برغم إتاحة ذلك للجميع، إلا من أبى!


حاكموا سيفا؛

دعوه يكشف لنا عن أسرار الخريطة الجينية لأبيه، والتي لابد وأن بعضا من حلقاتها تشابه تماما الخريطة الجينية لإبليس الذي فقد السيطرة على تغيير مسيره، رغم تيقنه من سوء مصيره!


حاكموا سيفا؛

دعوه يتكلم ليؤكد لنا حال بيت القذافي وأسرته الصغيرة، وكيف كان أهل هذا البيت ينظرون إلى العائلة الليبية الكبرى، وذلك حتى يعلم الليبيون جميعا حقيقة ما يشاع عن ذلك البيت!


حاكموا سيفا؛

دعوه يكشف لنا سر انقلاب الرؤساء من أصدقاء أبيه على أبيه، وكيف تداعى من بعدهم العالم كله بإنسه وجنه وشجره وحجره على الحاكم الذي قرر حرق شعبه!


حاكموا سيفا؛

دعوه يصور لنا الصورة التقريبية المتوقعة التي رسمها الخبراء العسكريون لبنغازي بعد إطلاق سيف لكلمة السر المرعبة المنشورة على الأثير: "it is too late  "، وذلك في إشارته لعدم جدوى أي عمل يحول دون المذبحة الجماعية لأهل بنغازي!


حاكموا سيفا؛

دعوه يكشف لنا عن الذي لا نعرفه من ثغور مكشوفة في جدار الوعي الليبي، والتي من خلالها تمكن القذافي من سوقنا أربعين عاما وزيادة نحو حتوفنا!


حاكموا سيفا؛

فربما لا زالت تلك الثغور مكشوفة، وبدل أن كان ثوريو سبتمبر يعلقون عليها شعار" الفاتح أبدا"، يعلق عليها أشباه الثوار الآن عبارات أخرى وهمية!


حاكموا سيفا؛

فقد تجدون أشباها كثرا لسيف، وقد فعلوا ما فعل سيف، فحلموا كما حلم بليبيا الغد، ولكن إعصار القبلية والفئوية والفساد أخذهم بعيدا عن ساحة التحرير وميدان الشهداء، وقذف بهم من ساحة الحرب ضد الطغيان إلى زوايا مظلمة وقاعات اجتماعات منزوية مشبوهة يعربد فيها الطغيان!


حاكموا سيفا؛

فربما الكثير من مناصري النظام السابق الذين يستمعون إلى الأسئلة الموجهة لسيف أثناء محاكمته، سوف يحاولون هم أيضا الإجابة عن هذه الأسئلة، ويحددون بذلك موقعهم من سيف ومن نظام أبيه، وحتى من مصيره ومصير أبيه!


حاكموا سيفا؛

فإن في وقع مطرقة القاضي الحد الفاصل بين المشتبهات الكثيرات، تلك المشتبهات التي يتخلل ورمها الجسم الليبي ويفتته أشلاء!


حاكموا سيفا؛

فلابد أن القضاء بهذه المحاكمة سوف يسجل الكثير من السوابق القانونية، والتي سوف يكون لها مكانا بارزا في محاكمة الكثير من الليبيين من أشباه سيف!


لو كان لي رأي في أمر القذافي ساعة القبض عليه لفضلت مساومته على الإبقاء عليه حيا مقابل تزويد الليبيين بتسجيل كامل عن سيرته، وذلك من أجل اكتشاف أدغال تلك الحقبة السوداء وما فعل شياطين الظلام فيها، والذين لم يكفهم اقتطاع أربعة عقود من دولة وليدة، بل نراهم الآن يمدون مخالبهم إلى الحلم الليبي الرهيف من أجل وأده ودفنه في تراب الحقد والتشاحن والتباغض والانتقام.


حاكموا سيفا، وأذعنوا لحكم القضاء العادل فيه، والذي لن يكون عادلا إلا إذا ذيل منطوق حكمه بعبارة تفيد بسريان الأحكام التي صدرت في حق سيف على كل من فعل فعل سيف، وكذا فعل أبي  سيف.


محمد عبد الله الشيباني



ليست هناك تعليقات: