الخميس، يونيو 23، 2011

من يجرا يقول؟

من يجرا يقول، هذا مش معقول، أو استجدائية سيد الكيلاني على لسان الكيلاني.

في تأكيد جديد على مرض العقيد، وبلوغ حالة الانفصام وازدواج الشخصية لديه مداها الأعلى، قيامه هذه المرة ، وعلى لسان فارس الأغنية الجماهيرية، بالتعبير عن حالين متناقضين، أحدهما يذكر فيه فيوض نعمه التي شملت كل من عمل معه أو صادقه أو حتى قام بزيارة رسمية له. وثانيهما يظهر فيه الدكتاتور القاتل متذللا مستجديا، ولدرجة الانسحاق تحت قدم من يسأله رد الجميل الذي تم تسجيله عليه وهو لا يدري.    


وقد أجاد الكيلاني في ذلك، عندما استخدم لحنا جنائزيا كئيبا، كما هي سائر ألحانه الغليظة الجافية، وصبَّ عباراته الاستجدائية الباكية، وتوسلاته اليائسة الجاثية، في آخر تسبيحة من تسبيحاته الكثيرة لقائده، مظهرا إياه، كما لو أنه مليك العباد ورازقهم، وخافضهم ورافعهم، ومعزهم ومذلهم. 


نزل شاعر البلاط أخيرا من عليائه، وأبراجه السامقة الباذخة، حيث كان هو وقائده، يخاطب الناس من ذلك العلو الشاهق، متكلما باسم فلاسفة البشرية وحكمائها قاطبة، ومحتكرا فنون المعرفة بالأصول والمبادئ المعنوية السامية، وليهبط، هذه المرة، هبوطا مدويا جاعلا موضوع استجدائيته الأخيرة منصبا على الشخصيات، بدل الأفكار والمبادئ والنظريات، مبتدءا بكبير ياوران النظام السابق، المسماري، وبعض وزرائه، شلقم وكوسا، ومنتهيا بأصحاب القائد وأصدقائه، ساركوزي وبيرلسكوني، وغيرهم.


لم ينس أسطورة الإعلام الجماهيري البديع، عادته القديمة السيئة في إظهار عيوب الآخرين وتعييرهم بها، وتحقيرهم والحط من شأنهم بسببها، حتى لو كانت هذه العيوب مجرد عيوب خلقية، قد يستحق صاحبها العطف والمؤاساة، بدل التعيير والتوبيخ والمباهاة.


لم يتذكر شاعر البلاط من صفات نوري المسماري سوى أنه وحيد العين، جاعلا من أمر تكليفه بوظيفة كبير ياوران الحاكم المستبد، وما تحمله من إهانة، بمثابة حصوله من سيده القائد الهمام على أنعم وعطايا، تضارع عشرة أضعاف ما منحه الله له. كيف لا، وقد تحصل المسماري، وبشهادة الكيلاني نفسه، على عشرة عيون بدلا من العين الواحدة اليتيمة التي منحها خالق المسماري لعبده المسماري.


ولم تكن نعمة منح العيون تلك مقتصرة على كبير الياوران، بل إنها طالت ومنذ أربعين عاما مضت كبير شيوخ الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان، والذي، وكما يبدو، لم يترك وصية بقائمة دائنيه الذين يأتي في مقدمتهم بالطبع، مداوي العيون وأسقامها، وربما واهبها، معمر القذافي.


قد تبدو فاتورة الجميل، سالفة الذكر، والمسجلة غيابيا على كل من المسماري والشيخ زايد منطقية، وذلك لتعلقها بأبرز ما يحمله الإنسان في وجهه، وهو عيناه. إلا أن فاتورة الجميل الباهظة جدا، والمتعلقة هذه المرة بحادثة احتضان القائد للشيخ حمد بن جاسم خلال زيارة رسمية قام بها الأخير، ربما تبدو غريبة ومجحفة بعض الشيء في حق الأمير المدين، ولكن رائد الأغنية الثورية أبى إلا أن ينسب الفضل في هذه الاحتضانة لقائده، والذي يظن أحيانا أن الهواء الذي نتنفس هو منة يجب أن نحمده عليه. وبناء على ذلك فإن احتضانة القائد لأمير قطر يجب أن لا ينساها الأمير، ويجب عليه أن يظل دائما مشحونا بفيوضها، منتشيا بأنفاس  القائد، هائما به، مأسورا بأفكاره وأفعاله، حتى لو كانت تلك الأفعال الشيطانية تؤدي إلى إبادة شعب اسمه الشعب الليبي.


أحصت هذه الأغنية الاستجدائية الباكية عديد الأشخاص من بينهم من هم كانوا، ولعقود طويلة أعمدة النظام وسدنته، وشهرت بهم في لقطات كليبية تظهرهم وكأنهم زعماء عصابات مطلوب القبض عليهم، وإحضارهم إلى خيمة القائد، أحياء أو أمواتا، متناسيا، سلطان الأغنية الثورية ومحتكرها، أن هؤلاء الأشخاص هم رجال الخيمة الملعونة، وأن ما يلصقه بهم من عيوب، إن صحت، هي من عيوب النظام نفسه، وأن أقل ما يقوم به رأس هذا النظام إزاء فضيحة الانشقاقات الكثيرة، هو الاستقالة وإعلان تنحيه، تكفيرا عن أخطائه وأخطاء وزرائه ومريديه.       


أطرف ما في هذه الأغنية من صور وأسخفها هو قيام الفنان الثوري الكيلاني بتوبيخ شيوخ الإمارات وتعنيفهم، وذلك جراء قيامهم بتشييد الأبراج العالية، مهددا إياهم بالمصير الذي ينتظر هذه الأبراج، وما لهؤلاء الأمراء من ذنب سوى ما قاموا به من ردة فعل عندما استفز نفوسهم القويمة منظر تهشم جماجم الصبيان الليبيين، بفعل الرصاص المعد للطائرات والمدرعات، فهبوا لإنقاذهم من يد جلادهم ومرتزقته المجرمين.


إن ما يؤكد استجدائية هذه الأغنية اللاوطنية هو طولها الملح الممل، واستدعائها لأحداث عفا عليها الزمن، وتركيزها بشكل ممل على الأشخاص، وتعمد إظهارهم كما لو أنهم يتامى معوزين يطرقون باب ولي نعمتهم، والذي يعبر عن نفسه بضمير الغائب في كل مقطع من مقاطع الأغنية الاستجدائية المذلة المملة.


أيضا، وربما للمرة الأولى، يتعمد منتج هذه الأغنية إظهارها في ثلاث نسخ، إحداهما بصوت نسائي أشبه بالنحيب، وذلك في تأكيد واضح على الطابع الاستجدائي الذي طبعت به هذه الأغنية، تأليفا، ولحنا، وأداء، وتسويقا.

حقا إنها استجدائية الكيلاني، في أخيرات الثواني.

هناك تعليق واحد:

sadiq1951 يقول...

الأمر الرائع الأغاني الأربع التي أبدعها الثوار ردا على استجدائية الكيلاني ، مستعملين لحن أغنية الكيلاني نفسة ، مجيبين على كل الأسئلة التي أثارها في أغنيته .