الاثنين، مارس 04، 2013

القذافي يتساءل



بعد عامين من إسقاطه دمويا؛ القذافي يتساءل مستغربا: ألأجل هذا كان  كل ذلك؟!

القذافي الذي حكمنا أزيد من أربعين عاما هو الآن في دار الحق، ولابد أنه كثير التوق والتساؤل عن كل ما حدث بعده؛ كما أن أسئلته في ذلك العالم الشفاف سوف تكون منطقية وواقعية وخالية من روائح وأدران حياته الحيوانية التي حولته غرائزها ونزعاتها المنفلتة من إنسان في أحسن تقويم إلى شيطان رجيم.

أيضا ستكون أسئلة القذافي انعكاسا مباشرا لمجموعة الانتقادات المحلية والدولية التي كانت توجه إليه خلال فترة تسلطه الطويلة، وعلى الأخص مضمون ما ألهبنا به حناجرنا من شعارات نارية، والتي لولا برد فبراير لأحرقتنا وأحرقت كل شيء حولنا؛ وذلك عندما انفجرنا كرها واستنكارا واشمئزازا من كل ما حوت الجماهيرية البائدة من صنوف التسلط والظلم والجور والتخلف والفساد والعبث والتبذير والإسراف وانعدام الشفافية، وغير ذلك.


وبوجود القذافي في دار الحق فلابد أنه أذكى وأنقى وأصفى ذهنا بكثير عما كان عليه في الدنيا، وبذلك فهو لن يتطرق إلى السؤال عن الشكليات؛ من مثل السؤال عن لون علم ليبيا الجديد، ونشيدها الوطني، واسمها الرسمي، وأسماء مجالسها المتعددة، وأسماء أعيادها الوطنية المستحدثة،

ومن باب أولى فإن القذافي لن يشغل باله بالشكل الجديد للوحات سياراتنا، وخلو البعض الآخر من أي علامة دالة عليها، حتى أنها بعد تعميتها بذلك السلفر الأسود تبدو وكأنها روبوت معدني قادم من كوكب بعيد.

سوف لن يكترث القذافي بما حدث من تغيير في أسماء شوارعنا ومياديننا ومدارسنا ومساجدنا ولا حتى ما حصل بالأخيرة من تغييرات جسيمة، كتبدل سحنة أئمتها وخطبائها، وامتلاء رفوفها بالمنشورات والمطويات، وما حصل لبعضها من إزالة بسبب التطوير وربما التطيير كتطيير مسجد الشعاب من على وجه الأرض، وما حدث من تطوير بلدوزري خطير بمساجد ودور عبادة أخرى. 

كذلك فإن رئيسنا المقتلع هو الآخر بلدوزريا من أجل التطوير لن يكترث إلى ما حدث لألسنتنا البشرية المنغرسة في حلوقنا من تطور واستطالة حتى تدلت من أفواهنا وغطت الفضاء السمعي الأرضي حولنا بما صنعنا وربما تصنعنا من ملاحم، وبما سطر الثوار الأحياء وخاصة الغنائميون منهم من مجد وفخار.

أيضا لن يكترث القذافي لما حدث لألسنتنا الصناعية التي انفجر بها حقل أثيرنا البكر فامتدت سيقانها قنوات سامقة تخللت فضاء السماء لتخبر هي الأخرى ساكنيها بما صنعنا، متخذة من تكرار واجترار مأساتنا الوطنية موردا رئيسيا لساعات بثها الطويلة المملة.


المسيرات الكيلو مترية الراجلة والراكبة التي استورد القذافي ماكينتها الأولى وسخرها في تفريخ المؤيدين المرتزقة لن يرف للقذافي جفن حيالها، وذلك لما يعرف من خوائها وقلة المادة الفعالة في نسيجها البلدي الثقافي البسيط، وخاصة بعدما خانته عدداتها ودلست عليه كاميراتها محولة مليونيات تأييده إلى جنازة له ولنظامه.

وبرغم أن القذافي لم يسمع بكلمة حزب ليبي أو جمعية أو غيرها إلا من خلال تقارير إدارة الزندقة، إلا أنه لن يكترث إلى عشرات وربما مئات اليافطات الملوحة بأسماء عشرات الأحزاب ومئات الروابط والجمعيات التي سيحقق نصيب الفرد الليبي فيها رقما عالميا قياسيا.

نعم سيتجاهل القذافي كل انجازاتنا الكرتونية تلك ولن يتطرق إليها، وذلك لأن هذه الأعمال لم تكن هي محور الخلاف بيننا وبين القذافي، كما أنها ليست هي المبرر الذي لأجله سالت دماء عشرات الألوف من الليبيين، وأهدرت مئات المليارات.

حدسي يقول لي بأن سؤال القذافي الأول سيكون عن الديمقراطية، وعما إذا كان مستوى توقنا وتلهفنا للحصول على هذه الأيقونة يكافئ مستوى النجاح في الحفاظ عليها وإتقان لعبتها الخطيرة.

أما سؤاله الثاني فسوف يكون بدون شك عن مدى قدرتنا على إدارة مواردنا، والتي كانت في صلب مشكلتنا معه، وذلك لما  مارسه من هدر لهذه الإمكانيات، ولما عرفناه عنه من سفه وتبذير بحقها، ولما تجرعناه من حسرة وألم حرماننا من مقدراتنا طوال فترة حكمه حتى تراكم كل ذلك وصنع التسونامي الليبي الشهير.

أما العدل واحترام حقوق الإنسان فسوف يثير القذافي أكثر من سؤال حياله، وذلك لأن صحيفة اتهامه، التي لابد أنه أُخطر بها من قبل المدعي العام الأعظم، مثقلة بما اقترفت يداه من تضييع صارخ للعدل وإهدار لحقوق الإنسان حتى كاد ان يكون ذلك مبرر سقوطه الأعظم.

وبكل تأكيد سيسأل القذافي عن ظاهرة المخدرات والحبوب المهلوسة التي كان مقاولها الأبرز، وفيما إذا تمكن الليبيون من التصدي لهذه الظاهرة المرعبة.

لن ينسى القذافي البنية التحتية التي تركها في أسوأ حال، والتي كثيرا ما عيرناه بإهماله لها، وحلمنا باليوم الذي تنطلق فيه أيدينا ببناء بلدنا وتطوير مرافقها.

سوف يتساءل القذافي، وربما بتشفي هذه المرة، عن الحالة التي عليها بنياننا الاجتماعي الآن، والذي هددنا ابنه بترديه بمجرد الإطاحة بنظام أبيه.

أمننا الداخلي وأمننا الخارجي وشرطتنا وجيشنا وحكمنا المحلي، سوف يطرح القذافي عديد الأسئلة حيالها، وعما إذا كانت في مستوى ما حلمنا به وثرنا من أجله.

الصحة والتعليم والتوظيف، وربما الدبلوماسية، والاستثمارات،  هي أيضا سوف تكون مثار أسئلة القذافي لأنها مركز اهتمام الليبيين ومصدر شكواهم وتذمرهم الدائم.

الملاحظة الجديرة بالتسجيل أن عين القذافي وهو يسأل كل هذه الأسئلة لم تتحول أبدا من على المؤشر الحضاري للمجتمع الليبي، ذلك المؤشر الذي أوقف  القذافي كل تروسه عن الدوران عقودا طويلة حتى تجمد في مكانه مشيرا إلى القذافي حيا وميتا، وموجها إليه التهمة الكبرى والجريمة الأنكى، ألا وهي شل إرادة بني الوطن، وسرقة وإهدار أرزاقهم، وحرق أوقاتهم وأعمارهم.

وكلما أثار القذافي سؤالا، وأجبنا عليه بما يعبر به لسان حالنا وبما نحن فيه، قذفنا القذافي باللازمة المرعبة وبتشف ظاهر: ألأجل هذا كان كل ذلك؟!

ورب سائل يسألني مستنكرا عن سبب استدعائي لشخصية القذافي في هذه الأقصوصة الركيكة، وربما يذهب بسؤاله بعيدا حتى درجة إساءة الظن بي!

وعن ذلك أجيب:

إني عدت بالزمن عامين إلى الوراء، فوجدت شخصية القذافي وما يسكن ظلها من مثيرات قوية للثورة على الطغيان قد أفلحت في لم شعثنا وضم صفوفنا وتوحيد هدفنا ومضاعفة قوتنا حتى أننا صنعنا شيئا أشبه ما يكون بالمعجزة!

ونظرت إلى حيث نقف الآن، فلم أجد شيئا من تلك المثيرات الإيجابية التي نحتاجها لصنع الهدف الجماعي الواحد والاصطفاف وراء قيادة واحدة من أجل قطف ثمار معجزة الثورة التي أهدتها إلينا السماء.

ثم إني فعلت ذلك أيضا لأن القذافي في حربه الناعمة والخشنة معنا كان يمثل التحدي الأكبر لنا، وكان لسان حالنا دائما يقول: من رماد القذافي سيخرج فينيكس ليبيا.

كذلك فإنني قمت باستدعاء شخصية القذافي لأنني رأيت أن هذه الشخصية قد وصلت بالعقدة الدرامية لتراجيديتنا الوطنية إلى ذروتها وقمة إثارتها، وذلك عندما انفجرت مكونات هذه الشخصية حتى سد حطامها ورمادها الأفق، وظللنا نعلق أعناقنا وأعيننا بهذا الأفق منتظرين فينيكس ليبيا الذي صار تأخر انبعاثه مبعث قلق الكثيرين.

إني قلق، ومن خيوط قلقي المتشابكة صنعت أسئلة القذافي المذكورة بأمل أن تصنع هذه الخيوط صاعقا ذهنيا وعقليا ينتشلنا من سكرة انتصار الجولة الأولى التي طالت كثيرا بل أضحت إغماءة.

أما الذي سيصعقنا ويخرجنا من سكرتنا ويوقظنا من إغماءتنا بحق، فهو تطابق أسئلة القذافي المذكورة مع أسئلة شهداء الوطن كله الذين قدموا أعز ما يملكون من أجل الإجابة الإيجابية عن الأسئلة عاليه، والتي ملخصها: ألأجل هذا كان كل ذلك؟!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com







ليست هناك تعليقات: