الأحد، أكتوبر 19، 2014

الكتلة الاجتماعية اللينة

الكتلة الاجتماعية اللينة، والنتوءات الحادة فيها !

لعله من السهل ملاحظة هاذين الكائنين الاجتماعيين؛ اللين، والحاد الناتئ،  في أي تجمع بشري، أيا كان مستواه ومحتواه. كما أنه من السهل ملاحظة حركة هاذين الكائنين، ودرجة تأثير كل منهما في الأخرى.

كما من السهل أيضا معرفة العلاقة بين النظام السياسي الذي يحكم مجتمعا ما، ودرجة الانسجام والتوافق بين الكتلة الاجتماعية اللينة فيه، والنتوءات الحادة البارزة منها.

عندما تكون درجة الاحتكاك والتصادم بين الكتلة الاجتماعية ونتوءاتها البارزة تساوي صفرا، فإن هذا يعني انسجام هاذين المركبين الاجتماعيين، وهو ما يؤدي في درجته المثالية إلى ذوبان واضمحلال النتوءات الحادة الضارة الشاذة بالكامل، وظهور المجتمع ككل على هيئة لينة واحدة منسجمة مطواعة، ويبلغ الرضاء والانسجام الاجتماعي ذروته، حتى إنه يصعب حينئذ التمييز بين الحاكم والمحكوم .

الوجه المقابل البشع لهذه الحالة الاجتماعية المثالية، هو تلك الحالة المعاكسة تماما لهذه الحالة، وحيث عندها تعربد تلك النتوءات الاجتماعية الحادة،  وتجرف المجتمع جميعه حيث تريد، بل وربما قلصته واختزلته في شخص عدة أفراد، أو حتى في فرد حاد ناتئ واحد!

النظام السياسي الدكتاتوري الذي كان يحكم ليبيا قبل ثورة فبراير، ظهر فيه ذلك النتوء الحاد الواحد في أوضح صوره، ممثلا في شخص القذافي، والذي كان من الصعب أن ترى ليبيا بملايينها المتعددة وبجغرافيتها المتمددة، وذلك إذا ما تمددت قامة القائد بينك وبين ليبيا، كل ليبيا !  

ملايين الليبيين الممثلين للكتلة الاجتماعية اللينة، كان هدفهم الأبرز هو اجتثاث ذلك النتوء الحاد الضخم، الدكتاتور القذافي، وحيث كان الفرح بتحقيق ذلك الهدف ظاهرا بوضوح في احتفال الليبيين الأسطوري باستئصال ذلك النتوء، وملأهم الميادين بالملايين في العيد الأول لتفجر ثورة فبراير، وبالتحديد في عشية يوم 2.17. 2012 !

خطأ طبي فادح ارتكبه الجراح وهو يستأصل ذلك النتوء الحاد، وذلك عندما غض طرفه ، عمدا أو سهوا، عن غدة انتاج هرمون النتوءات الحادة في المجتمع الليبي، وهو الهرمون الذي ظل متدفقا حتى حينه صانعا الكثير من النتوءات الحادة التي تخترق الآن الكتلة الليبية اللينة، وتقذف بأشلائها في كل اتجاه !

الكتلة اللينة للملايين الليبية، هي الآن في أسوأ حالاتها، وليس أمام هذه الكتلة للخلاص مما هي فيه من استلاب لإرادتها، سوى قيامها بتقيؤ هذه النتوءات الحادة الكريهة، ولتكن البداية بقيام المجالس المحلية لكل بلدية بمسح إحصائي، يكون بمثابة سكانر اجتماعي، يرصد عدد هذه النتوءات، ودرجة تغلغلها في الجسم اللين للكتلة الاجتماعية لكل بلدية.

أخطر وأبشع نتوءاتنا الحادة، هي الآن معروفة للجميع، وهي كل من سرق سلاحا خفيفا أو ثقيلا من الدولة الليبية، وظل حتى حينه يعربد بهذا السلاح، ويقذف بباروده في كل اتجاه بعيدا عن الدولة وأجهزتها الحاكمة المسيطرة.

أما ثاني هذه النتوءات الحادة، فهم أصحاب التوجهات الأيديولوجية الحادة أيا كانت مسوغاتهم، والذين تراهم يحلقون بعيدا عن السرب الليبي الممثل في الكتلة الاجتماعية الليبية اللينة !


المسح الاجتماعي الإحصائي المذكور الذي تقوم به كل بلدية على حدة، سيظهر بسهولة خريطة توزيع بؤر البارود المنفلت، وبؤر الأيديولوجيا الجامحة، وهاتين البؤرتين هما المكانين الوحيدين الصالحين لإنبات ونمو تلك النتوءات الاجتماعية الحادة الكريهة، والتي تأخذ ليبيا الآن إلى المجهول !

ليست هناك تعليقات: