الاثنين، سبتمبر 24، 2012


حَول، تطرف، تكلف، ظلم. تُرى هل أفرح كل ذلك النبي؟!

أول ما يرتكبه المتظاهرون العفويون المنفلتون من أخطاء، مهما كانت عدالة قضيتهم، هو تعديهم على حق الآخرين في الطريق وتعطيلها وإشاعة الخوف فيها. أما ثاني أخطاء هؤلاء، وهو الأشنع، فهو محاصرتهم واستباحتهم لمكان يتمتع بحرمة مقدسة مستمدة من حرمة وأعراض وأموال ودماء ساكنيه.

الطريق والمأوى هما الملاذ الوحيد للأحياء ساكني الدنيا، والعبث بأي منهما إنما هو عبث بالحياة كلها.

الذين تظاهروا بسبب فيلم "براءة المسلمين"، ورغم أنهم، يرفعون راية الدين الذي يعظم حرمة الطريق والمأوى وأموال وأعراض وأرواح من فيهما، ويأمر بالرفق في كل شيء، إلا أن أيا من مظاهر الدين لم تكن بادية على هؤلاء المتظاهرين، سوى ما شمروه من ثياب، أو ما أرسلوه من شعر.


قناة تليفزيونية اسمها "الحياة"، تمارس فعالياتها بصوت جهوري صادح، وصورة واضحة صارخة، وعلى مدي اليوم، ليله ونهاره، متخذة من تقنيات الإعلام المتطورة سلاحا لها، ومن علوم اللغة والنفس والتاريخ أدوات تشكيك وهدم لعقيدة المسلم.

الحول الذي في عيون متظاهري الشوارع الهوج، حال بينهم وبين رؤية فيل قناة الحياة الذي يحاول أن يهدم بمعاوله العقيدة الإسلامية من قواعدها، بينما ضخم الحول نفسه برغوث الفيلم الواهي جدا فأحاله دينصور.

ركب هؤلاء الحمقى دينصور من حمق وجهل وتكلف وتطرف، فأغلقوا به الطرق وأرعبوا مرتاديها، ثم قصدوا مساكن ذات حرمة فهدموها على ساكنيها، واستباحوا أموالهم وأعراضهم ودمائهم دونما جرم ارتكبوه، بل ربما لم يكونوا على علم بما لأجله حرقوا وقتلوا. إنهم حقا مستأمنون غافلون قتِلوا بغير ذنب!

المتظاهرون المنفلتون قلة، ولكنهم يتكلمون باسمنا، نحن الكثرة الكاثرة، ويتصرفون نيابة عنا، نحن جماهير الشعب الصامتة، فينهبون باسمنا، ويقتحمون البيوت باسمنا، ويسفكون الدماء المعصومة باسمنا، ويوقعون على صكوك إدانة أخلاقية تلبسنا جرما مشهودا، وسندات خسارة باهظة ماحقة تلقي على كواهلنا دينا ثقيلا ممدودا.

إن إقدام الليبيين على دفع الضريبة الباهظة من أجل إزالة الدكتاتورية ونجاحهم في ذلك، من شأنه أن يمنحهم الحق الكامل في الرد على هؤلاء الأوصياء بالحجة الدامغة التي تجرهم جرا إلى حلبة الديمقراطية والاحتكام إلى قوانينها الفذة، تلك الديمقراطية التي تجرم تطاول القلة وتمنع تسلطها، تحت أي مسمى كان، على حق الكثرة وتزوير إرادتها.

إن ظروف بلدنا ليبيا الحالية الحرجة جدا وحاجتها الماسة للهدوء والأمان والتماس العون من كل جهة، تحتم على كل أبنائها تقدير هذه الظروف والتعامل بحصافة وذكاء مع ما تعج به الساحة من متناقضات ومتباينات، لا تزيدها العين الحولاء والذراع الهوجاء والفكرة الحمقاء إلا تناقضا، ولا نجني من ذلك إلا ضررا وتخلفا وضياعا.

اهدءوا أيها المتظاهرون المنفلتون، وخذوا نفسا عميقا يزود دماغكم بما يحتاج إليه من أكسجين الحياة التي يجب أن نعيشها بذكاء، ونتعامل مع تناقضاتها بهدوء ورشد ودهاء، ونحارب خصمنا بسلاحه الناعم الذكي المؤثر الذي يحاربنا به صباح مساء.

إن الكلمة والمعلومة سواء المتربعة في وسط كتاب أو جريدة أو مجلة، أو تلك الممتطية ظهر العنكبوت والمسافرة على جناح الأثير، لهي السلاح الأكثر ذكاء والأكبر تطورا والأقوى حجة والأقل تكاليف. إنها حقا الأجدى.

الناس كلهم خلق الله؛ مؤمنهم وكافرهم، والأديان والرسل كلهم من عند الله، وليس من العدل أن يكون تنافسنا في ذلك تنافسا نقتسم به غنيمة، يقتل بعضنا بعضا على الفوز بشطرها الأكبر. وإنما التنافس يجب أن يكون في دعوة الناس إلى دين الله وجمعهم في حظيرة الدين الحق الذي تزداد قوته في الأرض بزيادة المؤمنين به إيمانا عن قناعة موردها الوحيد الحكمة والموعظة الحسنة، ووشاحها الرفق والمعروف.

حرق المتظاهرون المنفلتون حتى الموت سفير دولة كبرى نحن بحاجة لها، وحطمت معاولهم الغبية صرح ثقة الناس بنا واطمئنانهم إلى نظامنا الديمقراطي الوليد، وهو صرح صنع شهداؤنا لبناته بغالي دمائهم ونفيس أرواحهم، وليس من حق أحد أيا كانت حجته أن يعبث بهذا الصرح، ويفرض علينا وصايته، ويرهن حياتنا ومستقبلنا لحَوله وحمقه وتكلفه وجهله.

قالوا فعلنا كل ذلك من أجل النبي.
ولكن النبي من كل ذلك بريء.



محمد عبد الله الشيباني



ليست هناك تعليقات: