يا للعار؛ إنهم لم يلوذوا بالفرار!
ولاذوا بالفرار! عبارة ظلت طوال موسم القتل
البنغزاوي هي ورقة التوت الوحيدة والأخيرة التي اتخذها كل من المسئولين الرسميين،
وأجهزة الإعلام الحكومي، وغيرهم، سترا لعورتهم، وذلك في محاولة منهم لتغطية
السنتيمترات القليلة الباقية من مساحة عورة الوطن الذي يتعرض الآن لأشنع حملة هتك،
وتعرية، وحتى شماتة!
وانسجاما مع إيقاع سمفونية "ولاذوا
بالفرار" تلك، قمت أنا أيضا بكتابة مقال منذ أيام مضت، جعلت من هذه العبارة
المغلوطة عنوانا له، وحاولت من خلال هذه العبارة التماس العذر للـ "العساس"؛
باعتبار أن الـ "خانب"، كما يقولون، يغلب العساس!
بيد أنني سأقوم بفضح نفسي، وكشف ما تبقى من عورتي،
لو ظللت ألوِّح بهذه العبارة الخطأ؛ ولاذوا بالفرار! ذلك أن فيديو افتراس، وليس
اغتيال مدير فرع مخابرات بنغازي منذ بضعة أيام، والذي ربما شاهده الكثيرون، سيقوم
بلطمي على وجهي، وبركلي على قفاي، وبالبصق على ما تبقى من حطامي البارد، لو تجرأت
وأعدت عبارة: ولاذوا بالفرار الخاطئة تلك!
المكان: بلاد الألف فارس "بينْ
غازي"، والتي تعني وفق اللغة التركية مدينة الألف فارس الذين هناك من يزعم
أنهم حرروا طرابلس ذات يوم، وتسمَّت مدينتهم منذ تلك الحادثة باسمهم، ثم أصبح ذلك
الألف فارس آلافا من الفرسان، وقاموا كما يعرف الكثيرون، باستعادة مجد الأجداد، ودشنوا
عملية تحرير ليبيا من الدكتاتورية!
لكنه، ويا للأسف: دار الزمان، وتغيرت الأحوال،
وها هي كاميرا التاريخ تلتقط المشهد المأساوي التالي:
الزمان: ألق وعنفوان وكبد نهار يوم قائظ
الحرارة من أيام بنغازي ذات المليون فارس!
الحدث: افتراس بشري محلي وطني، بل وعلى
الطريقة الإسلامية!
الخلفية: طابور من المفترَسين الذين لم يحن
دورهم بعد، وهم ينظرون إلى طابور الضحايا يتحرك بإيقاع منتظم، ووفق قدرة المفترِسين
على الإنجاز، وذلك بفتح راء المفترسين وكسرها على التوالي!
النتيجة: تم ذبح الفريسة رقم xxx ، وتم تسديد
المبلغ المتفق عليه، وتحولت آلة الذبح أوتوماتيكيا إلى الفريسة xxx+1 ، وجاري
تهيئة ساحة المذبح!
عندما أشاهد قطيعا كبيرا مكونا من الآلاف من الأبقار
البرية، وهو ينظر إلى أحد أفراد هذا القطيع، وقد أحاطت به مجموعة أسود أو نمور أو
ضباع، وربما كلاب وحشية، وشرعوا في إسقاطه أرضا بمنتهى الوحشية، ثم بدأوا في تمزيق
جسمه، والتهامه على مرأى ومسمع بني جنسه، وأفراد قطيعه وعائلته؛ إنني عندما أنظر
إلى ذلك المشهد، تأخذني الدهشة والاستغراب، وأقول في نفسي: لماذا لا تقوم عناصر جبل
القطيع تلك، وهي القادرة على ذلك، باستنقاذ ذلك المستضعف المسكين من حفرة المناشير
التي وقع فيها، والتي هي تمزق جسده دون رحمة!
وكما تسقط تلك البقرة في غابات أفريقيا على
مرأى ومسمع أمها وأبيها وإخوتها وعماتها وخالاتها وكل بني قطيعها، سقط ابراهيم
السنوسي ابن بنغازي، وسقط قبله الكثير، وأيضا على مرأى ومسمع بني مدينته، وبني
جنسه، وبني دينه!
الفيديو المذكور يبين بوضوح عدم عجلة أعضاء فريق
الافتراس، وإصرارهم على قطع كل أوردة وشرايين الضحية، بل ربما قاموا بتصوير المنتج
النهائي لأبشع جريمة يمكن أن يرتكبها إنسان؛ إنها جريمة القتل دون محاكمة، وبدم
بارد، وعلى مرأى ومسمع الشمس والأذن والعين، وحتى كاميرا هاوي جمع الصور!
ولاذوا بالفرار! كلا إنهم لم يلوذوا بالفرار.
نحن من يلوذ بالفرار، ويا للأسف نفر إلى الأمام؛ نحو المنشار !!!!!!
محمد عبد الله الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق