الاثنين، مارس 17، 2014

ومرة أخرى؛ ثورة هي، أم فورة؟

ومرة أخرى؛ ثورة هي، أم فورة؟!

لا مراء في أن الملامح الأولى لانتفاضات الربيع العربي كانت أقرب لملامح الفورة منها إلى ملامح الثورة، إلا أن حالة المفاجأة التي اعترتنا ونحن نشاهد السقوط السريع المدوي لأبراج وحصون التسلط والدكتاتورية، ألغزت علينا الأمر، فاختلفنا في معرفة جنس مولود التغيير من حيث كونه  ثورة أم فورة!

من ناحيتي، وربما بسبب جرعة تشاؤمي الزائدة، جازفت وتسرعت بإطلاق اسم الفورة على ذلك المولود، وذلك بمجرد رؤيتي لذلك الاندفاع العشوائي لركوب قطار التغيير وامتلائه بسرعة بركاب لا يحملون بطاقات الركوب الثورية الشرعية المعروفة، ولما لاحظته من تباين صارخ في سحنات أولئك الراكبين، وكذا في اختلاف محطات وصولهم وغايات سفرهم!

معذورون أولئك الذين سارعوا بإطلاق اسم الثورة على ذلك المولود، والذين اعتمدوا، كما يبدو، على التحليل المبدئي لسائل طلق الولادة وغبار تلك المعركة التي فرضها دكتاتور متسلط ظالم على شعبه، حيث ما كان لنتائج ذلك التحليل إلا أن تتطابق مع تلك الشعارات التي رفعها المتظاهرون الصادقون الأوائل في شوارع البيضاء وبنغازي وطرابلس والجبل ومصراتة وغيرها من المدن الليبية المنتفضة، وحيث كان سيد هذه الشعارات هو شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام"!

"الشعب يريد إسقاط النظام"، هو شعار بكر بليغ ثقيل ردده كل المتظاهرين الأوائل الذين دشنوا الانتفاضة المباركة ضد ظلم الأنظمة الدكتاتورية، وهو شعار سرعان ما تحول إلى رافعة قوية أفلحت في سحب كراسي الحكم من تحت كلاكل غاصبيها، وأتاحتها لنخبة ثورية من المفترض أنها لا تكتفي بحمل شعار" الشعب يريد إسقاط النظام" فحسب، بل إنها تجاوز ذلك لتأتي بالتتمة واللازمة المنطقية لهذا الشعار، وهي: "الشعب يقيم النظام الذي يريد"! ومنطقيا أيضا لا يمكن لأحد، والحال هذه، أن يسمي مولود ربيع التغيير باسم آخر عدا اسم الثورة.

سقط النظام البائد، ورأى النور مولود جديد أسميناه، تفاؤلا، ثورة؛ بيد أنه سرعان ما بدأت تظهر على هذا المولود علامات مزعجة تشي بوجود تشوه خلقي ما فيه، بل ربما تشوه جنيني جسيم! إذ أنه وبمجرد تلاشي الدوافع والمحفزات الغريزية الباعثة للفورة، والمتمثلة في هيكل النظام السابق، تبين بوضوح جنس مولود التغيير؛ إنه وبدون شك مجرد فورة! وللإنصاف فإن مجرد الفورة تلك قد أدت ما عليها،  وذلك بنجاحها في تفكيك منظومة حكم دكتاتوري عتيد، وتمكنها من انتشال الليبيين من بين أنيابه وكلاليبه.

وهنا أقف لأقول وبكل ثقة أن شهداء الحرب على الدكتاتورية، والشهداء الأحياء ممن قارعوا الدكتاتورية بما تيسر لهم من سلاح قلب ولسان وقلم ويد، ثم لم تزغ قلوبهم ولم تتلوث أيديهم وألسنتهم بأدران مخلفات الفورة، هم جميعهم كادر الثورة المقبلة التي حسب ظني لم تبدأ بعد.

أدعو المقارعين التاريخيين للتسلط والظلم والدكتاتورية مهما كانت ألوانهم ومشاربهم، وكذا أشبالهم الذين تعففوا عن غنائم الفورة ونفضوا أيديهم من بوائق تجارها؛ أدعوهم إلى تجميع صفوفهم، والبدء في ثورة حقيقية قوامها سلاح الفكر الناعم الذكي الذي يستهدف أول ما يستهدف أوكار الجهل والتخلف والفقر والمرض والفساد. إنني على يقين أننا عند تمكننا من استئصال شأفة ساكني هذه الأوكار سوف ننجو جميعنا، وينجو مركب الوطن كله من الغرق الذي يتهدده.

ثلاثون شهرا مضت على سقوط هيكل الدكتاتورية، ولم أسمع أي بيان من جبهات المعارك الكثيرة الدائرة ليل نهار بين الليبيين يفيد بإحراز أي هدف في مرمى الخصوم والأعداء الحقيقيين؛ الجهل، والتخلف، والفساد، والفقر، والمرض، ........... !

ولذلك أسميتها فورة، فاعذروني!

محمد عبد الله الشيباني



     

ليست هناك تعليقات: