الأربعاء، يونيو 12، 2013

مسامير جحا

مسامير جحا الكثيرة، ومعضلة قيام الدولة الليبية!

مسمار جحا الذي دقه في زاوية صغيرة في أحد جدران دار باعها إلى غيره، واشترط على مشتريها شرطا تعسفيا يقوم بموجبه جحا بائع الدار بزيارة مسماره كلما عنَّ له ذلك؛ وهو ما يعني توقع قدوم جحا في أي وقت يشاءه، والمكوث إلى جانب مسماره ما شاء له أن يمكث.

جحا مالك المسمار قد يأتي في ساعة غداء أو عشاء أو قيلولة أو حتى جوف ليل، وهو ما يحتم على مالك الدار إذا قرر الخروج ترك المفتاح لجحا صاحب المسمار حتى يتمكن جحا من رؤية مسماره والاطمئنان عليه، وقد يضطر صاحب الدار في نهاية المطاف إلى منح جحا صورة من المفتاح ليصبح جحا الذي لا يملك في الدار سوى المسمار قادرا في أي وقت على فتح وغلق الدار، وهو وضع سيؤدي أخيرا إلى إكراه صاحب الدار المسكين على مغادرتها وتركها لجحا ومسماره.

صاحب الدار، وبحكم عقد البيع والعرف والقانون ومنطق الأشياء، آلت إليه الدار بكل حوائطها وكامل سقفها وأرضيتها، وهو المسئول عن هذه الدار أمام الطرف الثالث، بدء من الجار الجنب، وانتهاء بكل خلق الله من عجم وعرب.

مسامير جحا الدولة الليبية كثيرة ومتباينة، منها    الناعم ومنها الخشن، ومنها الحاد الملح ومنها المرن المؤجل، إلا أن جميعها تتحد في تلك الصفة المعيقة المؤذية التي عليها مسمار جحا المذكور، ألا وهي صفة مضايقة صاحب الدار الجديد، وجرح ملكيته لداره المملوكة له عرفا وقانونا، ومن تم إعاقته عن التصرف فيها.

أخطر وأقسى هذه المسامير الخشنة هي تلك التي يتصور أصحابها أن مساميرهم المغروسة في زوايا كثيرة من جسم الدولة هي بمثابة أعمدة لها، ولا يمكن للدولة أن تقوم إلا إذا اتخذت من هذه المسامير أساسا لبنيانها، كما أنهم يدعون ملكيتهم لصكوك قيام الدولة وتحرر ليبيا، وهي صكوك يزعمون أنها غير قابلة للتسييل إلى أية عملة أو المقايضة بأية سلعة إلا سلعة تسيير الدولة والسيطرة عليها.

أحق الناس بادعائهم تحرير ليبيا من دكتاتورية القذافي هم الثوار الأموات لتلك الحرب المقدسة على الدكتاتورية، والتي بدأت كما يعلم الجميع منذ انقلاب القذافي ودامت أزيد من أربعين عاما، سقط خلالها من شهداء الحرية الآلاف، بل عشراتها!

من حق أولئك الثوار الشهداء، إذا افترضنا وجودهم بيننا، أن يدعوا تحرير ليبيا، إلا أنه ليس من الممكن والمنطقي أن يصطف الآلاف منهم، ويطلب كل واحد منهم منصبا ومكانا مميزا في هرم السلطة الضيق المساحة.

بعض الثوار الأحياء يطلبون ذلك، بل يشهرون سلاحهم لتأكيد هذا المطلب!

التعجب يضحى استغرابا بل استهجانا واستنكارا، ونحن نرى الآلاف من أدعياء الثورة المحيطين بالثوار الأحياء يطلبون ما هو ليس بالمنطقي أن يطلبه شهيد!!!!!!!!!!  

تلك هي مسامير جحا الخشنة، أما المسامير الناعمة فهي لا تختلف عن الخشنة السابقة إلا في ملمسها وحدتها، ذلك أن المسامير الناعمة هي الأخرى تعرقل قيام الدولة وتبطئ معدل سرعة انطلاقها. من هذه المسامير الناعمة تلك الآلات والأدوات الديمقراطية المتطورة جدا التي جلبناها من وراء حدودنا، ثم قمنا باستخدامها ونحن في قمة تأجج العاطفة والحماس، وعند تلك الدرجة الفاصلة بين ذروة دكتاتورية النظام السابق وذروة ديمقراطية النظام الجديد، الأمر الذي أدى بنا إلى حالة مشابهة لحالة ذلك المريض الذي اتخذ من دواء موصوف لحالة مشابهة مظهريا لحالته دواء له، متجاهلا الفوارق الجوهرية  بينه وبين صاحبه.

هناك أيضا من المسامير الناعمة الظالمة مسامير حرية التعبير، وفي مقدمتها منصات صواريخ المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية، والتي نشأ معظمها في فترة مخاض خلاص ليبيا من الدكتاتورية والكبت الإعلامي، فما كان من هذه المحطات بعد تغيير النظام إلا أنها قامت بتغيير توجيه منصات صواريخها نحو الدولة الجديدة الوليدة مستخدمة نفس قوتها النارية الإعلامية التي استخدمتها وهي تجهز على النظام البائد القديم.

كذلك مسامير ما يسمى بالمجتمع المدني، والذي هو الآخر انحرف كثيرا عما يجب أن يكون عليه في تجذير مبادئ الثورة، وفتح جبهة شعبية مدنية موازية لجبهة الحكومة من أجل محاربة الأعداء التقليديين المعروفين؛ الجهل، والمرض، والفقر، والفساد، وكل أشكال التخلف الحضاري المعروفة.

ركب تيار نشاط المجتمع المدني الكثير من أصحاب الرؤى والمنافع الضيقة، واصطبغت نشاطاته بالألوان الأيديولوجية والسياسية المتباينة، وبدل أن يقوم هذا التيار بوضع لبناته في جدار بناء الدولة الواحدة،  بات يضع هذه اللبنات في جداراته المتعددة المتباينة، بل والمتصادمة. 

لابد لبعض الأطراف الخارجية من بعض المسامير، إلا أن أقسى أنواع هذه المسامير ما كان منها على صلة ببعض المسامير المحلية، مسمار من هذا النوع سيكون مسمارا مهجنا وغاية في الأذى والخطورة! 

لن تقوم الدولة الليبية إلا بإزالة كل هذه المسامير.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: