الأربعاء، فبراير 19، 2014

نحن ندمر حتى الذي عمّره المدمر!!

نحن ندمر حتى الذي عمّره المدمر!!

على امتداد عمري البائس الذي أكل خليط التخلف والدكتاتورية جله، وعلى امتداد عاصمة الدولة البترولية، طرابلس الغرب الممتدة حتى الترهل بين السهل والشاطئ، لم يمتد بصري باستمتاع، ولم تنطلق ساقاي بحرية في منتزه فسيح، أو كورنيش ممتد مريح؛ والسبب دائما هو خليط التخلف والدكتاتورية الذي أنـْقِعنا فيه طوال عقود حكم الهكسوس!

قبل أن تطيح الأقدار برأس التخلف والدكتاتورية والدمار بقليل، استيقظ المدمر المعمر، وقرر أن يجود على طرابلس بفتات موائده المليارية، وأقام منتزها صغيرا بشاطئ أبي ستة بمدينة طرابلس، وبالفعل، وبعد أربعة عقود من تجريف طرابلس وتصحيرها وتشويهها، برزت بقعة خضراء صغيرة على شاطئ طرابلس الواسع الممتد، وكانت، على أقل تقدير، كافية لتعيد لمدينة طرابلس ثقتها بنفسها في الفكاك من مرحلة سن اليأس التي أدخلها الهكسوس فيها قسرا، وأن تعود عروس البحر إلى فتنتها المعهودة،  وتسترجع شبابها المسروق، وتخلع عنها، وللأبد، ثوب الشيخوخة والحداد الذي ألبسوه إياها الأجلاف الغلاظ.

بالأمس مررت بمنتزه أبي ستة، أو قل أطلال منتزه أبي ستة، وهناك تألمت مرتين؛ مرة على هدر الأموال والمقدرات والعبث بالمشاعر ، ومرة أخرى، وهو الأكثر إيلاما، على نزعتنا، بل غريزتنا في تحطيم كل ما هو جميل!

إن المجاهرة بتحطيم معدات حديقة عامة من مصابيح إنارة ومعدات ري وحتى الرخام الجرانيتي المثبت على الأسوار، لا يمكن فهمه إلا في سياق شن الحرب على مقدرات المجتمع وأملاكه، وتعمد العبث بمشاعره وما تبقى لديه من حشاشة أمل في أن يعيش بالحد الأدنى من الكرامة البشرية.

لو كنت مسؤولا في بلدية مدينة طرابلس أو أحد أعضاء مجلسها المحلي لما تمكنت من النوم ليلة البارحة، وكيف أنام وأنا الذي ألـْعن ويُسخط علي من قبل كل من يأتي كي يفرغ همومه في منتزه أبي ستة فيرجع، ويا للأسف، بأضعاف الهموم التي جاء بها؟!

حقا لا أستطيع النوم وأنا السبب في اغتيال حلم كل طفل جاء إلى منتزه أبي ستة؛ فتفاجأ بألعابه وقد تحطمت، وبمصابيحه وقد تهشمت، وبأزهاره وقد تيبست وذرتها الرياح، كما لم يجد هذا الطفل المسكين أيا من أصحابه الذين كان يعج بهم هذا المنتزه اليتيم في هذه المدينة اليتيمة!

ولئن كان كل الذي ذكرت مما يبعث على التحسر والإحباط، إلا أن غياب كل جبال الألم هذه في خضم ما يتعارك عليه الكبار المتخاصمون ليل نهار على ما يسمى بكعكة السلطة التي أصبحت تبعث على التقزز والغثيان، لهو أشد إيلاما.

أجل فالألم يكبر ويتضاعف عندما تتكدس كوابيس اليقظة على صدر المواطن، ويصيح بأعلى صوته طالبا النجدة ممن هم حوله من مسئولين يعج بهم المكان، إلا أنه لا أحد يجيب! وإذا ما صادف وأجاب أحدهم، فلا يزيد عن قوله: إننا مشغولون الآن بما هو أهم، إننا مشغولون بالسياسة والأيديولوجيا وإنقاذ البلاد حتى لا يخطفها التيار الفلاني والحزب العلاني وتلك الكتيبة وهاتيك القبيلة، وهلم جرا!

لا تهمنا نتيجة حربكم البائسة تلك ما دامت حاجاتنا الملحة وصيحاتنا المتواصلة وأنينا الذي لا ينقطع لا تعيره هذه الحرب اهتمامها.

أنا بدوري لن أتعب نفسي في إعلام الوزير الواقع في نطاق اختصاصه ومسؤوليته ما حل بمنتزه أبي ستة؛ لأنني أعلم أن سيادته مش فاضي! ويكفيني أن أزيح عن نفسي مسؤولية التبليغ، والقيام بواجب العزاء لدى من يستحقون العزاء في هذا المصاب الجلل، وهم المواطنون البسطاء المتضررون حد الموت من مصيبة موت منتزه أبي ستة.  

عظم الله أجركم في منتزه أبي ستة!

محمد عبد الله الشيباني



ليست هناك تعليقات: