الاثنين، فبراير 10، 2014

المؤتمر فاشل ......

المؤتمر فاشل؛ فماذا عنا نحن؟!

في الضوضاء الكثيفة التي يصنعها هذه الأيام الكلام الكثير عن فشل المؤتمر الوطني وضرورة تغييره، تغيب الأسئلة الأكثر أهمية، وهي الأسئلة المتعلقة بأسباب فشل هذا المؤتمر، ودورنا نحن الناخبين صناع هذا المؤتمر في إفشال هذا المؤتمر.

كل إناء بما فيه ينضح، ومحتويات الإناء الكبير لليبيين هي التي نضحت كائنات مؤتمرنا الوطني؛ أشخاصا، وأفكارا، وثقافة، ومنهج عمل. وما من طريقة ناجحة ومعقولة لتطوير وتصحيح هذا المؤتمر الممثل لنا والمصنوع بإرادتنا، سوى إقدامنا نحن على تطوير وتصحيح ذاتنا في أبعادها المختلفة؛ الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، وحتى السلوكية والنفسية!

منذ عام وبضعة أشهر أقدمنا بنهم ملحوظ على التهام ما تبرجت به المائدة الديمقراطية من أطباق لذيذة شهية كنا قد حرمنا منها عمرنا السياسي كله، وعبرنا عن ذلك بالتلويح بسبابتنا التي تبرجت هي الأخرى وهي ترفل في ثوب عرسها الزاهي البراق التي ارتدته للمرة الأولى منذ أحقاب وآماد طويلة.

لم يدم شهر عسلنا الديمقراطي طويلا، بل إن البعض بادر بإجبار تلك السبابة المسكينة على خلع ثوب عرسها قبل أن يزول لون ورائحة عطر الفرح منها، وصرنا منذ ذلك الحين نكيل للمؤتمر وأعضائه وثقافته وفكره ومنهج عمله التهم والانتقادات الكثيرة، بل إن البعض منا نكر ذلك المؤتمر وأعضاءه وكأنه لم يعرفهم، فضلا عن أنه هو من اختارهم وبايعهم.

ولأنه من السهل استبدال أعضاء المؤتمر بآخرين، ترى الكثير منا يلوح بذلك ويستعجله، إلا أنه عند الكلام عن قدرتنا على إفراز نخبة مثالية تمثلنا، فإنك لا تجد من يتفهم ذلك ويتحمس له؛ ذلك لأن امتلاك المرشح المواصفات المثالية يتصل اتصالا مباشرا بما يملكه جمهور الناخبين أنفسهم من مثالية وقدرة على إفراز نخبتهم وممثليهم من صفوة صفوتهم، وليس عن طريق انبعاث وانفلات تلك النخبة عشوائيا، ووفقا لمعادلات قانون التزاحم والتمايز القبلي والفئوي، وربما العضلي، وذلك على غرار التصعيد، درة عقد النظام الجماهيري البائد!

في الأيام الأولى من عمر المؤتمر، وبمجرد تسجيل بعض الملاحظات عليه، بادر بعضنا، وبتكلف ظاهر بكيل التهم لأعضاء هذا المؤتمر، وتصور الكثير منا أن مجرد تغيير أعضاء المؤتمر بغيرهم هو الحل الذهبي والوحيد لتحسين أداء المؤتمر، ومن ورائه الحكومة التي أفرزها، متجاهلا أن ظلال القصور التي خيمت على المؤتمر؛ أشخاصا، وثقافة، وفكرا، ومنهج عمل، وسببت ما سببت من تدن في أداء المؤتمر، لم يصنعها سقف المساحة الضيقة لقاعة المؤتمر الوطني، كما لم تصنعها الهالة الفردية المحدودة لعضو المؤتمر المنتخب ذاته؛ وإنما صنعتها تلك السحابة الهائلة الممتدة فوق المدى الزماني والمكاني للوطن، وهي السحابة التي تشكل معظم نسيجها من بقايا ثقافتنا القبلية الجامدة المتكلسة، ومن أيديولوجياتنا الطارئة المتزاحمة المتخاصمة، بالإضافة إلى الذي ما زلنا نحمله من أدران البداوة، وجلافة النفس، وغلظة الطباع، وضحالة التجربة، وشح المعرفة، وكذا ما ابتلينا به من استعمار خارجي ظالم، ونظام دكتاتوري محلي ربما أشد جورا وظلما.

أكثر ما يتهم به بعضنا المؤتمر هو عدم التوافق بين مكوناته، وهو توافق لابد من توفره لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، الأمر الذي تسبب في ارتكاب أخطاء جسيمة أثرت سلبا على قيام الدولة، فضلا عن الكلام عن نهوضها وتطورها. وعدم توافق مكونات المؤتمر مأساة كبرى، إلا أن المأساة تبدو أكبر عندما ندرك بأن عدم التوافق هذا ما هو إلا موجة تسونامي متراكمة كونها الزلزال القبلي والأيديولوجي الذي نجم عن فعل التغيير السياسي المفاجئ، حيث لم يتمكن جسمنا السياسي الغض من امتصاص هذا الزلزال، والحيلولة دون تعاظم موجته واضطرادها لتفعل ما فعلت بجسم المؤتمر الواهن النحيل.

المؤتمر من جانبه يرد بعض أوجه قصوره، وهو محق في ذلك، إلى ممارسة ضغط غير ديمقراطي عليه من قبل من يتصورون أنهم من صنع التغيير، أو على الأقل أنهم من لهم حق قطف ثمار التغيير، الأمر الذي تسبب مباشرة في عدم قدرة المؤتمر، ومن بعده الحكومة، على صنع أي أجندة عمل وتنفيذها وفق جدول زمني منطقي مسؤول؛ فالمؤتمر تعرض لضغط مادي مباشر وصل إلى حد إطلاق الرصاص على رئيسه السابق محمد المقريف الذي وإن لم يفلحوا في تغييبه بالرصاص، إلا إنهم عادوا بعد وقت قصير وغيبوه برصاص العزل السياسي الجائر. أما أحدث نماذج الضغط على المؤتمر، فهو ما هدد به مؤخرا أحد قادة الكتائب "بلاش ميليشيات" من أنه سييتم أبناء أي عضو مؤتمر يتجرأ على المجيئ إلى مبنى المؤتمر بعد 7 فبراير!
    
ظلال تلك السحابة السوداء الكبيرة التي تغطينا جميعا هي السبب المباشر في ضعف أداء المؤتمر والحكومة، ولا يمكن إصلاح ما عليه حال هذا المؤتمر أو أي مؤتمر يأتي بعده إلا بعد قيامنا جميعا وبجهد مشترك على مواجهة أنفسنا وتصحيح زوايا رؤيتنا المعيبة حتى تتمكن أعيننا من رؤية العيب في مكانه الحقيقي. ربما من المعقول إرجاع أسباب علتنا هذه إلى شدة تأثرنا بنظرية المؤامرة من جهة، ومن جهة أخرى إلى ميلنا الغريزي الفاضح في تبرئة أنفسنا وإدماننا إتهام غيرنا.

يكرر معظمنا الآية القرآنية الكريمة" إن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم"، إلا أننا كثيرا ما نخطئ في حسابات إحداثيات أخطائنا الموجبة للتغيير؛ مكانا، ونوعا، وكماً. كما أننا ندمن إزاحة فعل التغيير بعيدا عنا، رغم أن واقع الحال يؤكد في كثير من الأحيان أننا نحن مركز فعل هذا التغيير، وبأيدينا نحن أهم روافعه. كذلك فإن كثيرا ممن يحاول التصدي لعملية التغيير نجده ينزلق بسرعة إلى هاوية تهويل المشكلة والمبالغة المفرطة فيها، ولدرجة يصدق فيه قول القائل:"بيكحلها عماها!".  

أيضا قدرتنا على إطفاء حرائق اختلافنا هي الأخرى غير ذكية وغير منسجمة مع الواقع الذي نعيش؛ فإنك إذا أخذت مثلا التناول الإعلامي لقضية شرعية بقاء المؤتمر الدائرة حاليا، ستحتار كثيرا إزاء تعلق البعض، ومنهم أساتذة قانون، بكل ما من شأنه أن يسد المسالك أمام المختلفين، ويؤجج لهيب الخلاف بينهم، وكأن فائدة الإطفائي تكمن في استعار ألسنة اللهب. أحد هؤلاء القانونيين تشبث بنص شاذ مريب حواه الإعلان الدستوري، حتى أنزله درجة المقدس الذي لا يجب الاقتراب منه.


وختاما، فإن هذه الأصوات المشنعة بالمؤتمر الوطني الآن، ليست وليدة اللحظة، وإنما ولدت منذ الأيام الأولى لحياة ذلك المؤتمر، كما أن جذورها غير مستقرة في تربة الوعي الخالص للمنادين بها، بالإضافة إلى أنها هشة القوام غير ذات زخم جماهيري عريض عميق يمكن الاعتماد عليه في اتخاذ القرار الصائب المعبر عن إرادة الأغلبية.


محمد عبد الله الشيباني
 Libyanspring.blogspot.com
aa10zz100@yahoo.com

   






ليست هناك تعليقات: