الجمعة، مارس 01، 2013

نفق الموت


نفق الموت الواصل بين "السواني" و "العزيزية"!

تمَّ منذ بضع سنوات تجديد الطريق المزدوج الرابط بين طرابلس والعزيزية مرورا بالسواني، إلا أن من قام بالتجديد لم يتطرق البتة لإجراءات السلامة، ولم يهتم مطلقا بعوامل الأمان لهذا الطريق الخطير المهم.

فعلى مدى حوالي الثلاثين كيلومترا، لا ترى أمامك إلا بساطا اسفلتيا يشقه من الوسط فاصل ترابي، انتشرت فيه أعمدة إنارة تتهددها الأخطار المحذقة بها من كل جانب، حتى أنه لم يصمد منها وينجو سوى المحظوظ. وعلى جانبي هذا البساط الأسود الطويل تتكدس المحلات التجارية والورش وغيرها دون أي فاصل بينها وبين هذا الطريق السريع المريع. كما تصب في هذا الطريق العديد من الطرق الأخرى الفرعية.

العربات بجميع أنواعها؛ بدءا من السيارات الصغيرة الخاصة، ومرورا بسيارات الركاب، وانتهاء بالشاحنات الكبيرة ذوات المقطورتين، كلها تركض في ماراثون حر، لا ضابط يضبطه، ولا قواعد لعب تحكمه!

وبطول هذا الطريق الممتد لا تجد إشارة ضوئية واحدة أو علامة تنبيه يتيمة، كما لا تجد رجل أمن أو شرطي مرور ولا حتى (ثائر) رغم كثرة الثوار، وذلك باستثناء بوابة واحدة خشنة مقززة مهجورة، تنتصب في كل جانب منها حاويتين كبيرتين وضعتا فوق بعضهما، وهما بانتصابهما الغبي هذا فاقما من أخطار هذه الطريق عوضا عن بعث الأمن والأمان فيها.

المجسات الغريزية لقائدي المركبات التي يزخر بها هذا النفق هي وحدها التي تنظم الحركة في هذا المضمار المكتظ، وقانون توازن الرعب هو القانون الوحيد المسيطر على طوابير الألغام الطُّنيِّة الهائجة الملتهمة الأرض، والمتوعدة بالتهام السائرين عليها، وذلك ربما ضجرا بما ناء به عاتق بعض هذه المركبات من فرط حمولة، أو بما فاق جهد بعضها الآخر من سرعة!

في طريقي الطويلة المستوجبة قصر الصلاة إلى مقر عملي بالشركة الحكومية الاستثمارية المالية الكبرى، والتي قذف بها الجماهيريون الحمقى فوق قمة جبل غريان، ثم عنَّ لهم بعد عقد من الزمان دحرجة لعبتهم إلى قاعدة الجبل، حيث استقرت عند قدمه هناك في بيداء الهيرة، يتذبذب مؤشر سرعة سيارتي الصغيرة التي أركبها في اضطراب ملحوظ فيما بين خطي السبعين والثمانين كيلومترا، متجاوبا في اضطرابه هذا مع ارتعاشة قدمي على دواسة البنزين، حيث لا أستطيع فسيولوجيا تجاوز هذه السرعة وأنا أسير في الغابة الاسفلتية الفاصلة بين السواني والعزيزية.

مؤشراتي البيولوجية الواهنة هي الأخرى تتحرك وتضطرب تبعا لعدد مرات إحساسي بكتل الريح التي تقذفني بها تلك الأفيال الفولاذية الطائشة، وبما يصعقني به صوتها المركب من تلك الخلطه المرعبة الجامعة بين زمجرة المحركات وصرير العجلات وزئير أبواق تلك الشاحنات ثنائية المقطورة المحملة بأقصى من حمولتها والمنطلقة ربما بضعف سرعتها المعقولة.

أرجعني هذا المشهد الدرامي بسرعة إلى صفوف الدراسة، وما كنا نقرأه عن الجسم وحركته، حيث كنا نقوم بضرب وزن الجسم المتحرك في سرعته لنعلم كمية حركته، وأسأل نفسي: هل يمكن لشاحنة بوزن مائة طن وتسير بسرعة تزيد عن المائة كيلومتر في الساعة أن يتمكن سائقها عند الحاجة من التحكم في كمية حركتها وكبح جماحها في مدى زمني ضيق بضيق ما في نفق الموت من هوامش؟!

الجواب، وبالخط العريض: لا يمكن!
أو يمكن، ولكن .......................
حيث يعلم سائق أي شاحنة أن مجرد الاقتراب من فرامل الشاحنة المحملة والسائرة بسرعة عالية، كما هو الحال في نفق الموت، يعني بالضبط انقلاب هذه الشاحنة وتحطمها وهلاك من فيها؛ وعلى هذا فإن سائق الشاحنة الماكر في كامل الاستعداد لطحن أي من الكائنات الصغيرة التي يقذف بها حظها العاثر أمام فيله الهائج.

ولهذا السائق أقول: إن مجرد صوم شهرين متتابعين ودفع الدية الشرعية لأهل القتيل وربما القتلى لن يقوما بمحو ما ارتكبت من كبيرة وسفكت من دم، وإنما الذي يبرؤك هو التزامك بأقل من السرعة المحددة قانونا، ذلك أن هذه السرعة تم تحديدها لطريق تتوفر فيه شروط الأمان وليس لنفق موت كهذا!

إذا ما أضيفت هذه المعلومة الصادمة إلى ما يعرفه الجميع عن معظم سائقي هذه الشاحنات من استخفاف بالكائنات الصغيرة التي تحوم حولهم، والتي من بينهم بطبيعة الحال سيارتي وسيارات العشرات من زملائي الموظفين بتلك الشركة المنكوبة وربما آلاف غيرهم، وكذا ما نعرفه عن هؤلاء السائقين الذين لا يتقنون عند اقترابهم من ضحاياهم الصغار سوى الضغط المتواصل على الأبواق ذات الصوت المرعب المزلزل، ولا يلجئون إلى الفرامل إلا غريزيا عند اقتراب حد السكين من حلقومهم .. إنك إذا أضفت كل ذلك إلى ما سبقه فسوف تدرك أن ضحايا أي حادث يقع بنفق الموت المذكور سوف يكون عدد ضحاياه بالعشرات لا قدر الله.
  
يدفعني فضولي دائما إلى قراءة وجوه الكائنات البشرية ذات الملامح والأفعال المثيرة، وإذا ما صادف واستطعت اختطاف نظرة بطول لحظة وبسمك ومضة من وجوه تلك الكائنات البشرية التي تعتلي ظهر تلك الألغام الطائرة في ذلك المضمار الحر؛ فلا أرى في تلك الوجوه ذات التقاسيم الحادة إلا حلبة حرب موازية للحلبة الاسفلتية، وحيث الصراع هناك على أشده بين هرمونات صغار السن من سائقي الشاحنات.

حدثت نفسي أكثر من مرة بطرق باب إحدى الجهات الرسمية التي يقع في نطاق اختصاصها نفق الموت المرعب؛ من مثل شرطة مرور العزيزية، أو مجلسها المحلي، أو غيرها من جهات مسئولة، وذلك في محاولة مني للفت نظرهم إلى الأخطار التي يزدحم بها طريقهم، ولكنني كنت أحجم عن ذلك بسبب يقيني بأن هؤلاء المسئولين لا ينقصهم علم بما في الطريق من شرور، وإنما، وبكل تأكيد، هم غير رهيفي الشعور.

أرجو أنني قد أفلحت بما ذكرت في دق ناقوس الخطر، والذي أهيب من كل قارئ مقالتي هذه أن يعيد طرقه بالكيفية التي يستطيع، علَّ ازدياد الطرقات، يجنبنا  ما يتربص بنا من مصائب وويلات.

كما أرجو من المسئولين المارين من نفق الموت هذا صباح مساء أن يستشعروا ما استشعرت، ويقوموا بالمسارعة بعمل ما يستطيعون من أعمال، ولو بنشر مجموعة من الكوابح والمطبات البسيطة وغير المكلفة على طول امتداد الطريق.

أخيرا أهيب بالجهات القضائية المسئولة اعتبار هذه المقالة صحيفة دعوى، موضوعها ما بينت من خبر، ضد من يعنيهم الأمر، ولصالح  من يتهددهم الخطر.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: