السبت، ديسمبر 14، 2013

خلغ فوانيس

خلع فوانيس طريق عرادة؛ سفه القرار، وعبث الإجراء!

أبرز ما اعتدنا عليه طوال عقود الجماهيرية هو سفه القرار وعبث الإجراء، وهما حالتان ظلا مقترنين بشكل ظاهر بأعمال كثيرة تقوم بها الدولة السابقة ومؤسساتها المختلفة. ولأن تلك الدولة أدمنت ذلك، فكذلك نحن أيضا، المواطنين البسطاء المغلوبين على أمرنا، أدمنا التعاطي مع هذه الظاهرة والتعايش معها وقبولها على أنها نتاج طبيعي لنظام إدارة عقيم متفرع من نظام سياسي فردي غير شفاف أشد عقما. أدمنا ذلك، وتعودنا عليه، ولم نكن ننتظر انتهاء ظاهرة سفه القرار وعبث الإجراء تلك إلا بعد جفاف منابعها وقطع جذورها الضاربة في نسيج النظام الإداري والسياسي العام للدولة الدكتاتورية ككل.

الآن، وبعد جفاف تلك المنابع، وتيبس جذور ذلك النظام، وتولي كوادر جديدة أخذت على عاتقها اتخاذ القرار الحكيم وممارسة الإجراء الجاد الصائب الصحيح، يصبح من الصعب على المواطن العادي استيعاب ما يراه من تكرر تلك المظاهر البائسة التي تضمنت فاتورة إزالتها أرقاما كبيرة من أنفس ومقدرات.

طريق عرادة من أهم شرايين الجناح الشرقي للعاصمة طرابلس، وهو شارع شهد مظاهرات فبراير 2011 الدامية، والتي كان من أهم دوافع قيامها هو الثورة على نظام أدمن سفه القرار وعبث الإجراء، وجعل شارعا كذلك الشارع الرئيسي الهام في منتهى التخلف والبؤس؛ حيث لا صيانة دورية رشيدة تصلح من أحواله، ولا شبكة صرف صحي تستوعب مستنقعاته.

مضت ثلاث سنوات إلا قليلا على مرور تلك المسيرات المشهودة التي عبرت ذلك الشارع، وسيحي قريبا أولئك المارون الثائرون على سفه القرار وعبث الإجراء ذكرى مرو ثلاث سنوات على استشهاد العديد من إخوانهم شهداء مسيرة طريق عرادة في فبراير 2011، إلا أن طريق عرادة ظل على ما هو عليه، وربما أسوأ مما كان عليه؛ فلا حفر سويت، ولا شبكة صرف صحي أصلحت، ولا أحلام شهداء تحققت.

الشيء الوحيد الذي حدث في طريق عرادة بعد عامين من الثورة على العبث والسفاهة، هو قيام شركة الكهرباء، بإنعاش ذاكرتنا وشحنها من جديد بكوابيس العبث والسفاهة التي ظننا أن فاتورة الدم المراق على طريق عرادة وغيره من طرق، تضمنت ضمن ما تضمنت وقاية عقولنا وأبصارنا من تكرار تجرع ظاهرة سفه القرار وعبث الإجراء.

أجل، وبرغم أن طريق عرادة هو بحاجة إلى توسيع وصيانة ومد شبكة صرف صحي، وغيره، إلا أن شركة الكهرباء الحكومية فاجئتنا بعمل ما لا يكن يحتسبه عاقل: خلع أعمدة النور التي تزود هذا الطريق بالضوء، وتركها في نفس المكان الذي خلعت منه!


لماذا؟ لا أحد يعرف، ذلك أن الأعمدة المسكينة قائمة في مكانها، وهي تمنح الشارع الضياء سنوات طويلة، ولا ينقصها إلا المتابعة الدورية باستبدال أرخص جزء فيها، وهو المصباح، ولا شيء غير ذلك!

أجزم أن وزير الكهرباء الذي أحسب أن عبث القرار وسفه الإجراء كانا من أهم دوافعه لمناهضة النظام الدكتاتوري السابق، وربما كان ذلك أيضا من دوافعه لقبول التحدي بحمل مسؤولية إدارة مرفق الكهرباء.. أجزم أن هذا الوزير لو مر من طريق عرادة، وشاهد بنفسه المذبحة غير المبررة لفوانيس طريق عرادة، وكذا عدم مواراة سوأتها، لنال منه هذا المشهد ما ناله مني ومن كل مواطن حسب أن الدنيا تغيرت، وأن عادة سفه القرار وعبث الإجراء ذهبت إلى غير رجعة.

كلا. لا زال قرارنا سفيها، وإجراؤنا عابثا، وذلك رغم قيامنا بسداد فاتورة إزالة السفاهة والعبث الباهظة التكاليف. من لم يصدق فليزر طريق عرادة المظلم، ويقرأ الفاتحة على فوانيسه الموؤودة بلا ذنب اقترفته.


محمد عبد الله الشيباني
aa10zz100@yahoo.com
Libyanspring.blogspot.com


      

ليست هناك تعليقات: