الجمعة، يونيو 28، 2013

400%

400%، أو إحدى بالوعات المليارات!!

قبل أشهر مضت، طرح سيادة رئيس المؤتمر الوطني آنذاك، الدكتور محمد يوسف المقريف، سؤالا استفهاميا استنكاريا كبيرا بخصوص قيام حكومة الكيب بصرف مبلغ 5.5 مليار دينار، وتساءلت وتساءل الكثيرون مع الرئيس، وتحسروا وتعجبوا كما تحسر وتعجب، وبلعنا كلنا غصة ذلك السؤال بما أدلى به المسؤول من جواب!

بالأمس تكررت نفس الحالة وطرح رئيس الحكومة، مستنكرا، نفس السؤال عن مليارات أخرى تم تسييلها من أجل بناء الجيش؛ وبالقطع سيكون الجواب جاهزا، وربما نسخة مطابقة تماما لجواب السؤال الأول، وتتكرر الغصة، وتتعاظم الحسرة لضياع المليارات من قوت الشعب المبتلى المسكين!

عندما تستغل غفلتي وتبيعني سلعة بأربعة أضعاف سعرها السائد، فإنك ببساطة محتال سارق، والحكومة التي أعطتك تصريح بيع هذه السلعة تشاركك جريمتك، والمجتمع الساكت عن جرائمك هو أيضا متواطئ معك، وجميعنا في نهاية الأمر سارقون مخطئون خاسرون.

وقعت في يدي كراسة مقايسات لتنفيذ صيانة مبنى حكومي يقع في قلب مدينة طرابلس، ولفت انتباهي شيء بسيط جدا، ولكنه في نفس الوقت مهم وخطير جدا، حتى إنه قد يجيبنا على تساؤلاتنا الصانعة غصاتنا، ويرينا بالوعات ملياراتنا!

تضمن بيان هذه المقايسة ضمن ما تضمن من أشياء مثيرة كثيرة على تسعير متر الطلاء الخارجي، الجرافيت، بمبلغ عشرين دينارا! شخصيا، قمت هذه الأيام بطلاء بيتي بنفس الطلاء، وبمبلغ خمسة دنانير!

بيان هذه المقايسة المؤسس على عقد صيانة رسمي، يفترض أنه مر على أكثر من غربال رقابي وبوابة محاسبية، ولكن كل تلك الغرابيل والبوابات الرقابية لم تتمكن من رؤية جمل يعبر خلال فتحاتها التي صممت لتنقية ما هو أصغر من الجمل بكثير!

إجمالي تكلفة هذه الصيانة كما أظهرها بيان المقايسة حوالي المليون دينار، إلا أنه ووفق سعر السوق لا يجب أن يزيد عن ربع المليون!

المليارات الخمسة وزيادة التي صرفتها حكومة الكيب، والمليارات الثلاثة تقريبا التي صرفت للجيش، وبما مجموعه ثمانية مليارات ابتلعتها البالوعات، كان من الممكن ألا تزيد عن مليارين اثنين، وكان من الممكن أيضا أن خزاناتنا وليس بالوعتنا بها الآن ما ضاع من ملياراتنا!

لابد أن مناخل وبوابات الرقابة موجودة، ولكنها إما واسعة الثقوب فارهة الجيوب حتى أن جملا يعبر خلالها بسلام وأمان، أو أنها صدأة متكلسة لم يمر من خلالها أحد منذ زمن طويل.   

في هذا الزمن الرديء الذي نعيش، وفي هذا الوضع المنفلت الذي نعبر، وكما ترعبنا وتفزعنا اختراقات حدودنا، وتغول المتسلطين منا علينا وعلى دولتنا الوليدة، فإن اختراقات المحتالين، ومن يتواطئ معهم من أفراد فاسدين، وما يتكئون عليه من أجهزة وأنظمة رقابية بالية، هم أيضا بنفس درجة الخطر والرعب والفزع، وربما أكثر!

على أجهزة الرقابة المالية والإدارية أن تجرد سيفها من غمده، وتعلن درجة الطوارئ القصوى في كافة أرجائها المستباحة الآن من الحامي والحرامي!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: