قد تحررنا وكبَّلنا
الوطن! ليبيا ليبيا
مسكين وطننا ليبيا،
وذلك لأنه مكبل وعلى الدوام بأيدي أبنائه الذين يتفنون في وسائل تكبيله وخيانته
وغشه، وذلك بممارسة لقمه بلسم التحرر الذي وصفه له الحكيم ولكن بتركيبة مزورة مغشوشة،
وعلى المفضوح دونما مواربة أو استتار.
"أنا من
حرركم"، كلمة رددها كثيرا ولمدة عقود أربعة دكتاتور الجماهيرية البائدة، وها
هم يفعلون الشيء نفسه ورثة تلك الجماهيرية، وهم يلقموننا ويلقمون الوطن بلسم
التحرر المزور المغشوش، ليصير ذلك البلسم سكاكين تمارس ذبح الوطن ليل نهار.
لم تُرفع سكاكين الجماهيرية
من على عنق الوطن حتى بليت تلك السكاكين بفعل الزمن وهلاك حاملي تلك السكاكين. ثم
ظهر بعدهم وعلى الفور محرورون بل ذابحون جدد يحملون سكاكين جديدة مهجنة أكثر إيلاما
وأشد فتكا.
كلنا الآن يحمل
سكينا يذبح به الوطن من المكان الذي يليه، وحتى من لم يمارس فعل الذبح المشين نراه
يمهد للذابحين فعلهم، ولو بسكوته عن شنيع ما يصنعون!
قد لا يكون الأمر على
هذا النحو البشع، الذبح! وذلك من وجهة نظر محرري الوطن أو ذابحيه؛ ذلك أنه ما من
أحد من هؤلاء الذابحين يمكنك إقناعه بأنه يحمل سكينا يمارس به ذبح الوطن المكبل؛
إذ لا يمكن أن يقوم بذبح الوطن من يتغنى بتحرير الوطن ليل نهار، ويردد نشيده
المعروف المتضمن الشهادة المؤكدة: قد تحررنا وحررنا الوطن. حقا لا يمكن ذلك!
هي السادية وربما
التدميرية إذن؟ كلا، إنها مرض آخر بصيغة ليبية جديدة وبتقنية مبتكرة تنفذ إلى
الهيكل الجيني للوطن وترغمه على استيلاد أوطان متعددة بمقاسات ومواصفات معينة ووفق
طلب الزبون المشحون بالقوة والأيديولوجيا وحتى بالهرمونات المعربدة. وبذلك يمسخ الوطن الواحد ويصير أوطانا كثيرة وفق
الرغبات والطموحات القبلية والأيديولوجية
والشللية، بل الغريزية والأنانية!
لم تكن ليبيا لدى
القذافي الذي أدمن ادعاء تحريرها طوال عقود حكمه الأربعة سوى ذلك المكان الضيق
الذي يأمن فيه الحاكم الفرد على نفسه وعائلته وقبيلته وشلته، وهو مكان أدمن فيه
الدكتاتور تحرير أو ذبح الوطن على الطريقة التي راقت له، ثم ما لبث أن تحول هذا
الإدمان إلى مرض جعل ليبيا الشاسعة في عين دكتاتورها لا تتعدى مساحتها مساحة تلك
الماسورة التي تمترس فيها ذلك الدكتاتور مدافعا عنها بكل ما يملك، وحيث خسر هنالك كل ما ملك.
بنفس حجم ماسورة
القذافي، ها هي تتشظى ليبيا الآن، وها هم الليبيون يتمترسون جميعهم في أقصى درجات
التوثب والاستعداد مدافعين عن أوطانهم الصغيرة، أو قل دُماهم الأثيرة المصنوعة من
نسيج نزعاتهم القبلية والشللية والعقائدية المغلفة زورا وبهتانا بحب الوطن الكبير
ونشيده وشعاره.
نعم. كلنا يحمل
دمية صغيرة ألبسها علم ليبيا، ولقنها نشيد يا بلادي المعروف مع تحريف حرفي بسيط، ولكنه ذو خطر جسيم
محيط:
قد تحررنا وحررنا
الوطن!
كلا. إننا تحررنا
فكبلنا الوطن .. ليبيا ليبيا.
محمد
عبد الله الشيباني
aa10zz100@yahoo.com
Libyanspring.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق