الجمعة، سبتمبر 27، 2013

جراحة جسيمة

جراحة جسيمة، ونقاهة سقيمة!

مهما اختلفنا على ما تعنيه كلمة ثورة ومشتقاتها، ومهما تباينت تقديراتنا لمدى انطباق ذلك على ما حدث في بلدان الربيع العربي من تغيير سياسي واجتماعي خطير؛ إلا أن حدث تزلزل صروح الاستبداد والدكتاتورية المزمنة، والقذف برؤوس الطغاة في مزبلة التاريخ، لا يمكن لنا أن نسميه بغير الثورة. إن مدى الاختلاف على الثورة؛ اسما وفعلا، تداعيات ونتائج، تقل مساحته تبعا لتطور ونمو وعافية الكائن الثوري الوليد، واستقراره في النسيج الاجتماعي الذي صنعه. وحتما سيتلاشى هذا الاختلاف عندما يبلغ الكائن الثوري نضجه، ويحقق كامل عافيته، ويتكلم بلسانه الثوري الفصيح.

قبل قيام الثورات، يترقب صانعو الثورات ومريدوها والمتلهفون إليها، وقت انطلاق شرارتها، وساعة صفر تحرك قطارها، على أحرّ من الجمر؛ إلا أن فرح هؤلاء لا يكتمل إلا بعد تأكدهم من تمام نجاح الثورة، وتعديها مرحلة النقاهة الحساسة المهمة.

مرحلة نقاهة الثورة، هي المرحلة الفاصلة بين وقت ولادة كائن الثورة، ووقت بلوغه العنفوان. خلال مرحلة نقاهة ثورتنا سهونا، نحن الليبيين، عن ثورتنا، ولم نرتب لهذه المرحلة، بل إننا أهملناها أيما إهمال، الأمر الذي سبب قصورأ فاضحا في فعل الثورة نفسه، بل إنه فتر واضمحل، أو كاد.

وفترة نقاهة الثورة، هي فترة شبيهة جدا بفترة المتابعة الطبية لمريض أجريت له عملية جراحية جسيمة ناجحة، وأتبعت، كما هو معروف، بفترة متابعة ونقاهة، وهي فترة إن لم نحسن استغلالها، فقد ينقلب بعدها النجاح الباهر الذي صنعه الجراح الماهر إلى فشل ظاهر، يتحمل وزره الفريق الذي استلم المريض من أطباء مساعدين وممرضين وغيرهم. إن انتكاس المريض بعد مرحلة نقاهة قاصرة ومعيبة، لا يمكننا أن نلوم عليه الجراح الذي أدى دوره بنجاح، بل يتحتم علينا شكره.

أعظم أطباء الثورة وحكماؤها هم شهداؤها، وهم أكثر من يتحتم علينا شكرهم والثناء عليهم بما بذلوا من مهج غالية من أجل إشعال جذوة الثورة. وأمام أرواح هؤلاء الشهداء يجب أن نصرح بأسفنا نحن الأحياء الأوصياء على ما اقترفناه من قصور تجاه الثورة في فترة نقاهتها. درجات ذلك الأسف ومستويات المسئولية تتطابق مع تلك الدوائر المحيطة براية النصر، ثم الأقرب فالأقرب.

كان من أدنى درجات الواجب على من أخذ على عاتقه صياغة خطاب التحرير قبل سنتين من الآن أن يضع  قضية فترة نقاهة المولود الثوري في قلب ذلك الخطاب، وأن يضع في ذلك الخطاب أجندة واضحة لتلك المرحلة الهامة.

خلا ذلك الخطاب من أي إشارة إلى فترة نقاهة الثورة، أو بداية العد التنازلي لساعة انطلاق قطارها بسرعته القصوى، بل على العكس من ذلك فقد أرخ ذلك الخطاب لبداية العد التصاعدي لتفاقم حالة اعتلال الثورة وقصورها عن تحقيق ما عولناه عليها.

أينما وضعت يدك الآن على جسم الثورة العليل الممدود، فلا تلمس إلا دمامل وتقرحات، وأحيانا قرقرينا لا يجدي معها إلا البتر دواء!

أن تأتي متأخرا خير من عدم المجيئ. وما دام المرور بفترة النقاهة برزخ حتمي بين ساعة تفجر الثورة، ويوم بلوغها رشدها وعنفوانها، فليس أمامنا من حل سوى تركيز مركبات النقاهة من كتابة الدستور، وبناء المؤسسات السياسية والأمنية والإدارية، ووقوفنا وجها لوجه أمام الكثير من مسئولياتنا الثورية التي تنصلنا منها سهوا وعجزا أحيانا، وتسيبا أحايين كثيرة.

ونحن نتحلق محوقلين حول كيان الثورة من أجل محاولة علاج جروحه وإنعاشه، يجب علينا التطهر من كل ما يؤذي الثورة، وتعقيم أيدينا وأرجلنا، وتطهير قلوبنا من كل الأدران والأرجاس التي بلغنا غاية طهرنا منها ونحن نتسابق إلى الشهادة من أجل الثورة على الظلم والتسلط، ثم بلغنا غاية التلوث بها ونحن نتصارع على الغنائم الزقوم من مال وسلطة ووجاهة!

ونحن نأتي متأخرين جدا إلى غرفة نقاهة الثورة، يتحتم علينا إعادة الاصطفاف، ومعاودة الفرز، وإزاحة كل الانتهازيين والمنتفعين الذين أسعدهم ما عليه حال الثورة من سقم وضعف، بل وجعلوا ذلك مطية لهم للوصول إلى غاياتهم الدنيئة.

في مرحلة نقاهة الثورة تقترب الثورة من الدولة حتى درجة التماهي، ويصبح كل من أفتى لنفسه تحت أي مبرر بإبطاء أو عرقلة قيام الدولة، أو استغل ذلك في تمرير مصلحة وتحقيق وطر، كما لو أنه قام بقطع إمدادات الحياة والشفاء لجسم الثورة الواهن الضعيف.

بدءا من المخالفة البسيطة لإشارة مرورية، ومرورا بزرع الأذى في شوارع الناس وبيئاتهم السمعية والبصرية وحتى الوجدانية، وانتهاء بالجريمة السياسية والأمنية والاقتصادية؛ كل ذلك لا زال الكثير من الليبيين يمارسه بنيات مختلفة، ولكنها تجتمع كلها على تغليب الوطر الشخصي الفئوي الشللي الغريزي على إنعاش جسم الثورة المنهك، وقيام هيكل الدولة المحطم.  

نسأل الله العفو والعافية.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

http://libyanspring.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: