انتبهوا! أجهزة التنبيه
عاطلة!
ليس هناك صوت أرعب
من صوت جهاز التنبيه، أيُّ تنبيه، بدءا من صوت منبه الساعة، وانتهاء بصوت التحذير
من قرب انفجار بركان يتحامل، أو موجة تسونامي تتعاظم!
وليس هناك من شيء
في عالمنا الذي نعيش إلا وينتصب عليه جهاز تنبيه ملتهب البريق مزمجر الصوت، حيث يقع
هذا الجهاز في نقطة زمنية نحيلة حادة تفصل بين مدائين زمنيين؛ أحدهما واسع رحيب، والآخر
ضيق مرعب كئيب!
لابد من سماع
أصوات أجهزة التحذير رغم زلزلتها للقلوب، ولابد من رؤية مؤشراتها رغم خطفها
للأبصار. أما تغطية هذه الأجهزة وحجبها، وصم الآذان عن أصواتها، فهو بحق المصيبة
الكبرى والكارثة العظمى!
من منكر ما يؤثر
على بعض سائقي سيارات نقل الركاب النزقين قيام هؤلاء السائقين بوضع قطعة قماش معتمة
فوق مؤشر عداد السرعة، وذلك لحجب قراءة العداد عن بقية الركاب الذين غالبا ما
يبدون تذمرهم، وربما خوفهم من جريمة السرعة العالية التي يقترفها الكثير من السائقين
المتهورين.
القيام بحجب
مؤشرات عدادات قياس حجم الخطر، وكتم صوت إنذار وقوع الكارثة، أو غض الطرف وصم
الأذن عن ذلك، لهو بحق تصرف ينم عن نفسية مريضة وعقل معتل. ذلك أن النفس السوية والعقل
السليم لا يستقر لهما حال حتى يستشعرا ما حولهما، ويقوما بالإجابة عن كل سؤال يوجه
إليهما.
طبقات وأحزمة
الخطر التي تحيط بنا وتطوقنا أكثر من أن تُحصى، وسيل كوارثها على امتداد ساعات
الليل والنهار أكبر من أن يخفى.
الخطر السياسي
والاجتماعي والاقتصادي جاثم داهم، وأبواقه المرعبة ومؤشراته المتوهجة لا يهدأ لها
حال، إلا أن كبراءنا السياسيين والاجتماعيين آثر معظمهم أن يفعل فعل سائق السيارة
النزق الذي يتعمد دفن عينيه في تراب الغفلة، ويتصنع الجهل بما يضطرم به عداد السرعة
من خطر، وما يصرخ به من تحذير.
في أحزمة وطبقات
الخطر الأدنى مما يزخر به المحيط القريب من كل منا، حيث الشارع والمدرسة والمستشفى
وحتى البيت، والتي تقع جميعها في دائرة قدرة ومسئولية المواطن العادي، ترانا أيضا نفعل
فعل كبرائنا، ونقوم بدفن وعينا في تراب التغاضي واللامبالاة، بل وحتى استمراء وقبول
ما تغوص فيه أرجلنا حتى الركب من منكر الفعل والقول، والذي من علاماته ما نراه من فساد
سائد، وشر شائع منتشر!
عامان من الديمقراطية
وحرية العمل والقول، ولكننا لا نكاد نلحظ خلالهما أي فرق في تعاملنا، نحن الليبيين
الثائرين على المنكر والفساد، مع كائنات المنكر والفساد.
كائنات كثيرة
للمنكر والفساد في مدى نظر وقدرة المواطن العادي، إلا أن هذا المواطن، عامدا أو
عاجزا، يتخطى هذه الكائنات، ولا يبدي نحوها أي شعور بالكره، أو يمارس تجاهها أي
فعل بالمنع والتصدي. التشخيص حسن النية يصف هذا المواطن بأنه لا يملك أجهزة تحسس
هذه الكائنات، أو أنه يملك هذه الأجهزة ولكنه يتكاسل عن النظر إليها وشغل باله
بها. كلا الحالين سيء، بل وسيئ جدا!
نعلي عقيرتنا بطلب
حقوقنا على الوطن، ممثلا في الدولة وأجهزتها، بل ومطالبين أحيانا بإسقاط الحكومة،
إلا أننا نلوذ بالصمت ونتظاهر بالعمى عند مواجهتنا بقائمة واجباتنا نحو الوطن.
لنبدأ بإنجاز
السهل من هذه الواجبات، وأسهل هذه الواجبات هو ألا نكون شهود زور ونحن نسمع أصوات
أجهزة التحذير تصرخ بأعلى صوتها حولنا، وتحت أرجلنا، وفي بيوتنا، وشوارعنا، محذرة
من ارتفاع أكوام الأخطاء والمخالفات التي يضج بها المحيط، والتي تزداد وتكبر
بزيادة غفلتنا عنها وإحجامنا عن مواجهتها.
في المدينة حيث
يكثر البشر والخطر، يجدر بنا أن نقيم مربعا اجتماعيا طول ضلعه كيلومتر مثلا، ومن
ثم شروع نخبتنا في تجميع الصفوف وتوجيهها لإزالة الغبار عن أجهزة التنبيه والتحذير المنتشرة في هذا المربع، والمسارعة في الإجابة
عن الأسئلة الملحة التي تطرحها هذه الأجهزة. فكما نجتمع وننشئ جمعية استهلاكية تطارد شبح الجوع
والحاجة، بإمكاننا إنشاء جمعية أمنية تطارد أشباح الخوف والرعب التي تبدأ من الرعب
الصوتي الذي لوث بيئتنا السمعية وقض مضجعنا، وانتهاء بالرعب الذي يهدد المواطن في حياته
وعرضه وماله. وكما نجتمع في مواسم الاحتفالات ونطلق حملة لتنظيف يما يحيط بنا من
ميادين وشوارع وأزقة، بإمكاننا تشكيل لجنة نظافة دائمة تعمل على توطين النظافة في
محيطنا. وهكذا في كل شأن من شؤوننا البسيطة المحيطة بنا.
صرح الوطن مكون من
لبنات بعضها فوق بعض، فلا يحقرن أحدنا اللبنة التي يضع، طالما حسُنت النية، وصلُح
العمل.
صرح الوطن متداع، وأجهزة
التنبيه عاطلة!
محمد
عبد الله الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق