الأحد، سبتمبر 29، 2013

تبا لنا عجزنا عن مجرد الولولة!

تبا لنا. عجزنا حتى عن مجرد الولولة!

ما هو الفرق بين سكوتنا حتى عن مجرد الولولة عن جرائم القذافي الجبار، وبين سكوتنا الآن عن جرائم من هم أضعف بكثير من القذافي؟!
الفرق بيِّنٌ واضح؛ وهو أن القذافي اقترف جرائمه وهو محتميا بالدرع السياسي والأمني الذي صنعه لهذا الغرض. وكان مبررنا ونحن لا نبدي حتى مجرد الولولة على قتلانا آنذاك، هو بطش القذافي ومكره!
أي مبرر لنا الآن، ونحن أمام مجرمين وقتلة أصغر وأقل مكرا من القذافي ألف مرة؟!
أقول هذا لأنني لم أعد أصدق أن من يقترف الخطف والقتل الآن هم مجرمون محترفون ومساجين جنائيون سابقون. كما لم أصدق أن الصبيان القتلة الذين يضربون ويهربون هم من ذوى الأجندات السياسية المضادة.
كفانا تغطية لعين الشمس المتوهجة بغربالنا البالي المهترئ!
الذي يقوم بجرائم السرقة بالإكراه والاغتصاب والقتل هم "منا فينا"!
أجل إن من يفعل ذلك هم بعض أبنائنا الذين نكلمهم ويكلموننا، ويأكلون ويشربون معنا، ثم يغيبون عنا لبعض الوقت، فيختلطون بآخرين، ربما كانوا أبناء جيراننا ومعارفنا. وهناك يتكلمون بغير الأبجدية التي نعرفها، وربما يتناولون طعاما وشرابا غير ما عودناهم عليه، ثم يحدث بعد ذلك ما يحدث.

هل من حل حتى جهوزية الشرطة ؟
حيث المدن الكبيرة، وحيث تكثر الجريمة وتعربد، نبدأ بالشيء البسيط وغير المكلف، وهو تشكيل مربعات اجتماعية على هيئة حي، أو قبيلة، أو مربع جغرافي معين، ثم نقسم هذه الكيانات المحلية إلى كائنات أصغر، عائلة مثلا، ونأخذ من كل كيان صغير من ينوب عنه في مجلس الحي الكبير.
مجلس الحي باحتوائه كل أعيان الحي يستطيع ان يفعل الكثير فيما يتعلق برصد مواقع الشبهة، وتحديد بؤر الجريمة داخل الحي وتطويقها، ومن تم وضع دائرة حمراء على العائلة التي ينتسب إليها مقترفو الجرائم، أو حتى المشتبهون منهم، وإجبار هذه العائلة على متابعة أبنائها وتأديبهم بكل الوسائل الممكنة، أو ترك ذلك، عند استعصائه عليهم، لمجلس الحي الذي يستطيع مجتمعا فعل الكثير مما لا تقدر العائلة الصغيرة على فعله.
في غياب الشرطة والجيش وقصور الكتائب الأمنية، لا سبيل أمامنا لإيقاف الجرائم التي يرتكبها أبناؤنا سوى إشعارهم بأن عيون كل من حولهم تراقبهم، وأن عقابهم ليس عن طريق شرطة يعرفون أنها غير موجودة، أو بواسطة كتيبة ربما كانوا هم بعض أفرادها. كلا؛ فيجب أن يعلموا أن من يرصدهم ويعاقبهم هم أناس يعرفونهم ويعرفون سيرتهم، ويعرفون أيضا من يصاحبون، ويعرفون حتى ما يملكونه من سلاح.
عن طريق مجلس الحي تصبح مشكلة تسليم السلاح المتسبب الأكبر في تفشي واستفحال الجرائم العنيفة، إغراء أو تخويفا، أسهل بكثير من جمعه عن طريق متاهة البيروقراطية الرسمية.
غياب العين الراصدة الحارسة، ليس فقط يعين على ارتكاب الجريمة؛ إنه يلهم النفس الجريمة، ويمنحها الغطاء المعنوي وحتى المادي. إن منع الإلهام بالجريمة عمل مهم وغير مكلف، ووأد الجريمة وهي لم تزل مجرد فكرة، أسهل بكثير من مواجهتها وهي كائن إجرامي حي متمترس مشهر سلاحه.

أضعف الايمان الولولة:
لو عجز مجلس الحي عن فعل أي شيء إلا فعل الولولة لكفاه!
حقا، فعندما يعجز مجلس الحي عن ردع بعض المجرمين، ويفشل في التأثير على الكائن الاجتماعي الصغير الذي ينتمي إليه هؤلاء المجرمون، فلا أقل من أن يلجأ الراشدون منا الرافضون للجريمة، وهم كثير، إلى التشنيع بهؤلاء المجرمين إعلاميا، ولو بالولولة. إننا إذ نولول خير لنا ألف مرة من أن نمر بالقتيل المضرج بدماه، ثم نكتفي بإزالة تلك الدماء، ونجتمع نتسامر بمأساة الآخرين، ونعين بصمتنا المريب ذلك القاتل على محو معالم جريمته، وكأننا نقول له: سلمت يداك أعدها!

ها هم يعيدونها، شلت أيديهم، المرة تلو الأخرى، ونحن منهمكون في إقامة اعتصام وفضه، وفي تعيين وزير داخلية وإسقاطه، وكأن وزير الداخلية هو الأب الشرعي لأبنائنا، وهو المسئول الأول والأخير عن تصرفات أبنائنا الذين حقا فقدنا شرعية أبوتهم!

بُعيد صلاة الجمعة الماضية مباشرة، وعلى مسافة من المسجد لا يستطيع المصلي المتعجل خلالها إتمام معقبات الصلاة من تسبيح وتحميد وتكبير، يأتي أحد أبناء الحي الأشاوس برشاش، ويصعد على أعلى مكان بالمكان، ثم يطلق لرشاشه العنان، موجها حمم رصاصه نحو كل من يدب على الأرض من إنسان وحيوان، ومن الأسفل إلى الأعلى، وليس العكس كما يفعل من يريد أن يرهب الآخرين أو يجبرهم على مشاركة فرحه أو حزنه؛ حيث لا تستطيع هذه الأيام التمييز بين من يطلق الرصاص لإشاعة الفرح، ومن يطلقه ناشرا الخوف والرعب.

وكسرعة زخات الرصاص، انجلى المشهد وبسرعة عن قتيل ليس بينه وبين من قتله أي مشكلة سوى مشكلة تواجدهما العشوائي في مكان وزمان واحد. القتيل الشهيد ارتقى إلى مولاه، لاعنا من قتله، ولاعنا من أعان على قتله بما أهمل وقصر، وربما لاعنا لنا أيضا نحن الذين شهدنا مقتله ولم نحرك ساكنا. فارسنا الهمام القاتل لم يغادر مكان الجريمة مسرعا مرعوبا، وإنما غادره متبخترا، واستقل سيارته، التي حملته بعيدا عن ميدان القنص بعد أن أشبع هواية القنص الآدمي لديه.

أبشع ما في مشهد المأساة من ملامح:
ـــ   قيام المجرم بجريمته في ساعة ويوم مقدس وفي وضح النهار وفي حرم المسجد وأمام الملأ ودونما يتنكر أو يتستر بأي ستار.
ـــ   غفلة القتيل ومفاجأته برصاصة الغدر، حتى أنه قد جرى له ما جرى من خطب جلل، الموت، دون أن يعلم بأي أداة تم قتله، ولماذا قتل، ومن قتله.
ـــ  مرور سيارة الشرطة بالمكان ساعة وقوع الحادثة، والقتيل غارق في دمه، وعدم إعارة سائقها أدنى اهتمام لأبشع جريمة، بل لم يدفعه لذلك حتى مجرد الفضول، رغم مناشدة الحاضرين له لتقديم المساعدة.
 ـــ في اليوم التالي خلا المكان من أي رائحة لتلك الجريمة الشنعاء، سوى ما تركه الدم المراق من لون أحمر حجب لون القطران الأسود.
ـــ  بامتناع أهل الحي عن فعل أي شيء تجاه أشنع شيء، ولو الولولة، منحوا القاتل كرت الصمت عن فعلته ولامبالاتهم تجاهها، وبدل أن يملئوا نفسه خوفا مما فعل، حقنوه بمضادات الخوف من أي عقاب ومسكنات تأنيب الضمير وهرمونات تبرير الجريمة ومحفزاتها.

سيمر الكثيرون على هذه المقالة، ولطولها سوف يمتنعون عن إتمامها، فضلا عن إتعاب مخهم بما جاء فيها!

أدعو إلى استنكار هذه الجرائم، ولو بإقامة لوحة بسيطة في مكان هذا الحادث، وكذا في كل مكان تجري فيه جريمة كهذه، وذلك توثيقا لخطب جلل يجب ألا ينسى، وتكريما لمظلوم وتشنيعا بظالم، وعظة وعبرة للعاقلين.
وهذا بحق أدنى شكل من أشكال الولولة الذي نقدر عليه!!!!

أدعو للمغدور بالرحمة، وللغادر بالقصاص الإلهي العادل، ولأولي الأمر بالسداد والرشاد. آمين

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

http://libyanspring.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: